dark

رييل ستوري | حقوق ومكانة آل البيت عند علماء أهل السنة (1)

اعلانات

حقوق ومكانة آل البيت عند علماء أهل السنة (1)

 

والعجيب أن الناس قد انقسموا تجاه آل البيت إلى أصناف ثلاثة؛ ما بين تفريط وإفراط، ولا شكَّ أن بينهما وسطًا، وهو الطريق المستقيم؛ وبيان ذلك فيما يلي:

الصِّنف الأول: مفرِّطون في حقهم؛ وهم الجُفاة فيهم، البُغاة عليهم.

 

الصِّنف الثاني: مفرِّطون في حبِّهم، متجاوزون الحدَّ الشرعيَّ فيهم؛ وهم الغُلاة فيهم.

 

الصنف الثالث: معتدلون مُنْصِفون، مفارقون طريقة الصنفين – الغالين والجافين – وهم الواسطة بينهما.

 

جاء في السنة لابن أبي عاصم برقم (1017)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “لَيُحبني قومٌ حتى يدخلوا النار فيَّ، ولَيُبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بُغْضي”؛ [إسناده صحيح].

 

وجاء أيضًا في السنة لابن أبي عاصم برقم (1018) عن علي رضي الله عنه أنه قال: “يهلِك فيَّ رجلان: مُفْرِط في حبي، ومُفْرِط في بغضي”؛ [إسناده حسن].

 

قال العلَّامة محمود شكري الألوسي رحمه الله في تفسير روح المعاني (25/ 32): “والكثير من الناس في حقِّ كلٍّ من الآل والأصحاب في طرفي التفريط والإفراط، وما بينهما هو الصراط المستقيم، ثبَّتنا الله تعالى على ذلك الصراط”.

 

ويقول العلَّامة صديق حسن خان رحمه الله في هذا السياق أيضًا: “وهذه المحبة لهم واجبة مُتَحَتِّمَةٌ على كل فرد من أفراد الأمة، ومن حُرِمها، فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا، ولكن لا بد فيها من لفظ الإفراط والتفريط، فإن قومًا غَلَوا فيها فهلكوا، وفرَّط فيها قوم فهلكوا، وإنما الحق بين العافي والجافي، والغالي والخالي”؛ [انظر: الدين الخالص (ص: 3/ 351)].

 

وأهل السنة وسط في هذا.

 

شروط استحقاق آل البيت حقوقهم عند أهل السنة:

ومن الحقوق الموالاة، وقد اشترط أهل السنة والجماعة لموالاة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة شروط:

الشرط الأول: الإيمان: فإن كانوا كفارًا، فلا حقَّ لهم في الحب والتعظيم، والإكرام والولاية، ولو كانوا من أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم كعمِّه أبي لهب.

 

وقال ابن تيمية عند تفسير سورة تبت: “ليس في القرآن ذمُّ مَن كفر به صلى الله عليه وسلم باسمه إلا هذا وامرأته يعني أبا لهب؛ ففيه أن الأنساب لا عِبرةَ لها، بل صاحب الشرف يكون ذمُّه على تخلُّفه عن الواجب أعظم؛ كما قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} [الأحزاب: 30]؛ الآية”؛ [ينظر: مجموع الفتاوى (16/ 602)].

 

وقال ابن عثيمين: “نحن نحبهم لقرابتهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولإيمانهم بالله، فإن كفروا، فإننا لا نحبهم، ولو كانوا من أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام، فأبو لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نحبه بأي حال من الأحوال، بل يجب أن نكرهه لكفره، ولإيذائه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو طالب، فيجب علينا أن نكرهه لكفره، ولكن نحب أفعاله التي أسداها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من الحماية والذب عنه”؛ [ينظر: شرح العقيدة الواسطية (2/ 246)].

 

الشرط الثاني: الاتباع للسنة النبوية:

فإن فارقوا السنة، وخالفوا هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم، وتلبَّسوا بالبدع، فإنه ليس لهم حقٌّ في الحُبِّ والتعظيم، والإكرام والموالاة، حتى يرجعوا إلى السُّنَّة، ويتمسكوا بها، والواجب في هذه الحالة دعوتهم إلى العودة إلى الكتاب والسنة، ونبذ ما سواهما من الأهواء والبدع، وأن يكونوا على ما كان عليه سلفهم، كعلي رضي الله عنه وسائر بنيه، والعباس رضي الله عنه وأولاده.

 

عن الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن أخا عبدالله بن الحسن، وهو يقول لرجل ممن يغلو فيهم: “ويحكم، أحبُّونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبْغِضونا، قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فقال: ويحكم، لو كان الله نافعًا بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته، لَنَفَعَ بذلك من هو أقرب إليه منا؛ أباه وأمه، والله إني لأخاف أن يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين”؛ [أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (6461)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2690)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/70) واللفظ له].

 

وقال صديق حسن خان في شرح حديث: ((تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي))؛ [أخرجه الترمذي (3786)، والطبراني (3/66) (2680)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، صححه ابن العربي في عارضة الأحوذي (7/159)، وقال الترمذي: حسن غريب].

 

والمراد بهم من هو على طريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسَمْتِهِ وهَدْيِهِ، ولا يستقيم المقارنة بكتاب الله إلا إذا كانوا موافقين له، عاملين به، فمعيار الأخذ بالعترة اتفاقهم بالقرآن في كل نقير وقطمير، وأما من عاد منهم مبتدعًا في الدين، فالحديث لا يشمله؛ لعدم المقارنة، هذا أوضح من كل واضح، لا يخفى إلا على الأعمى، وكم من رجال ينسُبونهم إليه صلى الله عليه وسلم في اتحاد الطين قد خرجوا من نسبة الدين، ودخلوا في عِداد المنتحلين والغالين والجاهلين، وسلكوا سبيل المبتدعين المشركين! [ينظر: الدين الخالص (3/ 348)].

 

وقال صالح الفوزان: “من خالف السُّنَّة، ولم يستقِمْ على الدين، فإنه لا تجوز محبته، ولو كان من أهل البيت”؛ [ينظر: شرح العقيدة الواسطية (ص: 250)].

 

الشرط الثالث: ثبوت النسب:

فمن ثبت أنه من أهل هذا البيت وهو مؤمن، فقد جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب، ومن ادعى هذا النسب وهو ليس من أهله، فقد ارتكب أمرًا محرمًا.

 

عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس من رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كَفَرَ، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم، فليتبوأ مقعده من النار))؛ [رواه البخاري (3508) واللفظ له، ومسلم (61)].

 

قال القسطلاني: “(ليس من رجل ادعى) بتشديد الدال: انتسب (لغير أبيه)، واتخذه أبًا، (وهو)؛ أي: والحال أنه (يعلمه) غير أبيه، (إلا كفر)؛ أي: النعمة، ولأبي ذر: إلا كفر بالله، وليست هذه الزيادة في غير روايته، ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي، فحذفُها أوْجَهُ لِما لا يخفى، وعلى ثبوتها فهي مؤولة بالمستحل لذلك مع علمه بالتحريم، أو ورد على سبيل التغليظ؛ لزجر فاعله، و(من) في قوله: (من رجل) زائدة، والتعبير بالرجل جرى مجرى الغالب، وإلا فالمرأة كذلك، (ومن ادعى قومًا)؛ أي: انتسب إلى قوم، (ليس له فيهم نسب)، وسقط لأبي ذر لفظ: «له»، وللكشميهني: «ليس منهم»؛ نسب قرابة أو نحوها، (فليتبوأ مقعده من النار) خبر بلفظ الأمر؛ أي: هذا جزاؤه، وقد يُعفى عنه، أو يتوب فيسقط عنه، وقُيِّد بالعلم؛ لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمِّد له، فلا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا”؛ [ينظر: شرح القسطلاني (6/ 10)].

 

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم الفِرى أن يُدَّعِيَ الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم تَرَ، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل))؛ [رواه البخاري (3509)].

 

قال القسطلاني: “(إن من أعظم الفِرَى) بكسر الفاء وفتح الراء مقصورًا ويُمد، جمع فرية؛ أي: من أعظم الكذب والبهت، (أن يدعي الرجل)؛ ينتسب”؛ [ينظر: شرح القسطلاني (6/ 10، 11)].

 

وقال ابن تيمية: “إن كان الوقف على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو على بعض أهل البيت، كالعلويين والفاطميين أو الطالبيين، الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عقيل، أو على العباسيين ونحو ذلك، فإنه لا يستحق من ذلك إلا من كان نسبه صحيحًا ثابتًا، فأما من ادَّعى أنه منهم ولم يثبت أنه منهم، أو علِم أنه ليس منهم، فلا يستحق من هذا الوقف، وإن ادعى أنه منهم، كبني عبدالله بن ميمون القداح، فإن أهل العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس لهم نسب صحيح، وقد شهِد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه والحديث، والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضر شرعية، وهذا مذكور في كتب عظيمة من كتب المسلمين، بل ذلك مما تواتر عند أهل العلم، وكذلك من وقف على الأشراف، فإن هذا اللفظ في العُرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إن وقف واقف على بني فلان أو أقارب فلان ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي، وكان الموقوف ملكًا للواقف، يصح وقفه في ذرية المعيَّن، لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف”؛ [ينظر: مجموع الفتاوى (31/ 93)].

 

وقد ذكر عياض أنه رُوِيَ عن مالك فيمن انتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُضرب ضربًا وجيعًا، ويُشهر، ويُحبس طويلًا حتى تظهر توبته؛ لأنه استخفاف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [ينظر: الشفا (2/ 311)].



تمت قراءة هذا المقال بالفعل261 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | لا ينظر الله إلى الرجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها

Next Post

رييل ستوري | من الفتن: فتنة شماعة (المسألة خلافية)

Related Posts