dark

رييل ستوري | سلسلة فقه النوازل والقضايا المعاصرة: نوازل الحج (1) خطبة

سلسلة فقه النوازل والقضايا المعاصرة

نوازل الحج (1)

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.

عباد الله، النوازل والقضايا المعاصرة هي المسائل التي استجدت مع تطوُّر الوقت وتجدُّد الأحداث، والفقه الإسلامي فقه مَرِن، وشامل، وصالح لكل زمان ومكان، عكس ما يروِّج له خصومه بأنه فقه رجعي لا يليق بالعصر. وأحسن رد على هؤلاء هو ما سنتناوله من مسائل معاصرة في هذه الخطبة تتعلق بالحج[1].

المسألة الأولى: تحديد نسب الحجاج وأثره في وجوب الحج:

أدى تطور وسائل النقل والمواصلات إلى تدفق الحجاج من كل فجٍّ عميق لأداء الحج، مما نتج عنه زحام شديد يتسبب في حوادث، وتقع وفيات وإصابات؛ فجوَّز أهل العلم للحكومات الإسلامية تحديد نسب الحجاج عن طريق الاقتراع، وكذا تحديد المدة الزمنية بين حجة وأخرى، ليتمكن من لم يحج من الحج. وهذا لا شك مراعاة للمصلحة ودرء للمفسدة. وبناءً عليه فإن من حصل الاستطاعة البدنية والمالية، ولم يقع عليه الاختيار في قرعة الحج فهو في حكم غير المستطيع، يسقط عنه الحج سقوطًا مؤقتًا. وأكثر العلماء، ومنهم أكثر المالكية، أن تخلية الطريق شرط لوجوب الحج؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، ولا استطاعة بدون خلوِّ الطريق.

المسألة الثانية: حكم إنابة الغير إذا لم أستطِع الحج بسبب القرعة:

النيابة في الحج تصحُّ عن الميت والعاجز عجزًا تامًّا لا يُرجى زواله، ودليله ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: “كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم[2]، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع[3] . لكن مسألة (القرعة) من العجز الذي يُرجى زواله، وعليه لا يجوز إنابة الغير، وعليه أن يستمر في المشاركة كل عام ما دامت الاستطاعة باقية.

المسألة الثالثة: بيع التصريح بالحج أو ورقة الانتقاء في القرعة للغير:

يعني شخص أعطي له تصريح وتم انتقاؤه للحج فيبيع تصريحه للغير، وقد يلجأ إلى التزوير ومخالفة القوانين. فالجواب في قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، فيجب عليه الوفاء بالعقد بينه وبين الجهة المانحة للعقد، فالعقد أعطي باسمه، وهو من طاعة أُولي الأمر، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وليس من الدين لمن لم يسبق له الحج التنازل عنه بالبيع وغيره للغير، فلا إيثار في القرب والفرائض. وهو أحق بأداء الفرض من غيره، وعليه اغتنام الفرصة لأداء الفريضة التي قد لا تتاح له مرةً أخرى، قال صلى الله عليه وسلم: حجُّوا قبل أن لا تحجُّوا[4] . لكن لو سبق له الحج وقام ببيع تصريحه أو إهدائه لنفع بعض أقاربه أو إخوانه- وإن خالف القوانين- يأثم لمخالفة الأنظمة المعمول بها، والمستفيد حجه صحيح.

المسألة الرابعة: حكم وكالات الأسفار والدعاية لحملات الحج والعمرة:

وكالات الأسفار والسياحة تقوم بتقديم خدمات تتعلق بالسكن والمواصلات والأكل والشرب والتأطير الديني وغيرها، وهي خدمات تجارية ربحية. فإذا أحسن القائمون عليها قصدهم لله تعالى بإرادة نفع الناس، والتيسير عليهم، وتخفيض الأسعار عليهم، فهو من المقاصد الحسنة. ويشبه ما تحدث عنه العلماء من جواز نقل الحجاج بكراء الإبل وغيرها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وتدخل في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، وعليهم تحرِّي الصدق والأمانة في إعلاناتهم حتى تكون مطابقةً للواقع، وتوضيح التفاصيل تجنبًا لمفسدة الخصومة التي قد تقع.

فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:

عباد الله، من النوازل والقضايا المعاصرة في الحج أيضًا:

المسألة الخامسة: حج المرأة في الطائرة بدون مَحْرَم:

الجواب عن هذه المسألة ينبني على اختلاف أهل العلم في سفر المرأة بدون محرم سواء للحج أو غيره. ونقرر ابتداءً أن وجود المحرم مع المرأة حماية لها. ومع تطور وسائل النقل في هذا العصر وتقلص مسافة السفر، فإن العلماء منهم من بقي على أصل المنع ولهم أدلتهم، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي مَحْرَم منها[5]. ومنهم من جوَّز للمرأة الحج بدون محرم، واشترط الرفقة المأمونة وأمن الطريق، قال الحطَّاب المالكي: “إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عدد وعدد أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي مَحْرَم في جميع الأسفار الواجب منها والمندوب والمباح من قول مالك وغيره”[6]. وهذا الذي أفتى به الكثير من العلماء خاصةً إذا تعلق الأمر بالحج؛ لأن السفر بالطائرة مؤمن ولا يستغرق وقتًا طويلًا، ويمتنع فيها الانفراد بالمرأة؛ لكن لو أخذت المرأة بالرأي المانع، فإن الحج يسقط عنها؛ لعدم استطاعتها بانعدام المحرم. وعلى هذا الرأي فإنها لو حجَّت تأثم وحجُّها يقع صحيحًا.

المسألة السادسة: من حجَّ مخالفًا للقوانين وليس له بطاقة الحج:

تقوم السلطات المكلفة بالحج في السنين الأخيرة ضبطًا للأمن، ودرءًا للفوضى والازدحام في الحج بمحاربة الحجاج الذين يدخلون بدون تصاريح. وتقوم بإعداد بطاقة لكل حاج أو وضع خيط في معصمه للدلالة على خضوعه للقوانين الجارية، وهذا كله من المصالح المعتبرة. ورغم ذلك لو تمَكَّن الحاج من الحج ولم يتفطن له أحد، فحجُّه صحيح، وإن كان آثمًا بمخالفة ولاة الأمر والقوانين الجارية، ومن ضبط فمنع من إتمام مناسك الحج، فلا يخرج عن إحدى الحالتين:

الأولى: أن يشترط حال إحرامه بأن يقول: اللهم محلي حيث حبستني، فيتحلل من نسكه ولا شيء عليه.

والثانية: ألَّا يكون مشترطًا؛ فيلزمه دم، ثم يتحلَّل، وعليه الحج من قابل على رأي الحنفية الذين يرون أن الإحصار يكون بالعدوِّ وغيره.

فافتخروا عباد الله بشريعة الإسلام التي تُساير العصر والواقع؛ لأن مصدرها الوحي، ولا تبغوا عنها بديلًا.

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين. (تتمة الدعاء).


[1] مراجع الخطبة: أخذت غالبية مادة هذه الخطبة من: الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة (القضايا المعاصرة في فقه العبادات)، قسم العبادات، إعداد: مركز التميز البحثي للقضايا المعاصرة، الطبعة1: 1435هـ/2014م. فقه النوازل: دراسة تأصيلية تطبيقية، محمد الجيزاني، المجلد الثاني، دار ابن الجوزي، الطبعة:2، 1427هـ/2006م. فتاوى العديد من العلماء مطبوعة أو على الشبكة (الإنترنت).

[2] اسم قبيلة من اليمن.

[3] رواه البخاري، برقم: 1513.

[4] رواه الدارقطني في سننه، برقم: 2795.

[5] رواه مالك في الموطأ، برقم: 806.

[6] مواهب الجليل شرح مختصر خليل، الحطاب: 2/425.

Loading

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

في أميركا فقط.. يمكنك أن تصبح رئيسًا من خلف القضبان

Next Post

رييل ستوري | مواعظ ومواقف

Related Posts