dark

رييل ستوري | تفسير سورة النازعات

اعلانات

تفسير سورة النازعات

سورة النازعات: مكية، عدد آياتها: 46 آية.

 

مقاصد سورة النازعات:

(1) بيان الإيمان بالملائكة.

 

(2) بيان الوظائف الموكلة لبعض الملائكة.

 

(3) بيان شدة الموت، وإثباتُ البَعْثِ والجَزاءِ.

 

(4) الرَّدُّ على المُنكِرينَ والمكذِّبين لوُقوعِ البَعْثِ.

 

(5) ذكر جانب من قصة موسى عليه السلام للعبرة والعِظة.

 

(6) إقامةُ الأدِلَّةِ والبراهين على إثباتِ البَعْثِ.

 

(7) التذكير بشيء من أهوال يوم القيامة.

 

(8) بيانُ حُسْنِ عاقِبةِ المتَّقينَ، وسوءِ عاقِبةِ الكافِرينَ.

 

تناسب سورة النازعات مع سورة النبأ التي قبلها في المصحف:

قال السيوطي: ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها عقب سورة عَمَّ، وأولها يشبه أن يكون قسمًا لتحقيق ما في آخر عَمَّ، أو ما تضمنته كلها[1].

 

تناسب سورة النازعات مع سورة عَبَس التي بعدها في الترتيب:

وردت سورة عبس عقب سورة النازعات مع تقاربهما في بعض المعاني؛ كقوله تعالى:﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ ﴾ [النازعات: 34]، وقوله: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ [عبس: 33]، وهما من أسماء يوم القيامة.

 

تفسير سورة النازعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾[النازعات: 1]: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ ﴾: الواو للقسم، والقسم يدل على عظم شأن المقسم به، وتنبيه على المعاني العظيمة المقصودة من القسم، ﴿ وَالنَّازِعَاتِ ﴾ يعني طوائف من الملائكة تنزع أرواح الكافرين من الأجساد عند موتهم و﴿ غَرْقًا ﴾ قبل الموت، أخرج الطبري بسنده عن مجاهد: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ قال: الموت.

 

قَالَ ابن عباس: هِيَ أَنْفُسُ الْكُفَّارِ تُنْزَعُ ثُمَّ تُنْشَطُ ثُمَّ تُغْرَقُ فِي النَّارِ.

 

وقيل: ﴿ غَرْقًا ﴾ يعني: تُنزَع بشدة؛ كَمَا يَنْزِعُ النَّازِعُ فِي الْقَوْسِ فَيَبْلُغُ بِهَا غَايَةَ الْمَدِّ، بمعنى كما يشد وتر القوس بقوة فكذا تنزع أرواح الكافرين بشدة.

 

قال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: يَنْزِعُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعْرَةٍ وَمِنَ الْأَظَافِيرِ وَأُصُولِ الْقَدَمَيْنِ، وَيُرَدِّدُهَا فِي جسده بعد ما يَنْزِعُهَا حَتَّى إِذَا كَادَتْ تَخْرُجُ ردها في جسده بعد ما يَنْزِعُهَا، فَهَذَا عَمَلُهُ بِالْكُفَّارِ[2].

 

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَعْوَانُهُ يَنْزِعُونَ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ كَمَا يُنْزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشُّعَبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ، فَتَخْرُجُ نَفْسُهُ كَالْغَرِيقِ فِي الْمَاءِ.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [الأنفال: 50].

 

وقيل: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾: النجوم، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ النُّجُومُ تُنْزَعُ مِنْ أُفُقٍ إِلَى أُفُقٍ تَطْلُعُ ثُمَّ تَغِيبُ.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ [النازعات: 2]: قسم معطوف على القسم بـ ﴿ وَالنَّازِعَاتِ ﴾ وهم طوائف من الملائكة تنشط أرواح المؤمنين لتخرجها وتقبضها برفق ولين؛ وهم ملك الموت وأعوانه من ملائكة الرحمة.

 

والنشاط أصله الخفة والسرعة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: “كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ” [3]. وهذا للتيسير على المؤمنين؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28]، وَقَال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ [النازعات: 3]: ﴿ وَالسَّابِحَاتِ ﴾؛ أي: الْمَلَائِكَةُ يَنْزِلُونَ مِنَ السَّمَاءِ مُسْرِعِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ؛ كما في الحديث: “يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار”[4]، وقيل: هِيَ الْمَلَائِكَةُ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، كَالَّذِي يَسْبَحُ فِي الْمَاءِ، فَأَحْيَانًا يَنْغَمِسُ وَأَحْيَانًا يَرْتَفِعُ، يَسُلُّونَهَا سَلًّا رَفِيقًا بِسُهُولَةٍ، ثُمَّ يَدَعُونَهَا حَتَّى تَسْتَرِيحَ.

