dark

رييل ستوري | حكم بطاقة الائتمان القائمة على المشاركة

اعلانات

حكم بطاقة الائتمان القائمة على المشاركة

 

أولاً: عرض فكرة البديل، وذكر من قال به:

تقوم فكرة هذه البطاقة الائتمانية على ما يلي:

إذا أراد حامل البطاقة أن يشتري سلعة من التاجر:

(1) قام التاجر ببيع 97% من السلعة للمصرف المصدِر للبطاقة، بثمن حال، فأصبح المصرف شريكًا للتاجر في السلعة.

 

(2) ثم يبيع التاجر السلعة على العميل بثمن مؤجل، بزيادة 10% – مثلاً – على السعر الحال.

 

(3) ويتولى التاجر تسليم السلعة للمشتري، وتقديم الخدمة الفنية المتصلة بها، ويتولى المصدِر متابعة السداد، ويتقاسمان الربح بحسب الاتفاق.

 

وقد عرض هذا البديل الدكتور سامي السويلم[1].

 

ثانيًا: الحكم الشرعي لهذا البديل:

باستعراض هذه الصيغة المقترحة نجد ما يلي:

أ‌- أن التاجر قد باع 97% من السلعة نقدًا على المصرف، ولم يخصم منه المصدِر نسبة، لكن أخرّ عليه قيمة 3% من السلعة، وسيسددها له، مع ربحها الآجل بعد سداد العميل، وكأن التاجر يقول للعميل: لا أبيعك السلعة بالآجل، لكني سأدخل في شركة فيها، مع من يرضى بيعها لك بالآجل، وهي صيغة مباحة.

 

ب‌- وتجنب المصرف المصدِر للبطاقة الوقوع في المحظور:

فباع التاجر عليه السلعة، وقبل نيابةً عنه، ويصح للوكيل أن يتولى طرفي العقد؛ كما سبق،[2] أو أن التاجر يقوم بمخاطبة المصرف بالإيجاب، ويبادر المصرف بالقبول، عبر أيّ وسيلة مناسبة.

 

والنسبة التي لم ينقدها المصرف للتاجر (3% في هذا المثال)، لم تخصم عليه، بل دخل بها مع المصرف شركة؛ كحصّة في السلعة المباعة، وستسدد له مع ربحها عند اكتمال السداد.

 

وتولى التاجر بيع السلعة، وتسليمها للعميل، باعتباره شريكًا للمصرف.

 

ج- وحصل العميل على الائتمان المطلوب، وكأن المصدِر قال له: خذ هذه البطاقة، وأيّ سلعة أردتَ شراءها، اشتريتها لنفسي، ثم بعتها لك بثمن مؤجل، وهي صيغة مباحة.

 

أو كأن العميل قال للمصرف: إذا أردتُ سلعةً، فاشترها، ثم بعها عليّ، وسأربحك فيها 10%، وسبق الخلاف فيها، وترجح جوازها[3].

 

فظاهر هذا البديل الصحة، وخلوه من الإشكال، متى ما تمّ شراء المصرف للسلعة قبل شراء العميل، ولم يُلزم العميل بشرائها بعد شراء المصرف لها، لكن تواجهه عدة إشكالات:

‌أ- أن العميل لا يشتري السلع بالسعر الحال، بل بالسعر المؤجل الأعلى (بزيادة 10% في هذا المثال)، وهذا بخلاف أصل عمل البطاقة.

 

‌ب- ويصعب استخدام هذا البديل مع السلع، التي تدفع قيمتها بعد استهلاكها؛ كالأكل في المطاعم، أو بعد الانتفاع بها؛ كخدمات الفنادق والمواصلات ونحوها؛ حيث إن العميل ينتفع بالخدمة قبل إبراز البطاقة.

