dark

رييل ستوري | تفسير سورة الفاتحة

اعلانات

تفسير سورة الفاتحة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 – 7].

 

عدد آياتها: 7 آيات.

مكية.

 

أسماؤها: الفاتحة، أم الكتاب، وأم القرآن، والحمد، والكافية، والواقية، والرُّقية، والوافية، والشفاء، والسبع المثاني، وسورة الصلاة، والأساس.

 

وأسماء سورة الفاتحة، منها التوقيفية، ومنها اجتهادية؛ وأشهرها هي: فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم الكتاب، وأم القرآن، وأشهر هذه الأسماء هي “الفاتحة”، أما باقي التسميات، فهي من باب الاجتهاد.

 

وسُمِّيَت أمَّ القرآن؛ لشمول هذه السورة لكل معاني القرآن، واحتوائها لمقاصد الشريعة في أمور الدنيا والآخرة.

 

أخرج البيهقي في “شعب الإيمان” عن الحسن البصري أنه قال: ((إن الله أودع علومَ الكُتُبِ السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المفصَّل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علِم تفسيرها، كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنـزلة)).

 

وسُمِّيت الفاتحة؛ لافتتاح المصحف بها، ولأنها الفاتحة لكل النِّعم، وسميت سورة الصلاة؛ لأن الصلاة لا تصحُّ إلا بها.

 

فضلها:

(1) قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]؛ أخرج البخاري وأبو داود عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه، قال: ((كنت أُصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أُجِبْه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: ألم يَقُلِ الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]؟ ثم قال لي: لأُعلِّمنَّك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تَقُلْ: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين؛ هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أُوتيتُه)).

 

(2) أخرج أحمد (21094)، والترمذي (3125)، عن أُبيِّ بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله في التوراة والإنجيل مثل أمِّ القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل)).

 

(3) أخرج مسلم برقم (806) عن ابن عباس، قال: ((بينما جبريل قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضًا[1] من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتِحَ اليومَ، لم يُفتَح قط إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلَّم، وقال: أبْشِرْ بنورَين أُوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أُعطيتَه)).

 

(4) أخرج مسلم برقم (395) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن، فهي خِدَاجٌ – ثلاثًا – غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي – وقال مرةً: فوض إليَّ عبدي – فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)).

 

(5) أخرج البخاري برقم (756)، ومسلم (394)، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).

 

(6) الفاتحة رُقية نافعة بإذن الله؛ أخرج البخاري (5736)، ومسلم (2201)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتَوا على حيٍّ من أحياء العرب، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تَقْرُونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بُزاقَه ويَتْفُل، فبَرَأ فأُتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه، فضحك، وقال: وما أدراك أنها رُقية؟ خُذُوها واضربوا لي بسهم)).

 

قراءة الفاتحة في الصلاة:

قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد ركنٌ من أركان الصلاة؛ وهذا مذهب الجمهور: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وداود الظاهري، وجمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))؛ [متفق عليه].

 

وعن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خِداج[2]))؛ [مسلم].

 

وذهب الحنفية ومن وافقهم كالحسن والثوري والأوزاعي إلى صحة الصلاة بآيات من القرآن، سواء الفاتحة أو غيرها، وهو عندهم فرض؛ واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ [المزمل: 20]، وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن))؛ [متفق عليه]، والقول الأول أصح، والله أعلم.

 

مقاصد سورة الفاتحة:

(1) حمد الله وتمجيده وتعظيمه.

(2) توحيد الربوبية والألوهية.

(3) بيان أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، والثناء عليه بها.

(4) وجوب الإيمان بيوم القيامة.

(5) وجوب إخلاص العبادة لله وحده.

(6) الاعتصام بالله، وطلب الهداية، ولزوم صراطه المستقيم.

(7) الخوف من سلوك سبل المشركين وعملهم من اليهود والنصارى ومن سواهم.

