dark

رييل ستوري | حكم إصدار خطاب الضمان بعقد مضاربة

اعلانات

حكم إصدار خطاب الضمان بعقد مضاربة

 

أولاً: عرض فكرة البديل، وذكر من قال به:

يعتمد هذا البديل على تقديم المصرف الإسلامي لخطاب الضمان غير المغطى على أساس عقد المضاربة، بحيث يكون المصرف رب المال، والعميل رب العمل، ويشتركان في العملية التي هي محل خطاب الضمان.

 

وقد أشار إلى هذا البديل الدكتور الغريب الناصر،[1] والدكتور محمد رامز[2].

 

وقدّم أحد الباحثين نموذجًا لهذا البديل، تتلخص فكرته في التالي[3]:

يقوم المصرف بتمويل كافة العمليات التي ينفذها العميل منذ بدايتها إلى نهايتها، وهو في هذا بمثابة رب المال، ويصدر خطاب الضمان دون أيّ غطاء، أو مقابل للضمان، أو للمصروفات الإدارية.

 

ويعتبر العميل رب العمل، ويقوم بتنفيذ الالتزامات تجاه المستفيد.

 

ثم يقتسمان الربح بحسب الاتفاق بينهما، وفي حالة حصول الخسارة، أو مصادرة المستفيد لقيمة خطاب الضمان لا يحل للمصرف أن يرجع بها على العميل، ما لم يتعدّ أو يفرّط في أداء التزاماته؛ كحال المضارب في عقد المضاربة.

 

ثانيًا: الحكم الشرعي لهذا البديل:

يُخرّج هذا البديل على عقد المضاربة متى ما كان خطاب الضمان غير مغطى بالكامل؛ أي كان التمويل كليًا مقدمًا من المصرف.

 

وتُشكل على هذا البديل عدّة أمور:

الإشكال الأول: أن مجال عمليات خطاب الضمان في غير التجارة غالبًا؛ كالمقاولات، فهل يصح عقد المضاربة على ذلك؟

 

مسألة: حكم عقد المضاربة على غير التجارة:

اختلف أهل العلم هل يلزم أن يكون عمل المضاربة من جنس التجارة، أم لا يلزم على قولين؟.

 

القول الأول: لا تجوز المضاربة إلا على عمل التجارة؛ أي البيع والشراء.

وهو مذهب الشافعية[4].

 

قال النووي: “الركن الثاني: العمل، وله شروط، الأول: أن يكون تجارة، ويتعلق بهذا الشرط مسائل: الأولى: لو قارضه على أن يشتري الحنطة، فيطحنها ويخبزها، والطعام ليطبخه ويبيعه، والغزل لينسجه، والثوب ليقصره، أو يصبغه، والربح بينهما، فهو فاسد”[5].

 

واستدلوا: بأن المضاربة شُرعت رخصةً للحاجة، والتجارة لا ينضبط قدرها، وتمس الحاجة للعقد عليها، فاحتُمل فيها جهالة العوضين، وأما غيرها من الأعمال فهو منضبطٌ، ويمكن الاستئجار عليه، فلا تشمله الرخصة[6].

 

القول الثاني: تجوز المضاربة على كل ما من شأنه تثمير المال؛ سواء كان تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو غيرها.

وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[7] والحنابلة،[8] والمالكية إذا لم يشترط عمل يدّ العامل[9].

 

قال السرخسي: “وإذا دفع مالاً مضاربة، وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه، أو لم يأمره، فاستأجر المضارب ببعضه أرضًا بيضاء، واشترى ببعضه طعامًا، فزرعه في الأرض، فهو جائز على المضاربة؛ بمنـزلة التجارة”[10].

 

وقال ابن قدامة: “وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما يرزق الله بينهما نصفين، أو أثلاثًا، أو كيفما شرطا صحّ”[11].

وقال الدردير: “لو شرط عليه أن ينفقه في الزرع، من غير أن يعمل بيده، فلا يمنع”[12].

 

واستدلوا:أن كل عملٍ يؤدي إلى تثمير المال وتنميته، فحكمه كحكم التجارة[13].