 

وقيل: هِيَ النُّجُومُ تَسْبَحُ فِي أَفْلَاكِهَا، وَكَذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء: 33].

 

وقال عَطَاءٌ: هِيَ السُّفُنُ تَسْبَحُ فِي الْمَاءِ.

 

قال أبو السعود في “تفسيره” (9/ 96): والمُقسمُ عليهِ محذوفٌ تَعْويلًا على إشارةِ ما قبلَهُ من المقسمِ بهِ إليهِ ودلالةِ ما بعدَهُ من أحوالِ القيامةِ عليهِ وهو لتبعثنَّ، فإنَّ الإقسامَ بمَنْ يتولَّى نزعَ الأرواحِ، ويقومُ بتدبيرِ أُمورِها، يلوحُ بكونِ المقسمِ عليهِ من قبيلِ تلكَ الأمورِ لا محالةَ؛ انتهى.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ [النازعات: 4] السابقات: أرواح المؤمنين تسبق إلى الملائكة؛ شوقًا للقاء الله تعالى.

 

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ أَنْفُسُ الْمُؤْمِنِينَ تَسْبِقُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا شَوْقًا إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، وَقَدْ عَايَنَتِ السُّرُورَ[5].

 

وقوله عليه الصلاة والسلام: “مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ”[6].

 

وفي هذا ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه قال: “الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ”[7].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات: 5] “المدبرات” الملائكة، ومعناه: أنها تدبر الأمور التي سخَّرها الله تعالى وصرفها فيها؛ كالرياح والسحاب والأرزاق وسائر المخلوقات، تدبر من السَّنَة إِلَى السَّنَة أو تدبيرًا يوميًّا.

 

وقيل: السابقات هم المدبِّرات، وهم الملائكة التي تسبق إلى القيام بما وكل إليهم من أعمال، قال تعالى: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ [النازعات: 6، 7].

 

الرَّاجِفَةُ: النفخة الأولى، والرجف: الزلزلة، ونفخة الصعق التي ينفخها إسرافيل عليه السلام يموت بها الخلق، قال تعالى: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]، و﴿ الرَّادِفَةُ ﴾: النفخة الثانية نفخة البعث، قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الحاقة: 13 – 15]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [النمل: 87].

 

ومنهم من ذكر أن النفخات ثلاث: فالنفخة الأولى نفخة الفزع والتهويل، والثانية للصعق والإماتة، والثالثة للإحياء والبعث.

 

والراجح أنهما نفختان، وأن نفخة الفزع والصعق واحدة[8].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾ [النازعات: 8]؛ أي: قلوب الكفار خائفة وجلة، يقال: وجف القلب؛ أي: خفق واضطرب، قال سبحانه: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18].

 

وقوله: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ[إبراهيم: 42- 43].

 

وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الصراط وأهوال يوم القيامة: “وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ”[9].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النازعات: 9]؛ أي: ذليلة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: 43، 44]، كَقَوْلِهِ: ﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [الشورى: 45].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴾ [النازعات: 10].

 

تأويل قوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴾؛ أي: يتساءلون: هل نعود ونبعث من قبورنا؟ فالحافرة هي الأرض، وسميت بالحافرة لأنها تُحفَر، والحافرة أيضًا القبور، يعني هم يقولون: هل نبعث في قبورنا ونخرج منها إلى الأرض بعد أن صرنا ترابًا وعظامًا؟ هل نعود خَلْقًا جَدِيدًا نَمْشِي على الأرض؟

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً ﴾ [النازعات: 11] ﴿ عِظَامًا نَخِرَةً ﴾؛ أي: بالية، وَالنَّاخِرَةُ: المجَوَّفَةُ الَّتِي تَمُرُّ فِيهَا الرِّيحُ فَتَنْخُرُ؛ أَيْ: تُصَوِّتُ.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ [النازعات: 12] كرة؛ أي: عودة أو مرة ثانية، خاسرة؛ أي: خائبة كاذبة، والمعنى أنهم يكذبون بالبعث ويوم القيامة.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [النازعات: 13] الْمُرَادُ بِالزَّجْرَةِ الصَّيْحَةُ، وهي نفخة البعث والإحياء؛ كما قال تعالى: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ [الصافات: 16 – 19].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الواقعة: 47 – 50].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ [النازعات: 14] والساهرة وجه الأرض، أرض المحشر، عن سهل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ﴿ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ عَفْرَاءُ كَالْخُبْزَةِ مِنَ النَّقِيِّ[10]. وقال مجاهد: الساهرة المكان المستوي[11].