 

مناسبة السورة لِما بعدها:

جاءت سورة الفاتحة كالمقدِّمة للقرآن؛ فهي تجمع مقاصده ومعانيَه بأوجز عبارة، وتوضح الغاية من إنزاله والوحي به؛ وذلك في قوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

قال البقاعي:

“لأن المقصود من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، نصبُ الشرائع، والمقصود من نصب الشرائع جمع الخلق على الحقِّ، والمقصود من جمعهم تعريفهم الملك وبما يُرضيه، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة”[3].

 

تفسير الاستعاذة:

والاستعاذة ليست آية من الفاتحة ولا في أوائل السور؛ وإنما ندب إليها بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، والمعنى: إذا أردت قراءة القرآن، فاستعذ بالله؛ قال البخاري في صحيحه (6/ 82): “هذا مقدَّم ومؤخَّر؛ وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة، ومعناها الاعتصام بالله”.

 

صيغة ولفظ الاستعاذة:

“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، وهو ما عليه جمهور العلماء؛ أخرج البخاري ومسلم عن سليمان بن صرد، قال: ((استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما يغضب ويحمرُّ وجهه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لَأعلمُ كلمةً لو قالها، لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).

 

وروى أبو داود وابن ماجه في سننهما، عن جبير بن مطعم مرفوعًا وفيه: ((أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونَفْثِهِ وهَمْزِه)).

 

وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ من همزه ونفخه ونفثه)).

 

ومعنى أعوذ: أي: أعتصم وألوذ، وألجأ وأحتمي بالله.

 

الشيطان: كل متمرد من الجن والإنس، وأصله من شطن؛ أي: بعُد، وقيل: من شاط يشيط؛ أي: هلك واحترق؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112].

 

الرجيم: فعيل من رَجَمَ، وأصل الرَّجْمِ الرَّمْيُ، والمرجوم: الملعون المطرود، والاستعاذة من وسوسته وإغوائه، وضرره ونفثه؛ أي: سحره ومسِّه وهمزِه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200].

 

تفسير البسملة:

بسم الله: معنى الابتداء؛ أي: أبدأ متبرِّكًا باسم الله؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: 1]، واسم مشتق من السمو؛ وهو العلوُّ والرِّفعة.

 

الله: عَلَمٌ على ذات الله، ولا يُسمَّى به غيره سبحانه، فهو اسم عَلَم خاص لله عز وجل؛ قال الخليل: لا اشتقاق له، وقال جماعة: هو مشتق، قيل: من ألَهَ إلاهةً؛ أي: عبد عبادةً، ومعناه أنه المستحق للعبادة دون غيره؛ قال الكسائي والفراء: معنى “بسم الله”: بسم الإله، فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية، فصارتا لامًا مشددةً.

 

والإله اسم من الأسماء الحسنى لله تعالى ومعناه المعبود، ورد عن الضحاك أنه قال: “إنما سُمِّيَ الله إلهًا؛ لأن الخلق يتألَّهون إليه في حوائجهم، ويتضرَّعون إليه عند شدائدهم”.

 

الرحمن: اسم من الأسماء الحسنى لله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، وهو خاصٌّ بالله تعالى لا يُسمَّى به غيره، قيل: أي: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لكل الخلق؛ قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].

 

الرحيم: من الأسماء الحسنى، قيل: أي: ذو الرحمة الواصلة، وقيل: هو خاص بالمؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

 

والاسمان الكريمان يدلَّان على ذات الله تعالى، وعلى صفة الرحمة بالمطابقة، وعلى باقي صفاته سبحانه، إما بالتضمن، وإما باللزوم.

 

فالله تعالى مُتَّصف بصفة الرحمة، وهي صفة كمال، بخلاف أهل البدع الذين ينكرون اتصاف الله بالرحمة، بدعوى أنها تدل على الضعف والرِّقة، وصفات الله تعالى أزلية قديمة بقدم ذاته سبحانه؛ يعني ليست مكتسبة ولا مُحدَثة ولا مخلوقة، أما ما جعله الله تعالى من آثار رحمته، كالجنة فهو مخلوق؛ أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي، أرحم بكِ من أشاء من عبادي)).

