في هذا المقال نناقش مسألة غريبة ومرعبة في آن واحد! هناك شياطين كفرة كانت في زمان سليمان عليه السلام، وقد كفرت به، وأبت أن تطيعه، فسجنها سليمان عليه السلام في جزر بالبحر، أو في قاع البحر.
· قال تعالى: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12]. نذقه شيئًا من عذاب السعير في الدنيا قبل الآخرة.
· ووردت الإشارة إلى توثيق سليمان عليه السلام للشياطين في البخاري عندما اعترض الشيطان رسولَ الله r فهمَّ أن يوثقه لكنه قال: “.. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا، فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: { رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِيًا”. أي مطرودًا.
ظلت هذه الشياطين مسجونة فترة، ثم شاء الله تعالى أن يفكَّ قيدها، وتخرج للناس لتفتنهم، وفتنتهم لهم بطريقة خطيرة! روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».
الشياطين كفرة الجن، وهم يقصدون بهذه القراءة الإضلال والفتنة لا شك، فكيف تكون قراءة القرآن فتنة للناس؟ للعلماء في تفسير ذلك مدارس:
· البعض قال إن هذا قرآن محرَّف، كالذي قاله مسيلمة، وسجاح، والقرامطة، وبعض الشيعة.
· والبعض قال إن المقصود ليس القرآن الكريم، ولكن المقصود لغوي، فالقرآن يعني الجمع، وسُمِّي القرآن قرآنًا لأنه جمع المعاني الشريفة، ومن ثم فالشياطين تقرأ على الناس أمورًا جمعوها للإضلال، وليس المقصود قراءة القرآن بذاته.
أرى أمورًا جديدة في المعنى المقصود، تضاف إلى ما سبق، وإن كنت أرى أن التفسير بهذين المعنيين لا يفيان بالغرض؛ لأن قراءة القرآن المحرف لا خطورة منها لضعفه الشديد، وقد قال أعرابي ارتد مع مسيلمة: والله أعلم أن محمدًا -r- صادق، وأن مسيلمة كاذب، ولكن كاذب بني ربيعة أحب إليَّ من صادق مضر. أيضًا لا أعتقد أن المقصود لغوي، وإلا لاستخدم عبد الله بن عمرو كلمة أخرى، وليس من المشتهر استخدام كلمة القرآن، في معنى الجمع.
أولًا: يمكن أن تقرأ هذه الشياطين هذا القرآن على الناس في غير محله، بحيث يأتي الانطباع عند السامع بشيء ليس هو هدف الآية؛ كفهم بعض الناس لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، على أنها عدم الاهتمام بنصيحة الناس، فصحَّح لهم أبو بكر الصديق المعنى بقوله -كما روى الترمذي-: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِمًا، فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ».
ثانيًا: تجميع الآيات التي يشتبه معناها على الناس، وبالتالي التشكيك في صدق القرآن، والقرآن فيه آيات تشتبه على الناس. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].
ولاحظ كلمة: {فَيَتَّبِعُونَ}، ففيها الحرص على البحث على المتشابه
ولاحظ أيضًا كلمة: {زَيْغٌ}، فهي موازية لفعل الشياطين الذين عصوا سليمان عليه السلام: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}.
ثالثًا: مشكلة أخرى أقل خطورة، وهي كلام الباطنية، وبعض فرق الشيعة، الذين يقولون إن للقرآن معنى ظاهرًا، وآخر باطنًا لا يعلمه إلا علماء المذهب.
يبقى سؤال مهم: هل تقرأ الشياطين بنفسها القرآن على الناس، أو توسوس بذلك إلى بعض الناس؟ الأمران واردان:
· روى مسلم عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود قال: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي الْقَوْمَ، فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ”.
· الوسوسة لأناس أقرب إلى الشياطين في سلوكهم وهم من البشر: روى مسلم عن حذيفة أن النبي r قال: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ».
الحلُّ أمام فتنة الشياطين الملجمة التي تخرج من قيدها:
لا تأخذ دينك من أي إنسان: روى مسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ»:
1. انظروا إلى تاريخه
2. انظروا إلى فلتات لسانه: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30].
3. انظروا إلى رأي العلماء الثقات فيه
4. انظروا إلى ما قاله العلماء في القضية نفسها، ولا تجعلوا فكركم حكرًا على أحد
أخيرًا، وخلاصة الخلاصة: النية الصادقة في الوصول للحقيقة ستبلغ بكم إن شاء الله: قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69][1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
تمت قراءة هذا المقال بالفعل21 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق
