dark

رييل ستوري | حكم بيع الفضولي (PDF)

رييل ستوري | حكم بيع الفضولي (PDF)

اعلانات


تحميل ملف الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذا بحث عن مسألة:

حكم بيع الفضولي.

 

وهو مقدمة للتكييف الفقهي للمتاجر الالكترونية والذي يتضمن عدة مباحث:

حكم بيع الفضولي.

 

حكم السَّلَم الحال.

 

حكم بيع العين الغائبة بغير وصف ولا رؤية متقدمة.

 

حكم الاستصناع والاستصناع الموازي.

 

أحكام عقود التوريد.

 

دروب شيبيج (Drop shipping).

 

حكم زيادة السعر مقابل خيار الإلغاء.

 

التكييف الفقهي للمتاجر الالكترونية.

 

أسأل الله القبول والتوفيق والتيسير إنه على ذلك قدير.

 

مدخل إلى المسألة:

كل معاملة لا ظلم فيها ولا غرر ولا ربا فالأصل فيها الحل والصحة ما لم يرد دليل المنع.

 

الفضولي إذا تصرف لمصلحة غيره بإجازة المالك ففيه شائبة إحسان.

 

النهي عن بيع ما ليس عندك مباين لمعنى النهي عن بيع ما لا تملك.

 

عروة بن الجعد رضي الله عنه لم يكن مأموراً ببيع الشاة وباعها من غير إذن المالك، فلو لم يصح البيع لما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له.

 

(لا تبع ما ليس عندك) يعود على بيع المعين الذي ليس عند البائع، لا على المعين الذي عند البائع؛ وهذا مقتضى النص وجمعاً بينه وأدلة إباحة السَّلَم وحديث عروة ابن الجعد رضي الله عنه.

 

الفُضولي: هو من لم يكن وليًّا ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد [1].

 

وبيع الفُضولي: أن يبيع الشخص ما لا يملكه بغير إذن ولا ولاية على أنه إذا رضي المالك به أمضى البيع.

 

تصوير المسألة:

أن يقوم زيد بجعل سيارته عند عمرو أمانةً خلال فترة سفره، فترتفع أسعار السيارات وتأتي فرصة ربحية مناسبة لبيع السيارة فيبيع عمرو سيارة زيد لعبد الله بمائة ألف ريال.

 

بحيث يكون لزيد عند رجوعه من السفر ومعرفته بهذه الصفقة الخيار بين إمضائها أو إبطالها.

 

تحرير محل لنزاع:

نقل الاتفاق على تحريم بيع الفضولي إذا تولى طرفي العقد، قال الكاساني رحمه الله: “والفضولي من الجانبين في باب البيع إذا بلغهما، فأجازا، لم يجز بالإجماع[2]. واختلفوا في صحة تصرف الفضولي إذا تولى أحد طرفي العقد على قولين:

أقوال أهل العلم في المسألة:

القول الأول:

صحة بيع الفضولي وشراؤه، ويكون موقوفاً على إجازة المالك، وهو مذهب الحنفية[3]، والمالكية[4]، والقول القديم للشّافعي[5]، ورواية عن أحمد[6]، واختيار ابن تيمية[7]، وابن القيم[8]، وابن عثيمين[9].

 

القول الثاني:

عدم صحة بيع الفضولي سواء أجاز صاحب المال أو لا، وهو قول الشافعي في الجديد[10]، والمشهور من مذهب أحمد[11]، واختيار ابن حزم[12].

 

عرض الأدلة في المسألة:

أدلة القول الأول

استدل أصحاب القول الأول وهم الحنفية والمالكية القائلون بصحة بيع الفضولي بأدلة منها:

الدليل الأول:

عموم ما جاء في القرآن من أدلة إباحة البيع، كما في قوله تعالى:

﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].

 

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10].