 

ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جَعَلَ اللهُ الرحمةَ مائةَ جزءٍ، فأمْسَكَ عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفعَ الفَرَسُ حافرها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه)).

البسملة آية من الفاتحة، وتحقيق القول في ذلك:

البسملة آية من الفاتحة على الراجح، عدا باقي السور؛ وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأتم الفاتحة، فاقرؤوا: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، فإنها إحدى آياتها))[4].

 

وذهب جماعة أن البسملة آية مستقلة من كل السور، إلا سورة التوبة، وكانت تنزل للفصل بين السور، وهي ليست من السورة؛ وَرَدَ في صحيح مسلم (1/ 300): باب حُجَّة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة، ثم أخرج مسلم برقم (400)، عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُنزلت عليَّ آنفًا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 – 3])).

 

وأخرج أبو داود برقم (788)، وصححه الألباني، عن ابن عباس، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فَصْلَ السورة، حتى تنزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم)).

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة: 2]:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الفاتحة: 2]: ثناء على الله بوصفه بصفات المحامد اللائقة به سبحانه وتعالى في ذاته وأفعاله، وشكره على إنعامه، فللحمد معنًى عامٌّ، وللشكر معنًى خاصٌّ، فاللام ها هنا بمعنى الاستحقاق، كأنه يقول: المستحق للحمد هو الله تعالى، وفي الآية أمْرٌ للعباد أن يحمَدوه.

 

﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] الرب: أي: الخالق والمالك، والْمُنْعم والمدبِّر لشؤونهم وأمورهم؛ فهو سبحانه مُربِّي العالمين، ومالك العالمين، والعالَمون: قال ابن عباس: هم الجن والإنس، وقيل: سائر الخَلْقِ.

 

والرب من الأسماء الحسنى لله؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 278].

 

وقوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] بيَّن وصف الله تعالى بالربوبية، فلا ربَّ غيره؛ ولذلك هو وحده المستحق للألوهية والعبادة.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 3، 4]:

قرأ عاصم والكسائي ويعقوب: “مالِك”، وقرأ الآخرون: “ملِك”، والمالك مَن له الْمُلْك، والْمَلِك من الأسماء الحسنى لله؛ قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [طه: 114]، ويوم الدين هو يوم القيامة، والدِّين: الحساب والجزاء.

 

قال الماوردي في تفسيره: “قال: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] يريد به مُلك الدنيا، قال بعده: ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، يريد به ملك الآخرة؛ ليجمع بين مُلك الدنيا والآخرة”[5].

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]:

أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (1/29)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قال جبريل عليه السلام: قُلْ يا محمد، وهو جماع: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ يعني: إياك نوحِّد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك”.

 

وعن ابن عباس كذلك: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] قال: “على طاعتك وعلى أمورنا كلها”.

 

وقال قتادة رحمه الله: “يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم”.

 

والعبادة هي الطاعة مع الخضوع، وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.

 

وقيل: كمال الحب مع كمال الذل والاستسلام، ولا بد فيها من الإخلاص لله، والموافقة لشرع الله.

 

وفي قوله: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] عبودية الاستعانة بالله وحده على سائر الأمور، سيما أمور الهداية والطاعة والعبادة لله؛ كما في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وقوله سبحانه: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

 

وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أنس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله، آمَنَّا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين أُصْبُعين من أصابع الله، يُقلِّبها كيف يشاء))[6].

 

وجاء التعبير في قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] بصيغة الجمع؛ لبيان أن ثواب الجماعة أفضل.

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة: 6]:

اهدِنا؛ أي: دُلَّنا وأرشِدْنا، والصراط؛ أي: الطريق المستقيم الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].

 

وأخرج أحمد والدارمي عن عبدالله بن مسعود: ((خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا، وخطه لنا عاصم فقال: هذا سبيل الله، ثم خطَّ عن يمين الخط وعن شماله فقال: هذا السبيل أي: سبيل الله، وهذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه؛ ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾ للخط الأول، ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ للخطوط، ﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]))[7].