 

القول المختـار:

جواز المضاربة على عمل غير التجارة؛ لأنه لم يثبت كون المضاربة شُرعت رخصةً على خلاف القياس، بل هي من جنس المشاركات،[14] فسقطت الدعوى، وكل عمل يحقق غاية المضاربة من تثمير المال، وحصول الربح منه، تصح فيه.

 

والإشكال الثاني:أن المصرف سيقدم رأس المال وخطاب الضمان، وإذا خسرت العمليـة – محل خطاب الضمان – فمعنى ذلك أن المصرف سيخسر رأس المال، وقيمة خطاب الضمان، وإذا ربحت فمعنى ذلك أن المصرف دفع رأس المال فقط، واحتفظ بقيمة خطاب الضمان، ومنه يلوح أن رأس المال في مجموعه غير معلوم، وقد اتفق أهل العلم على اشتراط أن يكون رأس المال في المضاربة معلومًا؛ لأجل أن يكون الربح معلومًا كذلك[15].

 

وإذا نظرنا من زاوية أخرى، فإن المصرف سيضمن رأس المال، وما ينتج من تصرفات العامل، ومنها تغريمه قيمة خطاب الضمان؛ بمعنى أنه سيلتزم بخسارة هي أكبر من رأس المال الذي قدّمه، فهل يصح ذلك؟.

 

فإذا اعتبرنا أن قيمة خطاب الضمان من رأس المال، كان رأس المال غير معلوم تحديدًا، وإذا اعتبرنا أن قيمة خطاب الضمان ليست من رأس المال، فإن المصرف في هذه الحالة قد يغرم أكثر من رأس المال الذي قدّمه.

 

وهذه المسألة – والتي قبلها – تُخرّج على حكم استدانة العامل دينًا على المضاربة بإذن رب المال؟.

 

ووجه التخريج: أن قيمة خطاب الضمان التي سيتحملها المصرف في حال إخلال العامل بالعمل تعتبر زيادة على رأس المال بعد ثبوته، وكأنه دفع إلى العامل رأس المال، وأذن له إن احتاج أن يستدين عليه، ثم هو قد يحتاج، وقد لا يحتاج، فهل يصحّ ذلك؟.

 

توافقت كلمة الفقهاء على جواز استدانة العامل على المضاربة، إذا كان الضمان على رب المال، وقد أذن له،[16] فيتحمله رب المال، وينفرد برأس المال كله[17].

 

واستدلوا: بأن الاستدانة إذا لم تكن بإذن رب المال، كان في ذلك إثبات زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال، فيوجب ذلك زيادة ضمان عليه من غير رضاه، وهو لا يجوز، فإن أذن جاز؛ لأن المنع لحقه، وقد زال بإذنه، ولما كان ضمان المال على ربه، طاب له ربحه[18].

 

وعليه فيجوز لرب المال أن يدفع رأس المال، ويأذن للعامل في التصرف، ولو بأن يُحمّل الشركة ديناً بقدر معين، ثم يتحمّل رب المال تبعة ذلك، فإن وقعت الخسارة كانت على رب المال في ماله الذي دفعه، وفي الدين الذي أذن فيه؛ كمسألتنا.

 

والإشكال الثالث: هل حقيقة هذا البديل أن المصرف قال للعامل: أضمنك، بشرط أن أضارب معك، فيكون قد تركب من ضمان ومضاربة؟، أو أن حقيقته عقد مضاربة، والضمان تابعٌ له، تقرر على رب المال؛ كحكمٍ من أحكام عقد المضاربة؟.

 

الصحيح الثاني لأمرين:

الأول: أن محل التـزام المصرف في الضمان هو ذات محل التزام المصرف والعامل بعمل المضاربة،[19] فلم يكن المصرف ضامنًا للعامل في محل، على أن يضارب معه في محل آخر.

 

والثاني: أن تحقق الربح حصل بسبب اجتماع المال والعمل، ولم يكن الضمان سببًا أساسيًا فيه، ثم اشترك الطرفان في الربح والخسارة.

 

وقد أجاز الحنفية صورة تشبه الصورة الأولى؛ وهي اجتماع القرض مع المضاربة، والقرض أشدّ من الضمان؛ إذ غاية الضمان أن يؤول إلى القرض، ففي المبسوط: “لو دفع ألف درهم إلى رجل على أن يكون نصفها قرضًا عليه، ويعمل في النصف الآخر بشركته يجوز ذلك”[20].