 

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْفَلَاةَ وَوَجْهَ الْأَرْضِ: سَاهِرَة. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: تَرَاهُمْ سَمَّوْهَا سَاهِرَةً؛ لِأَنَّ فِيهَا نَوْم الْحَيَوَانِ وَسَهَرهمْ[12].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ [النازعات: 15] أسلوب تشويق، يعني: قد أتاك يا محمد خبر موسى.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [النازعات: 16] الوادِ المقدس؛ أي: المطهر المبارك، و﴿ طُوًى ﴾: اسم للوادي أو لأن موسى عليه السلام، مرَّ به ليلًا وطواه.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [النازعات: 17]: ﴿ فِرْعَوْن ﴾ حاكم مصر، و﴿ طَغَى ﴾؛ أي: ظلم وتكبَّر وكفر بالله. قال تعالى آمرًا موسى وأخاه هارون عليهما السلام: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾ [طه: 43 – 45].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴾ [النازعات: 18]؛ أي: فقل يا موسى لفرعون: هل لك أن تؤمن بالله وتتبعني، و﴿ تَزَكَّى ﴾؛ أي: تُطهِّر نفسك بالإيمان والتوحيد وعبادة الله وحده، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في معنى التزكِّي؛ أي: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وقال تعالى: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44]، وقال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 – 10].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات: 19، 20]؛ أي: أدعوك إلى عبادة الله وتوحيده، ﴿ فَتَخْشَى ﴾؛ أي: تُعظِّمه سبحانه، فتأمن عقابه.

 

و﴿ الْآيَةَ الْكُبْرَى ﴾؛ أي: المعجزة الدالة على صدق موسى عليه السلام، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ الْبَيْضَاءُ المنيرة المشرقة من غير علة ولا مرض، قال تعالى: ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الأعراف: 107، 108].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى ﴾ [النازعات: 21 – 23]؛ أي: فلم يؤمن فرعون وكفر وكذب برسل الله، واتَّهم موسى عليه السلام بأنه ساحر، ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴾؛ أي: ولَّى مُعرِضًا مُكذِّبًا، ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى ﴾؛ أي: جمع الناس وحشرهم في مكان واحد، وأتى بسحرته ليواجهوا موسى عليه السلام بسحرهم، قال تعالى: ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 34 – 39]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴾ [طه: 56 – 60].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]؛ أي: ادَّعى فرعون الربوبية والألوهية عياذًا بالله، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 25]، ﴿ نَكَالَ ﴾؛ أي: عذاب وعقاب الدنيا والآخرة، فأغرقه الله تعالى وجنوده، قال تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 40 – 42]، وقال: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾ [غافر: 46]، ويدخل في النار مع أتباعه بقوله: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]؛ فاتصلت عقوبة الدنيا بعقوبة الآخرة.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات: 26] ﴿ لَعِبْرَةً ﴾؛ أي: عظة ﴿ لِمَنْ يَخْشَى ﴾؛ أي: يخاف ربَّه تعالى.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴾ [النازعات: 27] ثم يخاطب الله تعالى ذِكره مُنْكري البعث والنشور، يعني: أبعثُكم بعد الموت أشد، أم خلق السماء وبناؤها، قال تعالى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ [النازعات: 28]، قال مجاهد: يَعْنِي: “بُنْيانها بِغَيْرِ عَمَدٍ”[13].

 

والله يقول: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الرعد: 2].

 

وقيل سمكها: سقفها، وقيل: جرمها وصورتها، ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾؛ أي: أحكم صنعها وأتقنها، قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 29] قال ابن عباس: أظلم ليلها، ﴿ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ يَقُولُ- أي ابن عباس-: “أَخْرَجَ نَهَارهَا” [14].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30]؛ أي: بسطها ومهَّدها وذللها، لتصلح للعيش فيها، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6]، وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾ [نوح: 19]، وقوله: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾ [الملك: 15].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 31]؛ أي: فجَّر من الأرض الأنهار والعيون والآبار، ﴿ وَمَرْعَاهَا ﴾؛ أي: النبات والعشب الذي يرعى ويؤكل.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 32، 33]: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾؛ أي: ثبَّتها لئلا تضطرب وتميد بكم.و﴿ مَتَاعًا ﴾؛ أي: منفعة، والأنعام هي الدواب.

