dark

رييل ستوري | فوائد من كتاب الداء والدواء

رييل ستوري | فوائد من كتاب الداء والدواء

اعلانات

فوائد من كتاب الداء والدواء

هذه هي الدُّفْعةُ الثانية من الفوائد والخرائد، ونفائس الدُّرر والجواهر، استخرجتُها ولخَّصتُها من الكتاب النافع الماتع (الداء والدواء)، للعلامة الإمام الهُمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، وقد غطَّت هذه المنقولات والكلمات حوالي مائة صحفة أخرى من الكتاب المذكور، من طبعة دار ابن الجوزي، بتحقيق الشيخ علي بن حسن الحلبي الأثري رحمه الله، أسأل الله تعالى أن ينفعني بها والمسلمين.

 

فمع الدفعة الثانية من هذه المختارات والروائع، وستليها الدفعة الثالثة إلى انتهاء الكتاب، إن شاء الله تعالى.

 

1- أشرف الناس هِمَّةً أشدُّهم غَيرةً:

أشرف الناس وأجدُّهم وأعلاهم هِمَّةً أشدُّهم غَيرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخلق على الأمة، والله سبحانه أشد غيرةً منه؛ كما ثبت في الحديث الصحيح؛ [ص: 102].

 

2- الحياء مشتق من الحياة:

الحياء مشتق من الحياة، والغيث يسمى حَيَا – بالقصر – لأن به حياةَ الأرض والنبات والدواب، وكذلك سُمِّيت بالحياء حياة الدنيا والآخرة، فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقيٌّ في الآخرة؛ [ص: 106].

 

3- العلاقة بين الحياء والمعصية:

من استحيى من الله تعالى عند معصيته، استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستحِ من معصيته لم يستحِ من عقوبته؛ [ص: 107].

 

4- من عقوبات المعاصي:

من عقوبات المعاصي على العبد أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفوا به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظِّم الناس حرماته؛ [ص: 107].

 

5- الخيرات المترتبة على الإيمان:

رتَّب الله تعالى في كتابه على الإيمان نحو مائة خَصلةٍ، كل خصلة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها:

فمنها: الأجر العظيم: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 146].

 

ومنها: الدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38].

 

ومنها: استغفار الملائكة وحَمَلَةِ العرش لهم: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7].

 

ومنها: موالاة الله لهم، ولا يذل من والاه الله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 257].

 

ومنها: أمره ملائكته بتثبيتهم: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12].

 

ومنها: العزة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].

 

ومنها: معية الله لأهل الإيمان: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 19].

 

ومنها: الرفعة في الدنيا والآخرة: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].

 

ومنها: الود الذي يجعله الله سبحانه لهم، وهو أنه يحبهم ويحبِّبهم إلى ملائكته وأنبيائه وعباده الصالحين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].

 

ومنها: أمانهم من الخوف يوم يشتد الخوف: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام: 48]؛ [ص: 110، 111].

 

6- فوائد في حديث: ((أعوذ بك من الهم والحزن)): استعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء في قوله: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضَلَع الدين وغلبة الرجال))؛ [رواه البخاري: 6008].

 

وكل اثنين من هذه الثمانية قرينان:

فالهمُّ والحزن قرينان؛ فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمرٍ مستقبل يتوقعه، أحدَث الهمَّ، وإن كان من أمرٍ ماضٍ قد وقع، أحدَث الحزن.

 

والعجز والكسل قرينان؛ فإن تخلَّف العبد عن أسباب الخير والفلاح، إن كان لعدم قدرته فهو العجز، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل.

 

والجبن والبخل قرينان؛ فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل.

 

وضَلَع الدين وقهر الرجال قرينان؛ فإن استعلاء الغير عليه إن كان بحقٍّ، فهو من ضلع الدين، وإن كان بباطل، فهو قهر الرجال.

 

والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الأشياء الثمانية؛ [ص: 112].

 

7- المعاصي تُزيل النعم وتُحِلُّ النِّقم:

من عقوبات الذنوب: أنها تُزيل النعم وتُحِلُّ النِّقم، فما زالت عن العبد نعمةٌ إلا بذنب، ولا حلَّت به نقمة إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاء إلا بتوبة؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاء إلا بتوبة”.

 

وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]؛ [ص: 113].

 

8- المعاصي سببُ الخوف والرعب في القلب:

من عقوبات المعاصي ما يُلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا؛ فإن الطاعة حصنُ الله الأعظم الذي مَن دَخَلَهُ كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب؛ فمن أطاع الله، انقلبت المخاوف في حقه أمانًا، ومن عصاه انقلبت مآمِنُه مخاوفَ؛ [ص: 115].

 

9- إن الأبرار لفي نعيم، المراد به نِعَمٌ كثيرة:

لا تحسب أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: 13، 14] مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دُورِهم الثلاثة هم كذلك – أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار – فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلُّقه بغير الله، وانقطاعه عن الله؟ [ص: 116].

 

10- الذكر الجميل في خَلْقِ الله وعباده:

من أعظم نِعَمِ الله على العبد: أن يرفع له بين العالمين ذِكْرُه، ويُعلي قدره؛ ولهذا خصَّ أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص: 45، 46]؛ أي: خصصناهم بخصيصة؛ وهي الذِّكر الجميل الذي يُذكَرون به في هذه الدار، وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84]، وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: 50]، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4]، فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم فاته من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم؛ [ص: 120، 121].

