dark

رييل ستوري | تعظيم السنة تعظيم للقرآن (خطبة)

اعلانات

تعظيمُ السُّنَّة تعظيمٌ للقرآن

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

 

تحُلُّ بنا ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، والبعض يحاول التنقيص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال التنقيص من أحاديثه وسيرته وسُنَّته، وما درى هؤلاء أنهم بهذا التنقيص ينتقصون من القرآن الكريم، ويمهِّدون بذلك لهدم الدين كله، وهذه الخطبة – أيها الإخوة المؤمنون – وقفة نعرف من خلالها أن تعظيم السنة تعظيم للقرآن، وتعظيمهما معًا محافظة على أصل الإسلام.

 

عباد الله: قرَّر العلماء أنه لا يمكن فَهمُ القرآن الكريم بمعزِلٍ عن السنة والسيرة النبوية؛ فهناك آيات في كتاب الله نزلت بأسباب، وهذه الأسباب لا نعرفها إلا من خلال سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كالآيات التي نزلت في الغزوات والحروب، فلا يمكن فهم سورتي آل عمران والأنفال جيدًا إلا بفهم أحداث غزوة بدر، ولا يمكن فهم سورة الأحزاب جيدًا إلا بفهم أحداث غزوة الخندق، ولا يمكن فهم سورة التوبة جيدًا إلا بفهم أحداث غزوتي تبوك وحُنَينٍ، ولا سورة الحشر إلا بمعرفة غزوة بني النَّضِير، ولا سورة الفتح إلا بالاطلاع على غزوة خيبر، ولا تُفهَم سورة الفيل جيدًا إلا بقراءة قصة أصحاب الفيل في العام الذي وُلِد فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم.

 

وقد تنزل الآية إثر حوادث طرأت، أو مشكلات وقعت، فلا تُفهم إلا بمعرفة هذه الحادثة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونمثِّل لذلك بقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، من هؤلاء الذين قالوا هذا الكلام؟ نرجع إلى السيرة النبوية؛ عن عكرمة قال: ((خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلةً، وسيخلُفنا فيها قوم آخرون – يعنون محمدًا وأصحابه – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤوسهم: بل أنتم فيها خالدون، لا يخلُفكم فيها أحد؛ فأنزل الله جل ثناؤه: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة: 80]))[1].

 

وقد تنزل الآية بسبب أسئلة وُجِّهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتيه الجواب، أو يُبيَّن الحكم والغاية والهدف؛ ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]؛ قال المفسرون: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل، ونفر من الأنصار أتَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفْتِنا في الخمر والميسر؛ فإنهما مَذهَبة للعقل مَسْلَبة للمال، فأنزل الله هذه الآية[2].

 

عباد الله: نستطيع من خلال استقراء وتتبُّع ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات أن نحدِّد علاقة السنة النبوية بالقرآن الكريم في خمسة أمور:

الأمر الأول: أن السُّنَّة تؤكد وتقرِّر ما جاء في القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، جاء حديث: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان))[3] ، ليؤكِّد هذه العبادات.

 

الأمر الثاني: أن السُّنَّة تفسِّر وتفصِّل وتبيِّن ما جاء في القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، كيف نصلي؟ كم عدد الصلوات؟ ما أوقات كل صلاة؟ كيف نتوضأ للصلاة بالكيفية المعروفة؟ لن تجد هذا مُفصَّلًا ومبَّينًا إلا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))[4] ، ومن أمثلة تعليمه للصلاة قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعدِل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها))[5] ، فبيَّن له كيف يتقن ويصحح صلاته، وما قلناه عن الصلاة، يُقال عن الزكاة، وبيان الأموال المزكَّاة، ونصاب الزكاة، والمقدار الواجب فيها، ونقوله عن الحج وكيفيته، فلن تجدها مفسَّرةً إلا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاللهم اجعلنا من المقتفين لأثر وسنة نبيك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:

فالأمر الثالث: أن السُّنَّة تُخصِّص ما جاء في القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، هذه الآية تفيد أن كل الأولاد يرِثون، فهل الأمر كذلك؟ جاءت السنة فقالت لنا: إن بعض الأولاد لا يستحقون ميراث أبيهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَرِثُ الكافرُ المسلمَ، ولا المسلمُ الكافرَ، ولا يتوارث أهل مِلَّتين))[6] ، فإذا أسلم الابن فلا يرِث من أبيه الكافر، وإذا أسلم الأب فلا يرث منه ابنه الكافر، والعمل عند أهل العلم أن القاتل لمورِّثه لا يرث، كان القتل عمدًا أو خطأً، وقال بعضهم: إذا كان القتل خطأً، فإنه يرث؛ وهو قول مالك[7]، فتبيَّن من خلال السنة أن الولد الكافر، أو كانت الزوجة كتابيةً، أو القاتل، لا يرثون شيئًا، ولو أخذنا بالقرآن فقط، كما يدَّعي البعض – ممن لا علم له – ورَّثناهم.

 

الأمر الرابع: أن السنة تُقيِّد مُطلَقَ ما جاء في القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 38]، نسأل الله أن يُيَسِّر الرجوع إلى تطبيق حدوده، لكن هل نقطع اليمنى أم اليسرى؟ ومن أين نقطع؟ لأن اليد في اللغة تطلق على الطرف العلوي من الأصابع إلى الكتف، فجاءت السُّنَّة النبوية القولية والفعلية بتقييد هذا الإطلاق، فحددت اليد باليمنى والقطع من الرسغ، ولو أخذنا بالقرآن فقط، كما يدَّعي البعض – ممن لا علم له – لَقطعوا من الكَتِفِ أو الْمِرْفَق.

 

الأمر الخامس: أن تأتي السُّنَّة بأحكام جديدة لم ترِد في القرآن الكريم: مثل: تحريم الذهب والحرير للذكور، هل وجدنا هذا التحريم في القرآن؟ إنما وجدناه في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: ((إن هذين حرامٌ على ذكور أُمَّتي))[8] ، وكذلك لا يجوز أكل لحم الحمار الأهلي؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية))[9].

 

من هنا – إخواني – يتبين لكم أهمية الأخذ بالسنة حفاظًا على القرآن، وحفاظًا على الدين كله؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وقال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [الحشر: 7]، ولو أخذنا بالقرآن فقط كما يدعي بعض الجهلة، لاستبحنا أكل الحمير، وسيجدها من لا دين له من الجزارين فرصةً ودليلًا لملء بطوننا بلحوم الحمير.

 

فاللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.


[1] انظر: تفسير الطبري: 2/ 173.

[2] انظر: تفسير البغوي: 1/276.

[3] رواه البخاري، رقم: 8، ومسلم، رقم: 16.

[4] رواه البخاري، رقم: 631.

[5] رواه البخاري، رقم: 757.

[6] رواه الطبراني في الكبير، رقم: 391.

[7] انظر: جامع الترمذي، رقم: 2109، وعلَّق على حديث: ((القاتل لا يرث)) بقوله: هذا حديث لا يصح، لا يُعرف إلا من هذا الوجه.

[8] رواه أبو داود، رقم: 4057.

[9] رواه أبو داود، رقم: 4057.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل13 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | الوفاء من خصال الشرفاء الأتقياء

Next Post

رييل ستوري | داء الحسد (خطبة)

Related Posts

كيف نقارن بين استواء الله على العرش وبين نزوله في الثلث الأخير من الليل الشيخ د.عثمان الخميس

تمت قراءة هذا المقال بالفعل191 مرة! ✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً. ياريت تشكرونا…
Read More