 

‌ج- وأهم من ذلك كله، أنه تبقى إشكالية تواجه كل الصيغ المعقدة، أو المركبة من عدّة إجراءات – كما في بطاقات المرابحة، أو التورق المنظّم، أو المشاركة – وهي هل العميل في بطاقة المرابحة يفقه أن المصرف وكلّه في أن يشتري السلعة لصالح المصرف، ويقبضها نيابةً عنه، ثم يبيعها على نفسه بالوكالة بثمن مؤجل بزيادة، وذلك في كل مرّة يستخدم فيها البطاقة؟، وهل التاجر أو العامل في نقطة البيع يفقه أن يبيع 97% من السلعة على المصرف، قبل بيعها على العميل بثمن مؤجل بزيادة، متى ما استخدم الأخير بطاقة المشاركة؟، أم أن العميل في بطاقة المرابحة لا يدرك إلا أنه اشترى البضاعة من التاجر بثمن، ينظره المصرف في سداده، والتاجر في بطاقة المشاركة لا يدرك إلا أنه باع على العميل، مقابل أن يقوم المصرف بسداد الثمن له حالاً.

 

وهل يكفي لإنجاز العقد بصورته الصحيحة أن يتصرف المصرف تلقائيًا، ويقلب الدين على العميل في بطاقة التورق المنظّم، عن طريق بيع الفضولي، أو عن طريق التوكيل المسبق، مكتفيًا بعدم اعتراض العميل خلال عشرين يومًا!.

 

إن النظر من هذه الزاوية يوقع كل البدائل المصرفية المبنية على تعقيد الإجراءات في هذا الشَرَك، فإذا بالعميل أو التاجر يعقد العقد، وهو لا يعلمه، ولا يقصد حقيقة ما فيه، وإنما يقصد نتيجة ما ستؤديه إليه هذه المنظومة من العقود المركبة، التي لم يقصد هو آحادها أصلاً.

 

هذا الأمر هو الذي جعل هذه البدائل عمليات تجميل وهمية لعقود محرمة، بل وتحققت فيها حقيقة الحيل المذمومة، فهي توصل إلى نتيجة العقد المحرم، وبدون سلوك الطريق المشروع إلا بقدر توقيعٍ واحدٍ على أوراق!؛ لتتجدد بعده الإجـراءات تلقائيًا – أو كما نقل أحدهم عن الدراسات الاقتصادية: أوتوماتيكيًا[4] – دون أن تُغيِّرَ مقاصد العاقد في الحصول على قرضٍ بزيادة![5].

 

ولك أن تتأمل في هذا المثال، وقد سُئل فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله -، وهو ممن يؤيد التورق المنظّم، ويدافع عنه في بحوثه، لكنه لا يقصد أن يقع بهذه الصورة المتبعة حاليًا في كثير من المصارف الإسلامية، جاء في السؤال: “فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله – هل تتمُّ عمليات البيع والشراء بنظام التورُّق تحت إشرافكم كهيئةٍ شرعية؛ لأني قمتُ بتعبئة البيانات في فرع أحد البنوك الذي تشاركون في هيئته الشرعية، ثم تمَّ إبلاغي بأن المبلغ قد نزل في حسابي، دون أن أرى بيعًا أو شراء، ولكن أُخبرت آنذاك أن ذلك يتمُّ بمتابعة منكم؟ أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيرًا.

 