 

وجه الدلالة: أنه الله شرع البيع والشراء وابتغاء فضل الله من غير تقييد بكون الرضا من طريق المالك أصالةً أو إجازةً، ولا يقيد هذا الإطلاق إلا بدليل صحيح صريح، وطالما أن البيع لم يشتمل على محرم وحصل التراضي بين المالك والمشتري فقد صح البيع.

 

ونوقش: بأن هذه الأدلة مخصوصة بما ورد من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك وما ليس عنده.

 

الدليل الثاني:

قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

وجه الدلالة: أن عقد الفضولي فيه مصلحة للطرفين، فالمالك تم له بيع بضاعته بالمبلغ الذي يريد وتحقق رضاه بالإجازة، والمشتري استفاد من هذه الفرصة بالحصول على السلعة في الوقت والسعر المناسب بدون مشقة، والفضولي ليس متهماً في هذه المعاملة وإنما باع لمصلحة غيره من غير غصب [13].

 

ونوقش: بأن بيع ما ليس في ملكك ليس من البر والتقوى، بل هو من الإثم والعدوان لما جاء من النهي عن فعله.


الدليل الثالث:

ما رواه البخاري في صحيحه قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ … وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّي إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ، مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ)[14].

 

وجه الدلالة: أن الرجل الثالث تصرف في أجرة صاحبه عند قوله: (فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ) وهذا بغير إذن صاحب المال، فقُبل هذا العمل منه برضى صاحب المال عندما استاقه معه، وقُبل أجره وإحسانه عند الله بانفراج الصخرة، فدل على صحة وجواز تصرف الفضولي.

 

وهذا الحكم وإن كان في شرع من قبلنا إلا أنه ثبت من طريق شرعنا ولم يأت في شرعنا ما يدل على منعه فصح العمل به كالقصاص في الأعضاء.

 

ويناقش: بأنه من باب الضرورة في حفظ المال، واستئذان صاحب المال في هذه القصة متعذر بخلاف ما لو أمكن الوصول إلى صحاب المال واستئذانه.

 

الدليل الرابع:

ما رواه البخاري قال: حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا شَبيب بن غَرْقَدة قال سمعت الحي يحدثون عن عروةرضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيه) [حسن بمجموع طرقه] [15].

 

وجه الدلالة: أن الصحابي لم يكن مأموراً ببيع الشاة وباعها وأقبضها المشتري من غير إذن المالك، فلو لم يصح البيع لما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له.

 

ثم إن مقصود الموكل قد حصل وزاده الوكيل خيراً ومثل هذا كما لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم [16].

 

ونوقش هذا الدليل من وجوه:

أن الدليل لا يخلو من مقال كما ذكر الشافعي[17].

 

وعلى القول بثبوته فيمكن أنه كان وكيلاً بالبيع بقرينة فهمها من النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك فإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعروة كان على شاة في الذمة وقد رجع إليه بشاة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يخرج الوكيل عن أمره بخلاف ما لو باع عيناً بغير إذن مالكها.

 

ويجاب عليه:

بثبوت الحديث وقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على غيره، ثم إنه اختلف على الشافعي ولم يكن قوله في الحديث واحداً.

 

وعروة كان وكيلاً في الشراء وليس في البيع فدل على أن تصرفه كان فضولياً.

 

ومناسبة تخصيص فعله بما في الذمة بعيد، فتصرف عروة كان بما لم يؤذن له فيه، فسواء كانت عيناً أو في الذمة فالنصوص عامة في النهي عن التصرف بغير رضى المالك.

 

الدليل الخامس:

صحة بيع الفضولي من حيث النظر من وجوه ثلاثة:

الأول: أنَّه تصرف تمليك صدر من بالغ عاقل حر رشيد لا ضرر فيه مع تخيير المالك، بل فيه منفعة له حيث يُكفى مؤنة طلب المُشتَري، والإذن ثابت دَلالةً؛ لأنَّ العاقل يأذن في التصرف النافع [18].

