تقوقع العجوز وهو يمكث على كرسيه …وبدأت اهاته ..وبكائه ..يزداد ..اكثر فأكثر…من شدة المه.
وابنته تواسيه على ما هو فيه.
ونظرات الشفقه ممتلئه فى عيون الناس.
لكن لا باليد حيله.
وبعد برهه من الوقت وفجأه ..حدث مالم اتوقع حدوثه?.
مهافتافيتورق
مهاامادموريماس
يوم في _العياده
الجزء الثاني
وابنته تواسيه على ما هو فيه …. ونظرات الناس ممتلئه بالشفقه عليه.
لا باليد حيله ….غير الدعاء له.
وبعد برهه من الزمن ….فجأه!
حدث مالم اتوقعه إطلاقا.
وها إن ذا …يفتح باب غرفة الكشف بإندفاع … ويخرج الطبيب المعالج متعصبا.
ويخطوه خطواته لغرفه الإستقبال…فتوقف فجأه في منتصف الغرفه.
هو رجل يتجاوز الخمسين من عمره ، سمين الجسد ، حليق الذقن ، طويل القامه ، وعلى رأسه الاصلع قليل من الشعر الابيض ، وعلامة سجوده للصلاه تشع نورا من جبينه .
كنت اظن انه يبحث عن السكرتيره ليوبخها بما فعلته مع العجوز ، أو ما سمعه وهو بداخل الغرفه من ضوضاء ، أو المريض الذي كان بالداخل أخبره بما شاهده خارجا.
وجال بخاطري ….بأنه سيرحمه مما هو فيه.. من تعب ، ويأخذه معه داخل غرفة الكشف….ليعالجه …ويمحو آلمه .
ويأتي له ما سلب من كرامته ….بتوببخ …أو …فصل السكرتيره أمام الجميع .
ولكن المفاجأه اكثر مما توقعت للاسف.
وقف الطبيب أمام العجوز ، متربع اليدين ، لايهتم لإمره بشيء ، رافع إحداى حاجبيه ، وعيونه تملئوها حمره ….كبركان غاضب قائلا بصوت على مسمع الجميع :هو ينفع كده يا حاج …اللي انت بتعمله ده .
انا مش عارف اشوف شغلي .(ببحة صوت شيطانيه).
فتعجب الجميع بإندهاش …منهم من اغمض عينيه من شدت الصدمه …ومنهم من وضع كفيه مغطيا وجهه….ومنهم من خانتهم اعيونهم وأزدلفت بالدموع.
والجميع في صمت …..
فرد العجوز وهو ينظر للطبيب بشيء من القلق…ووجهه يعبر عن الكثير من الحزن والكرب :معلش يا ابني …انا تعبان …ومش قادر استحمل …سامحني …. مش بإيدي …انا موجوووع….ابوس ايديك اعمل اي حاجه توقف لي الوجع ده….حرام عليكم تسبوني كده …دي السكرتيره بهدلتني يابني …..
فأشار بكفه يأمره بأن يتوقف عن الحديث …وبكل ما أوتي من قوة الجليد وبرودته في قلبه يقطن قائلاً: هو احنا عملنا فيك ايه يعني …. هو احنا عملنا حاجه ….متخفش مش حتموت دلوقتي ….ولو مت …ده قضاء ربنا …انا مليش دخل فيه …اعملك ايه يعني ….اسيب اللي ورايا وافضالك انت بقى …استنا دورك …زيك زي غيرك.
واضعا أصابعه السبابه على فمه قائلاً:ومش عايز اسمع صوت تاني ….مفهوم .
اووووووف ….محدش بيحس بحاجه …الله .
فأومء العجوز برأسه دون أن ينسب بكلمه .
فهم الطبيب ليغادر مسرعا …بإتجاه غرفته….ودلف…وأغلق الباب بشده.
وكلا منا يتألم …آلآما …مضاعفا ….لما قاله.
الهدوء يعم المكان ….لكن جميعنا عقولنا لا تكف عن الضجيج .
آرى التعجب ، و الاندهاش ، في عيون المرضى…
والعجوز …يكز على أسنانه …بصمت .
أما أنا قائله في نفسي: ايه ده …فيه كده…ايه اللي قالوه الدكتور ده…فين الرحمه دي …فين ده لو كلب كان عامله برحمه شويه ….وأزاي محدش فينا قدر يتكلم مع الدكتور….ازاي احنا كلنا سكتنا على اللى اتعمل واللى اتقال …هو احنا جبناء اوى كده…ولا خايفين ميرداش يعالجنا …وسيبينوه يتحكم فينا كده …لا رحمه …ولا انسانيه …رحمتك يااارب ولطفك بعبادك …متحوجناش لحد غير ليك .
ثم اتجهت السكرتيره إلي العجوز وهي تمشي رويدا ، رويدا بكل تكبر وغرور ، كمنتصرت حرب معلنه هزيمته.
وحدقت بعيني العجوز ، وأطالت النظر … قائله: مش قولت لك تسكت …احسن لك …كان لازم تتبهدل كده …انت اللي قللت من نفسك …قدام الناس ..اسكت بقى …هاه …ماشي .
أما العجوز …فكانت عيناه بطيئة الخطى …مترددا .. بائسا…حزينا..لا بيده اي حيله ..غير السكوت معلن هزيمته.
لكن قال لها بكل ما أوتي من قوه ، وشجاعه ، وعدم الاستسلام : منكم لله …حيجي عليكم يوم …متلقوش بق المياه …وحتشوفي …انتي ..ودكتورك ..داين تدان ..يا متعلمه يا بتاعت المدارس .
وصمت …صمت كل شيء……
فأخذت تثرثر … ثرثرات سخيفه ..بينها وبين نفسها.
لكن جميعنا نشاهدها في صمت .
وبعد قليل من الزمن …جاء دور العجوز …ودلف مع ابنته ناظره الي الأرض …صامته…من الخجل …ولا تقدر على فعل شيء.
وبعد لحظات ….خرج العجوز …وهو يتثأب في كسل قائلاً لابنته: يالا خديني على البيت ….عايز انام ….انا الحمد لله بعد الحقنه اللي الدكتور عطهالي بقيت الحمد لله كويس .
فهم إليه بعض المرضى … للاطمئنان عليه .
وخرج من العياده مبتسما … سليما …معافيا ..من الخارج ..ولكن بداخله لا يعلمه الا الله.
ولكن!
كسر بداخل كل منا ….شيء …لا يمكن إصلاحه .
وبرغم جميع محاولاتي المحنقه…التي كانت تجري بيني ….وبين نفسي …لم افعل شيء .
سوى …خروجي من العياده ..في صمت …مناديه علي السكرتيره …وانا لا أبالي ….ذاهبه لطبيب اخر يعالج والدي…