فأجاب فضيلته : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ما ذكره الأخ السائل بأنه صدر منا جواز التورق، نقول: نعم، والتورق لم يصدر جوازه منا فقط، وإنما هو رأي جمهور أهل العلم… ولكن التورق الذي ذكر السائل طريقتَه في سؤاله؛ بأنه جاء البنك، وقال لهم: أنا بحاجةٍ إلى مبلغ خمسين ألف ريال مثلاً، وأنهم قاموا بإجراء التورق بأنفسهم، ولم يعلم إلا والمبلغ مسجّل في حسابه، نقول: هذا باطل، وليس صحيحًا، فهو لم يتولَّ لا بيعًا، ولا شراء، ولا مقابلة شيءٍ من ذلك، ولا مباشرة أيِّ شيء من هذا، فهذا أشبه ما يكون بشخصٍ احتاج مبلغ خمسين ألفًا، فقالوا: لا بأس، فنحن نُعطيك الخمسين ألفاً، ونضعها في حسابك، ونُقيِّدها عليك بستين ألفًا، أو سبعين ألفًا، أو أقل أو أكثر، نقول: هذا باطلٌ، ولا يصحّ، وليس هذا هو التورق، وإنما التورق أن يأتي المريد للمبلغ، ويقول: أيها البنك، أنا أريد أن أشتري منكم سلعةً بمبلغ كذا وكذا، ثم بعد أن يقوم البنك المعروض عليه البيع بتملُّك هذه السلعة، يقوم ببيعها على هذا العميل، والعميل يتولَّى قبول البيع، والأول يتولَّى الإيجاب في البيع، ثم تتمُّ العملية بيعًا وشراء، وتنتقل السلعة إلى ملكية العميل، وتستقرّ في ذمَّته المديونية؛ أيّ: قيمة هذه السلعة، ثم يقوم العميل بالتصرُّف بسلعته، سواء كانت سيّارة، أو كانت أسهمًا، أو كانت إسمنتًا، أو أيّ سلعة من السلع التي يجوز بيعها وشراؤها، بعد ذلك يتسلَّم سلعته، ويتصرَّف فيها ببيعها، أو يُوكِّل من يبيعها، أو نحو ذلك، هذه هي الطريقة التي أفتَينا بها، أما أن يكون الأمر مثل ما ذكره السائل، فنبرأ إلى الله من ذلك، ولا يُمكن أن تكون هناك جهةٌ شرعية تقول بجواز هذا التصرُّف الذي ذكره السائل؛ بأنه بمجرد أن يبدي الشخص للبنك رغبته بأنه بحاجة إلى خمسين ألفاً، فيقال له خلال ساعة، أو نصف ساعة، أو شيء من هذا نقوم بالقيام بإجراءات شكلية، ثم نقيد ذلك في حسابك، فهذا باطل، ولا يصحّ، ولم يصدر منا فتاوى – ولا من إخواننا القائمين على الهيئات الرقابية – بجواز ذلك، فعلى إخواننا العملاء أن يتقوا الله، وأن يعرفوا كيف يتعاملون… فينبغي أن يكون منا هذا التأكد، وهذا النظر حتى تكون المبايعة صحيحة، وحتى تكون الفتاوى الصادرة منطبقة على هذا التصرف الصحيح، وأما ما ذكره السائل، فنبرأ إلى الله منه، ولا يُمكن أن يتمَّ تحت إشرافنا، وإذا تمَّ ذلك من موظَّف جاهل لا يعرف، فهو الذي يتحمَّل إثم هذا العمل مع العميل الذي يساعده على إتمام هذه العملية الصورية، التي ليس لها علاقةٌ بالتورق”[6].

 

فهل يستطيع منظرو هذا النوع من البدائل أن يوجدوا طريقة سليمة تضمن عدم تخطي العميل، أو التاجر، أو المصرف للخطوات النظرية التي افترضوا أن العملية لا بد أن تجري من خلالها؟.

 

قد يتم ذلك في شأن معاملات قليلة يُعلّم سالكها كيف يجريها خطوة خطوة، عندما يحتاج لها أو يضطر إليها، أما مع معاملات البطاقات الائتمانية التي يتعامل بها الفرد يومياً عشرات المرات، والتاجر مئات المرات، والمصرف آلاف المرات، فإن الواقع – اليوم – خير شاهد أن هذه القيود الشكلية ستصبح في نظر المتعاملين بها عبئاً اقتصاديًا ينبغي التخلص منه، “فكل معاملة تحقق نتيجة الربا مع زيادة التكلفة، فإن ضغط المنافسة، وطلب الربحية سيؤدي تدريجيًا إلى إزالة هذه التكاليف عاجلاً، أو آجلاً، ومن ثمَّ الاقتراب أكثر فأكثر من الربا”[7].


[1] ينظر: صناعة الهندسة المالية، للسويلم، ص(19)، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص(376 – 377).

[4] ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، (7/ 1/ 390).

[5] انظر أمثلة على حرص المصارف على التبيين عندما يتعلق الأمر بها: فتاوى الخدمات المصرفية، ص(97-98، 157-158)، موسوعة فتاوى المعاملات المالية، (1-1/ 69).

[6] فتاوى موقع الإسلام اليوم، بتاريخ 30/ 3/ 1425هـ، وانظر جوابًا للشيخ بخصوص رأيه في تطبيقات التورق في البنوك حاليًا: جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ الثلاثاء، 18 محرم 1428 هـ، 6 فبراير 2007م، العدد 10297.

[7] قضايا في الاقتصاد، للسويلم، ص(364).

تمت قراءة هذا المقال بالفعل19 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | هل ابني مسحور؟

Next Post

رييل ستوري | تفسير سورة الأنعام الآيات (154: 156)

Related Posts