 

وَقَدَّمَ الْمَاءَ عَلَى الْمَرْعَى؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي وُجُودِ الْمَرْعَى، وفي الآيات تذكير بنِعَم الله تعالى، بأن بسط الأرض ومهدها ويسَّر العيش فيها، وأوجد ما يحتاج إليه خلقه من الماء والنبات وسائر النِّعَم.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات: 34]؛ أي: واذكر يا محمد إذا جاءت الطامة الكبرى؛ أي: الداهية العظمى ومجيء يوم القيامة، ويوم الطامة هو يوم القيامة، وقيل الطامة: النفخة الثانية نفخة البعث، وسميت طامة؛ لأنها تطم الأشياء؛ أي: تعمها وتعلو عليها لشدتها، يقال: طمَّ الماء إذا ملأ النهر.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾ [النازعات: 35]؛ أي: ما عمل واكتسب، قيل: بقراءته كتابه؛ كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23، 24]، وقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14]، وقوله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

وقيل: يتذكر بالجزاء؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 82]، وأخرج مسلم عن أبي ذرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: “يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ”[15]. ويجمع هذا قوله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يس: 54].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾ [النازعات: 36] ﴿ وَبُرِّزَتِ ﴾؛ أي: أظهرت واتضحت لأهل الموقف في أرض المحشر يوم القيامة، وذلك ليعلم الْمُؤْمِنُونَ من أَي عَذَاب نَجوا؛ كقوله تعالى: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾ [الشعراء: 91].

 

وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ عَبْدِاللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا”[16].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ﴾ [النازعات: 37]؛ أي: كفر أو عصى وتمرَّد وظلم، والطغيان تجاوُز حدود الله، أو طغى بنِعَم الله فاستعان بها على معصية الله.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [النازعات: 38]؛ أي: آثر الدنيا ومتاعها على نعيم الآخرة، وذلك بتحصيل شهواته وملذَّاته بالكفر وعصيان أمر الله تعالى.

 

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ”[17].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 39]؛ أي: إن النار هي مأواه ومسكنه ومستقره الذي يأوي إليه ويلازمه، قال تعالى: ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 66].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]؛ أي: إن من خشي ربَّه واتَّقاه وعَظَّمه بالسمع والطاعة لما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر فإنه يستحق أن يدخل الجنة ويسكنها بفضل الله تعالى، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13، 14].

 

وفي الآية بيان فضل الخوف من الله ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، قَالَ: “وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[18].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴾ [النازعات: 42 – 44]؛ أي: يسألك المكذبون تعنُّتًا: يا محمد، متى يوم القيامة؟ والساعة هي يوم القيامة، ﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾؛ أي: متى وقوعها وثبوتها؛ كقوله: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس: 48].

 

﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴾؛ أي: أنت يا محمد لا تعلمها؛ أي: زمن وقوعها، ﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴾؛ أَيْ: عِلْمها عِنْدَ اللَّهِ وحده، قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187].

 

وفي الحديث لما سأل جبريل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: “مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ”[19].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 45، 46]؛ أي: إنما أنت يا محمد مخوف من يخشى عذاب يوم القيامة، والمعنى أنك بعثتَ بالبشارة والنذارة، ولا ينفع إنذارك إلا من يخشى قيام يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾ [يس: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

 

﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 46]؛ أي: عندما يرى هؤلاء المكذبون المعرضون يوم القيامة، فمن شدة الهول والفزع يستقصرون مكثهم في الدنيا، فكأن دنياهم مثل ما بين الظهر إلى غروب الشمس؛ وهي العشية، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار؛ وهو وقت الضحى؛ كقوله تعالى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ﴾ [الأحقاف: 35]، ومن المحسنات البديعية الطباق بين ﴿ عَشِيَّةً ﴾ و﴿ ضُحَاهَا ﴾.

 

هذا آخر ما تيسَّر من تفسير سورة النازعات


[1] أسرار ترتيب القرآن (1/ 147).

[2] تفسير البغوي (8/ 320).

[3] أخرجه البخاري (5749) ومسلم (2201) وأبو داود (3418) واللفظ له.

[4] أخرجه البخاري (555) ومسلم (632).

[5] تفسير البغوي (8/ 325).

[6] أخرجه البخاري (6507)، ومسلم (2683).

[7] أخرجه مسلم (2956).

[8] رجَّح ذلك القرطبي في تفسيره، يُنظر: (تفسير القرطبي) (13/240). وابن حجر في فتح الباري (11/ 369) .

[9] أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (182).

[10] الدر المنثور (8 / 418- 419).

[11] تفسير مجاهد ص 702.

[12] تفسير البغوي (8/ 328).

[13] تفسير مجاهد ص 704.

[15] أخرجه مسلم برقم (2577)، والبخاري في الأدب المفرد (490).

[16] أخرجه مسلم برقم (2842).

[17] أخرجه مسلم برقم (2956).

[18] أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (640)، وقال الألباني: حسن صحيح، راجع «السلسلة الصحيحة» (742).

[19] متفق عليه: أخرجه البخاري برقم (50)، ومسلم برقم (8).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل9 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | أخطاء في حق المسلم

Next Post

رييل ستوري | الوفاء من خصال الشرفاء الأتقياء

Related Posts