 

وأخرج الإمام أحمد والترمذي، عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جَنَبَتِيِ الصراط سوران، فيهما أبواب مُفتَّحة، وعلى الأبواب سُتُور مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تَفْتَحْهُ، فإنك إن تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، والصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم))[8].

 

وورد في صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين لما سُئلت: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: ((كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لِما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)).

 

تفسير قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[الفاتحة: 7]:

﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]؛ أي: اهدِنا وأرشدنا طريقَ الذين أنعمت عليهم بالهداية والثبات على الإيمان والاستقامة، وهم المسلمون أتباع الرسل؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

 

﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، والمغضوب عليهم هم اليهود، ضلوا على عِلْمٍ، والضالُّون هم النصارى، والضلال هو التِّيه والجهل والانصراف عن طريق الحق؛ قال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32].

 

ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله: “من فسد من علمائنا، ففيه شَبَهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا، ففيه شبه من النصارى”[9].

 

وأخرج أحمد عن عبدالله بن شقيق، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو على فرسه، وسأله رجل من بلقين، فقال: ((يا رسول الله، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المغضوب عليهم، وأشار إلى اليهود، قال: فمن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الضالون))[10].

 

وأخرج أحمد والترمذي، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المغضوب عليهم هم اليهود، وإن الضالين النصارى))[11].

 

قال تعالى في اليهود: ﴿ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [البقرة: 90].

 

وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60].

 

وقال في النصارى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].

 

وفي قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7] إثبات صفة الغضب لله تعالى، بغير تمثيل أو تشبيه، فهي لا تماثل غضب المخلوقين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [الأعراف: 152].

 

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 13]، وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي))[12].

 

قول “آمين” بعد قراءة الفاتحة في الصلاة:

يُستحَبُّ قول “آمين”، ومعناه: اللهم استجب، وذلك بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلوات، و”آمين” ليست آية من الفاتحة، والدليل عليها من السُّنَّة ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّن الإمام، فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))[13].

 

وفي لفظ آخر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافق إحداهما الأخرى، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))؛ [متفق عليه].

 

وعن وائل بن حجر، قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يمد بها صوته: آمين، إذا قال: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]))[14].

 

وأخرج البخاري في “الأدب المفرد”، وابن ماجه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسدَتْكُمُ اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين))[15].

 

وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال – يعني الإمام – ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، فقولوا: “آمين”، يحبكم الله))[16].

 

هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد.

 

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.


[2] خداج أي ناقصة غير تامة.

[3] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (1/ 21).

[4] أخرجه الدارقطني مرفوعًا وموقوفًا (2/ 312)، وصوَّب وقفه، وصححه الألباني مرفوعًا في صحيح الجامع، رقم: (729).

[5] تفسير الماوردي “النكت والعيون” (1/ 57).

[6] صحيح: أخرجه أحمد (12107)، والبخاري في “الأدب المفرد” (683)، والترمذي (2140)، وابن ماجه (3834).

[7] صحيح: أخرجه أحمد (11109) والدارمي (208) و أبو داود الطيالسي (241) وابن ماجه (11) والنسائي في “السنن الكبرى” (11110).

[8] صحيح: أخرجه أحمد (17634)، والترمذي (2859).

[9] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 79).

[10] صحيح: أخرجه أحمد (20351) و(20736).

[11] صحيح: أخرجه أحمد (19381)، والترمذي (2953).

[12] أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751).

[13] أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).

[14] صحيح: أخرجه أحمد (18842)، والترمذي (248)، وأبو داود (932)، والنسائي (879).

[15] صحيح: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (988)، وابن ماجه (856).

[16] أخرجه مسلم (404)، وأبو داود (972)، والنسائي (830).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل313 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | حق الوالدين (خطبة)

Next Post

رييل ستوري | الدعاء مطلقا

Related Posts

رييل ستوري | (وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً) تفسير الشعراوي

(وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً) تفسير الشعراوي تفسير الشيخ الشعراوي…
Read More