تفسير سورة الأنعام الآيات (134: 135)
قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134].
﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ ﴾ بِهِ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْبَعْثِ بَعْد َالْمُوتِ والعَذاب[1] ﴿ لَآتٍ ﴾ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ لَا مَحالَة[2] ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ بِفَائِتِينَ[3].
وَفِي الْآيَةِ صِدْقُ وَعْدِ اللهِ تَعَالَى وَعَدْمُ تَخَلُّفِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47].
﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 135].
﴿ قُلْ ﴾ لَهُمْ: ﴿ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ طَرِيقَتِكُمْ[4] ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ عَلَى طَرِيقَتِي الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي جَلَّ وَعَلا[5].
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ حِينَ تَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴿ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﲃ ﴾ أيْ: الْجَنَّةُ[6].
﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ ﴾ يَسْعَدُ ﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ الْكَافِرُونَ[7]، و”وضَعَ الظَّالِمِينَ مَوْضِعَ الكافِرِينَ؛ لِأنَّهُ أعَمُّ وأكْثَرُ فائِدَةً”[8].
﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الأنعام: 136].
﴿ وَجَعَلُوا ﴾ أيْ: كُفَّارُ مَكَّةَ ﴿ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ ﴾ خَلَقَ ﴿ مِنَ الْحَرْثِ ﴾ أي: مِنَ الزَّرْوعِ وَالثِّمَارِ[9] ﴿ وَالْأَنْعَامِ ﴾ بَهْيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴿ نَصِيبًا ﴾ حَظًّا يَصْرِفُونَهُ إِلَى الضِّيوفِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلِأَصْنَامِهِمْ حَظًّا آخرَ يَصْرِفُونَهُ إِلَى سَدَنَتِهَا[10].
﴿ فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ ﴾ أي: هَذَا الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ للهِ نَتَقَرَّبُ بِهِ إِليهِ[11] ﴿ بِزَعْمِهِمْ ﴾ حَسَبَ دَعْوَاهُمُ الْكَاذِبَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَا شَرَعَهُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى[12] ﴿ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا ﴾ مِنَ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا.
﴿ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْﲧ ﴾ أَي: فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الزُّرُوعِ وَالْأَنْعَامِ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، فِإِنَّهُمْ يَحْرِمُونَ الضُّيُوفَ وَالْمَسَاكِينَ مِنْهُ، وَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَجُورُونَ عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُونَ مِنْهُ مَا يَعْطُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ وَآلِهَتِهِمْ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ، وَهْيَ مُحْتاجَةٌ[13].
﴿ سَاءَ ﴾ بِئْسَ وَقَبُحُ ﴿ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ حُكْمَهُمْ وَقَسْمَتَهُمْ هَذِهِ حَيثُ آثَرُوا آلهتَهُمْ[14].
وَالْآيَةُ فِيهَا بَيانُ سَفَاهةِ الْمُشْرِكِينَ وَجَهْلِهِمْ وَفَسَادِ عُقُولِهِمْ وإِيْثَارِهِمْ لِآلِهَتِهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى[15].
[1] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 183)، تفسير النسفي (1/ 539).
[2] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 183)، تفسير ابن كثير (3/ 343).
[3] ينظر: تفسير البغوي (3/ 191).
[4] ينظر: تفسير الماوردي (2/ 172)، تفسير ابن كثير (3/ 343).
[5] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 343).
[6] ينظر: تفسير البغوي (3/ 192).
[7] ينظر: تفسير الجلالين (ص185).
[8] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 183).
[9] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 344).
[10] ينظر: تفسير الجلالين (ص186).
[11] ينظر: تفسير المراغي (8/ 42).
[12] ينظر: أيسر التفاسير (2/ 125).
[13] ينظر: تفسير القاسمي (4/ 499).
[14] ينظر: تفسير النسفي (1/ 540)، تفسير أبي السعود (3/ 189).
[15] ينظر: فتح القدير (2/ 187).
تمت قراءة هذا المقال بالفعل159 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.