 

والثاني: لأنه عقد له مجيز في حال وقوعه فيتوقف على إجازته كالوصية لأجنبي بما يزيد على الثلث، فإنها تصح وتكون موقوفة على إجازة الورثة[19].

 

والثالث: وقياساً على الوكيل الذي قيل له بعه بعشرة فباعه بأكثر منها، فقد قال عدد ممن منع تصرف الفضولي أن هذا التصرف صحيح رغم أنه غير مأذون له فيه؛ لأنه زاده خيراً فكذلك الفضولي [20].

 

ويناقش: بأن ذلك قياس في مقابل النص، لما جاء من أدلة النهي عن بيع ما لا يملك وما ليس عنده، ثم إن البيع لا يقاس على الوصية لأنها من عقود التبرعات، والتبرعات يتساهل فيها ما لا يتساهل في البيع؛ فلذا جازت الوصية بالمجهول بخلاف البيع.

 

وأما تصرف الوكيل بما هو أفضل، فإن الوكيل مأذون له في أصل البيع بخلاف الفضولي، فلا يقاس بالأدنى على الأعلى.

 

أدلة القول الثاني:

استدل أصحاب القول الثاني وهم الشافعية والحنابلة القائلون بعدم صحة بيع الفضولي بأدلة منها:

الدليل الأول:

ما رواه أحمد في مسنده من طريق أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام، قال: قلت يا رسول الله يأتيني الرجل يسألني البيع ليس عندي ما أبيعه، ثم أبيعه من السوق؟ فقال:.

 

[منقطع، يوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام، والمحفوظ بلفظ نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى][21].

وجه الدلالة: أن الحديث فيه نهي عن بيع السلع التي لا يملكها البائع، وكذلك النهي عن بيع ما ليس عند البائع.

 

ونوقش: بأن الحديث لا يثبت بهذا اللفظ وإنما المحفوظ بلفظ (نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى)، وهذا لا يفيد النهي عن بيع ما لا يملك.

 

الدليل الثاني:

ما رواه أحمد في مسنده قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، حدثني عمرو بن شعيب، حدثني أبي، عن أبيه قال: ذَكَر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك) [إسناده حسن لسلسة عمرو بن شعيب][22].

 

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لا ليس عند البائع ومنه ما ليس في ملك البائع، وهذا متحقق في بيع الفضولي.

 

ويناقش من ثلاثة وجوه:

بأن النهي إنما يعود على بيع المعين الذي ليس عند البائع أو تحت تصرفه كبيع السلع قبل قبضها أو عين لا يملكها وغائبةً عنه، لا عن المعين الذي عند البائع أو تحت تصرفه؛ وهذا مقتضى ظاهر النص وجمعاً بين هذا الدليل وأدلة إباحة السَّلَم وهو ليس عند البائع، وحديث عروة ابن الجعد الذي مر معنا في أدلة القول الأول[23]، وما ذكر من إجماع أهل العلم على عدم جواز بيع المعين الذي ليس عند البائع أو تحت تصرفه.

 

قال ابن قدامة: “لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها ويسلمها رواية واحدة وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً[24].

 

ثم إن تصرف الفضولي في حقيقته هو وكالة معلقة على الإجازة، فهو يبيع المال لمصلحة مالك السلعة وليس لمصلحته، فأشبه الوكيل بغير تفويض فإن أجازه المالك انعقد وإلا فلا.

 

وأن النهي الوارد في الدليل إنما يعود على البيع النافذ الذي تجري فيه أحكام البيع بمجرد انعقاده لا على البيع الموقوف على إجازة المالك.

 

الدليل الثاني:

ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، ثنا مطر الوراق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجوز طلاق، ولا بيع، ولا عتق، ولا وفاء نذر فيما لا يملك) [ذكر النهي عن البيع تفرد به مطر الوراق وهو سيء الحفظ، وقد رواه غيره عن عمرو بن شعيب ولم يرد فيه ذكر البيع][25].