 

وذلك لأن النفع مشترك بين الاثنين، ولم يقصد المقرض تمحض النفع له، ونحوها ما ذكره ابن القيم، قال: “ونظير هذا: ما لو أفلس غريمه، فأقرضه دراهم، يوفيه كل شهر شيئًا معلوماً من ربحها، جاز؛ لأن المقترض لم ينفرد بالمنفعة… ونظير ذلك أيضًا: إذا أقرض فلاحه ما يشتري به بقرًا، يعمل بها في أرضه، أو بذرًا يبذره فيها… وذلك لأن المستقرض إنما يقصد نفع نفسه، ويحصل انتفاع المقرض ضمنًا، فأشبه أخذ السفتجة به، وإيفاءه إيّاه في بلد آخر، من حيث إنه مصلحة لهما جميعًا، والمنفعة التي تجرّ إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض؛ كسكنى دار المقترض، وركوب دوابه، واستعماله، وقبول هديته، فإنه لا مصلحة له في ذلك، بخلاف هذه المسائل فإن المنفعة مشتركة بينهما، وهما متعاونان عليها، فهي من جنس التعاون والمشاركة”[21].

 

ومما سبق، يظهر جواز هذا البديل على الصورة المذكورة آنفًا؛ إذ لا محذور يترتب عليه، ولا مخالفة فيه لشروط عقد المضاربة، والله تعالى أعلى وأعلم.


[1] ينظر: أصول المصرفية الإسلامية، ص(206).

[2] ينظر: الحكم الشرعي للاستثمارات والخدمات المصرفية، ص(473).

[3] ينظر: خطاب الضمان، لحمدي عبد العظيم، ص(80-82).

[4] ينظر: فتح العزيز، للرافعي، (12/ 12)، مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 401)، تكملة المجموع، للمطيعي، (14/ 371).

[5] روضة الطالبين، (5/ 120).

[6] ينظر: مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 401).

[7] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 88)، البحر الرائق، لابن نجيم، (7/ 264)، الدر المختار، للحصفكي، مع حاشية ابن عابدين، (5/ 648).

[8] ينظر: المغني، لابن قدامة، (5/ 8)، الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (4/ 297)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 218).

[9] ينظر: المدونة، لمالك، (12/ 120)، شرح الخرشي على خليل، (6/ 208)، بلغة السالك، للصاوي، (3/ 439).

[10] المبسوط، (22/ 72).

[11] المغني، (5/ 8).

[12] الشرح الكبير، مع حاشية الدسوقي، (3/ 521).

[13] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (22/ 72).

[14] ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (29/ 98-106).

[15] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 82)، مواهب الجليل، للحطاب، (5/ 358)، نهاية المحتاج، للرملي، (5/ 221)، المغني، لابن قدامة، (5/ 54).

[16] ينظر: حاشية ابن عابدين، (5/ 648)، حاشية العدوي على الخرشي، (6/ 216)، نهاية المحتاج، للرملي، (5/ 231)، المغني، لابن قدامة، (5/ 16).

[17] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (22/ 178)، حاشية العدوي على الخرشي، (6/ 216).

[18] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 90)، نهاية المحتاج، للرملي، (5/ 231).

[19] يراجع: أساسيات العمل المصرفي الإسلامي، لعبد الحميد البعلي، ص(40)، خطاب الضـمان، لحمدي عبد العظيم، ص(80-82).

[21] تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم، (9/ 297).

تمت قراءة هذا المقال بالفعل131 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | علامات حسن الخاتمة عند الموت

Next Post

رييل ستوري | من الأخطاء في الوضوء (1)

Related Posts

رييل ستوري | بين النفس والعقل (1) (خطبة) باللغة النيبالية

शीर्षक: आत्म (नफ्स) र विवेक बीचको विषय (१)  पहिलोप्रवचन: الحمد لله العزيز الغفار، الرحيم الجبار، القدير القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك…
Read More

2- الصوفية – أقسامها وطرقها وأقطابها – الحلقة الثانية – الشيخ الدكتور عثمان الخميس

www.facebook.com/othmanalkamees www.twitter.com/othmanalkamees www.youtube.com/othmanalkamees … تمت قراءة هذا المقال بالفعل231 مرة! ✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص…
Read More