 

وجه الدلالة: أن الحديث نهى عن بيع الإنسان ما لا يملك، والنهي إذا عاد إلى ذات المعاملة أفسدها، وبيع الفضولي منه.

 

ويناقش: بأن الحديث لا يثبت فلا حجة فيه، ثم إن بيع الفضولي فيه شائبة إحسان فيُتجاوز عنه ما لا يتجاوز عن غيره، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة حين تصدق على سارق مال الزكاة[26].

 

ويجاب عليه: بأنه حتى وإن قلنا بعدم ثبوته إلا أن معناه معمول به، فلو أن إنساناً نذر أن يتصدق ببيت لا يملكه فنذره لغو، وكذلك لو قال لله علي أن أعتق هذا العبد وهو لا يملكه فلا يقع العتق حتى ولو اشتراه بعد ذلك فكذلك البيع.

 

الدليل الثالث:

أن الفضولي باع ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح كبيع الآبق، والطير في الهواء، والسمك في الماء[27].

 

ويناقش: بعدم التسليم بعدم القدرة على التسليم، بل هو متحصل كما في حديث عروة البارقي رضي الله عنه، ومما يدل على صحته أن بيع الآبق والطير في الهواء والسمك في الماء لو غلب على ظنهم الحصول عليهم صح، كما لو كان الآبق مقبوضاً عليه والطير في غرفة والسمك في بركة فكذلك بيع الفضولي.

 

الترجيح:

الذي يظهر بعد استعراض الأدلة أن أصحاب القول الأول وهم الحنفية والمالكية القائلون بصحة بيع الفضولي أقرب إلى الصواب لقوة أدلتهم فحديث عروة البارقي وإجازة النبي صلى الله عليه وسلم لفعله مع عدم ثبوت الدليل الصريح الصحيح المانع، واستصحاب أصل الحل يرجح هذا القول، وعليه فيكون البيع موقوفاً على إجازة المالك، فإن أجازه صح وإلا فلا.

 

ويجدر التنبيه إلى أمرين:

الأول: أن حكم بيع الفضولي يقتصر جوازه على بيع السلع التي عند الفضولي أي تحت تصرفه، بخلاف السلع التي ليست عنده، فلا يجوز لرجل أن يأتي إلى سلعة ليست عنده فيأخذها بغير إذن صاحبها ثم يبيعها ويقول هذا بيع فضولي؛ لأن الأصل النهي (فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ علَيْكُم حَرامٌ)[28]، ونصوص الإباحة جاءت في سلع كانت عند الفضولي كالشاة التي عند عروة البارقي، ومال الأجير الذي عند من انطبقت عليه الصخرة فلا تدخل في (بيع ما ليس عندك)، بخلاف ما لو كانت السلع ليست عند الفضولي فإنه لا يحل ولا يقاس بالأدنى على الأعلى.

 

ثانياً: أن بيع الفضولي يختلف حكمه التكليفي بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك أنه الأصلح كما قال الحطاب رحمه الله[29]، فإن كان يعلم أن المالك لن يقبل بهذا البيع ولا يرضى به فلا يجوز له بيعه، وإن غلب على ظنه رضاه بذلك شُرِع ذلك والله أعلم.

 


[1] التعريفات للجرجاني (ص 167)، العناية للبابرتي (7/ 51)، البناية للعيني (8/ 311)، البحر الرائق لابن نجيم (6/ 160).
[2] بدائع الصنائع (5/ 138).
[3] بدائع الصنائع (5/ 150)، المبسوط (13/ 153)، شرح فتح القدير (7/ 50)، تبيين الحقائق (4/ 102)،البناية للعيني (8/ 311)، البحر الرائق لابن نجيم (6/ 160).
[4] مواهب الجليل (4/ 270)، التاج والإكليل (4/ 270)، القوانين الفقهية (ص 163)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/ 12)، الخرشي (5/ 18)، منح الجليل (4/ 458).
[5] المجموع للنووي (9/ 312)، روضة الطالبين (3/ 355)، الغرر البهية(2/ 406).
[6] المحرر في الفقه (1/ 310)، الإنصاف (4/ 283)، المبدع (4/ 16).
[7] مجموع الفتاوى (29/ 249)، المستدرك على مجموع الفتاوى (2/ 160).
[8] زاد المعاد (5/ 157)، إعلام الموقعين (3/ 254).
[9] الشرح الممتع (8/ 132).
[10] المجموع للنووي (9/ 312).
[11] الإنصاف (4/ 283)، شرح منتهى الإرادات (2/ 9)، دليل الطالب (ص 106)، مجموع الفتاوى (30/ 64)، كشاف القناع (3/ 157).
[12] المحلى (4/ 434).
[13] المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (2/ 132).
[14] البخاري (2272).
[15] البخاري (3642) بلفظه، وأبو داود (3385،3384)، والترمذي (1258)، وابن ماجه (2402)، وأحمد (19362). وعند الترمذي وغيره من طريق الزبير بن الخرِّيت حدثنا أبو لَبيد عن عروة بن أبي الجعد البارقي، فانتفت الجهالة التي وردت في رواية البخاري في سماع الحي عن عروة. وقد صحح الحديث مع البخاري جمعٌ من أهل العلم، قال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 106) : “وهو حديث جيد“، وقال ابن عبدالهادي في المحرر في الحديث (2/ 103): “وقد روي من وجه آخر حسن متصل عن عروة“، يعني طريق أبي لَبيد، وأبو لَبيد صدوق، فالحديث ثابت بمجموع طرقه.
[16] تحفة الأحوذي (4/ 393).
[17] واختلفت الرواية عن الشافعي في هذا الحديث فتارة قال (لا يصح) في رواية المزني، وفي رواية البويطي عنه قال: (إن صح الحديث قلت به)، وينظر التلخيص الحبير (3/ 11).
[18] البحر الرائق لابن نجيم (6/ 160).
[19] المبدع لبرهان الدين ابن مفلح (4/ 16).
[20] ينظر: كشاف القناع (3/ 477).
[21] الحديث روي بثلاثة ألفاظ: اللفظ الأول هو ما ذكر أعلاه: أخرجه ابن أبي شيبة (20499)، وأحمد (3/ 402)، وأبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي في المجتبى (4613)، والسنن الكبرى (6206)، وابن ماجه (2187)، والطبراني في الكبير (3099)، والبيهقي (5/ 317): من طرق عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام. وهذا إسناد منقطع، يوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام. قال الإمام أحمد: مرسل، قال ابن حبان في تحفة التحصيل في المراسيل (1/ 592): “والأصح ما قاله أحمد، بينهما عبد الله بن عصمة“. واللفظ الثاني: ما رواه أبو داود الطيالسي قال: حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام، قال: قلت: يا رسول الله إني اشتري بيوعاً، فما يحل لي، وما يحرم علي؟ فقال لي: (إذا بعت بيعاً فلا تبعه حتى تقبضه). وهذا اللفظ معلول فعبدالله بن عصمة لم يُذكر له جرح ولا توثيق مباشر من أحد أئمة النقد وأحاديثه يسيرة، وتوثيق الرواة يفتقر إلا أحد أمرين: الأول: أن ينص أحد أئمة الجرح والتعديل على أنه ثقة، وهذا غير متوفر هنا. والثاني: أن ينظر في مروياته وتقارن بمرويات غيره، فإذا وجد منه أنه يوافق الثقات في مروياته كان ذلك داعياً إلى الاطمئنان إلى مروياته، فأما إذا خالف الثقات، أو كانت مروياته يسيرة وقد تفرد فيها، فلا يوثق من هذه حاله، وعبدالله بن عصمة أحاديثه يسيرة جداً لا تكفي لسبر حاله من خلال مروياته. اللفظ الثالث: ما رواه النسائي وغيره من طُرق عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبع طعاماً حتى تشتريه وتستوفيه) رواه الشافعي، وأحمد، والنسائي، والبيهقي وغيرهم، واللفظ للنسائي. وقد روي هذا اللفظ عن عطاء بن أبي رباح من عدة طرق: –         عن عبدالله بن عصمة، عن حكيم بن حزام. –         عن صفوان بن موهب، عن عبد الله بن محمد بن صيفي، عن حكيم بن حزام. –         عن حزام بن حكيم، عن أبيه. وهذا اللفظ هو المحفوظ لعدة أمور: أولاً: لأن عبد الله بن عصمة قد اختلف عليه في لفظه، والحديث واحد، والقصة واحدة، وقد رواه عن عبد الله بن عصمة عطاء بن أبي رباح وجعله في النهي عن بيع الطعام، كما رواه حزام ابن حكيم وعبد الله بن محمد بن صيفي كذلك. ثانياً:أن عبد الله بن عصمة لم يُشهد له بالإتقان، فلعله تصرَّف في لفظه، فاللفظ الموافق لرواية غيره أولى بالقبول من اللفظ المختلف فيه. ثالثاً:أن النهي عن بيع الطعام حتى يستوفى مجمع عليه، أو هو كالمجمع عليه، وهو محفوظ من أحاديث أخرى ثابتة. رابعاً: أن ابن عباس كان إذا روى حديث النهي عن بيع الطعام حتى يستوفى كان يقول: (وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام) فهذا ابن عباس على جلالة علمه وقدره لم يكن عنده شيء محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع غير الطعام، ولو كان فيه شيء محفوظ عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ابن عباس بحاجة إلى قياس غير الطعام على الطعام. وللمزيد يراجع كتاب “المعاملات المالية أصالة ومعاصرة” لدبيان الدبيان (4/ 256).
[22] رواه أبو داود (3504)، والنسائي (7/ 288)، والترمذي (1234)، وابن ماجه (2188)، وأحمد(179، 205)، والبيهقي (5/ 343)، والطيالسي (2257)، والطحاوي (4/ 46)، والدارقطني (3/ 75)، والحاكم (2/ 21)، كلهم من طرق عن عمرو بن شعيب به. قال الترمذي: حسن صحيح. قلت: إسناده حسن لسلسلة عمرو بن شعيب.
[23] البخاري (2086)، ومسلم (3010).
[24] المغني (4/ 155).
[25] رواه وأبو داود (2190، 3274) والترمذي (1181) والنسائي (4715، 6161) وابن ماجه (2047) وأحمد (6887، 6898، 6899، 7051، 7110)، وعبدالرزاق (11456)، وابن أبي شيبة (18113) وغيرهم، ومداره على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد رواه جمعٌ عن عمرو بن شعيب وهم مطر الوراق، ومحمد بن إسحاق، وعامر بن عبدالواحد الأحول، وحسين المعلم، وحبيب المعلم مولى معقل بن يسار، عبدالله بن الأخنس النخعي، وعبدالرحمن بن الحارث المخزومي، وجميعهم لم يذكروا البيع في متن الحديث خلا ما جاء عن مطر بن الوراق وهو صدوق كثير الخطأ. بل إن متن الحديث عن مطر الوراق مختلف فيه فتارة ذكر البيع كما ما جاء عند أحمد (6899) وغيره، وتارة لم يذكر البيع كما جاء عند ابن أبي شيبة (18113)، فعُلِم أن الحديث بذكر البيع غير محفوظ.
[26] رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (2311، 3275، 5010)، والنسائي (10729)، وابن خزيمة (2424).
[27] المجموع للنووي (9/ 317).
[28] البخاري (1739).
[29] الفروق للقرافي (3/ 240).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل257 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

Nine Favorite Things. | Quotes to live by, Care quotes, True quotes

Next Post

رييل ستوري | أسباب عذاب القير ونعيمه (خطبة)

Related Posts