 

11- المعاصي تمحق بركة الدين والدنيا:

من عقوبات المعاصي: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة؛ تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما مُحقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق.

 

قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96]، وفي الحديث: ((وإن العبد لَيُحرم الرزق بالذنب يُصيبه))؛ [مسند الإمام أحمد: 5/277]؛ [ص: 124، 125].

 

12- سَعَةُ الرزق بالبركة فيه:

ليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق بالبركة فيه، وإن مدة عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياةَ لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، ومن كل شيء يفوت العبد عِوَضٌ، وإذا فاته الله، لم يعوِّض عنه شيء ألبتة؛ [ص: 125].

 

13- العمر الحقيقي للإنسان:

للمعاصي أعظم تأثير في محق بركة العمر والرزق، والعلم والعمل، وكل وقت عُصِيَ الله فيه، أو مال عُصِيَ الله به، أو بدن أو جاهٍ، أو علم أو عمل، فهو على صاحبه، ليس له، فليس له من عمره وماله، وقوته وجاهه، وعلمه وعمله، إلا ما أطاع الله به.

 

ولهذا فمن الناس من يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها، ويكون عمره لا يبلغ عشر سنين أو نحوها، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ويكون ماله في الحقيقة لا يبلغ ألف درهم أو نحوها، وهكذا الجاه والعلم؛ [ص: 127].

 

14- الطاعة تُنوِّر القلب:

الطاعة تنوِّر القلب وتَجْلُوه، وتَصقُله، وتقوِّيه وتثبِّته، حتى يصير كالمرآة المصقولة في جلائها وصفائها، فيمتلئ نورًا، فإذا دنا الشيطان منه، أصابه من نور ما يُصيب مُسترِق السمع من الشُّهب الثواقب، فالشيطان يفرَق من هذا القلب أشدَّ من فَرَق الذئب من الأسد، حتى إن صاحبه لَيَصرع الشيطان فيخِرُّ صريعًا، فيجتمع عليه الشياطين، فيقول بعضهم لبعض: ما شأنه؟ فيقال: أصابه إنسيٌّ، وبه نظرة من الإنس!

 

فيا نظرةً من قلب حرٍّ منور = يكاد لها الشيطان بالنور يُحرقُ؛ [ص: 138].

 

15- الحسنات تقرِّب الملائكة من العبد:

لا يزال الْمَلَكُ يقرب من العبد حتى يصير الحكم والغلبة والطاعة له، فتتولاه الملائكة في حياته، وعند موته، وعند بعثه؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [فصلت: 30، 31].

 

وإذا تولَّاه الْمَلَكُ تولَّاه أنصح الخلق له وأنفعهم وأبرهم له، فثبَّته وعلَّمه، وقوى جَنانه، وأيَّده؛ قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12]؛ [ص: 155، 156].

 

16- فوائد قرب الْمَلَكِ من العبد:

إذا اشتدَّ قربُ الْمَلَكِ من العبد، تكلم على لسانه، وألقى على لسانه القول السديد، وإذا بعُد منه وقرُب منه الشيطان، تكلم على لسانه، وألقى عليه الزور والفحش، حتى يُرى الرجل يتكلم على لسانه الملك، والرجل يتكلم على لسانه الشيطان؛ وفي الحديث: ((إن السَّكينة تنطق على لسان عمر))؛ [مجمع الزوائد: 9/67]؛ [ص: 156].

 

17- دعاء الملائكة للمؤمنين:

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7].

 

تضمَّن هذا الخبر عن الملائكة من مدحِهم بالإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى المؤمنين بالاستغفار لهم، وقدَّموا بين استغفارهم توسُّلَهم إلى الله سبحانه بسَعَةِ علمه، وسعة رحمته، فسعة علمه تتضمن علمه بذنوبهم وأسبابها، وضعفهم عن العصمة، واستيلاء عدوهم وأنفسهم، وهواهم وطِباعهم، وما زُيِّن لهم من الدنيا وزينتها، وعلمه السابق بأنهم لا بد أن يعصوه، وأنه يحب العفو والمغفرة، وغير ذلك من سعة علمه الذي لا يحيط به أحدٌ سواه.

 

وسعة رحمته تتضمن أنه لا يهلِك عليه أحد من المؤمنين به، من أهل توحيده ومحبته، فإنه واسع الرحمة لا يخرج عن دائرة رحمته إلا الأشقياءُ، ولا أشقى ممن لم تَسَعْهُ رحمته التي وسِعت كل شيء.

 

ثم سألوه أن يغفر للتائبين الذين اتبعوا سبيله، وهو صراطه الموصِّل إليه؛ الذي هو معرفته ومحبته وطاعته، فتابوا مما يكره، واتبعوا السبيل الذي يحبها، ثم سألوه أن يقِيَهم عذاب الجحيم، وأن يُدخِلَهم والمؤمنين – من أصولهم وفروعهم وأزواجهم – جنات عدن التي وعدهم بها؛ [ص: 168].

 

18- العقوبات المترتبة على الذنوب:

رتَّب الله تعالى عقوباتٍ عديدة على الذنوب، وهي أدعى للنفس لهجرانها؛ فمن ذلك:

الختم على القلوب والأسماع.

والغشاوة على الأبصار.

والإقفال على القلوب.

وجعل الأكِنَّة عليها.

والرِّين عليها والطَّبع.

وتقليب الأفئدة والأبصار.

والحيلولة بين المرء وقلبه.

وإغفال القلب عن ذكر الربِّ.

وإنساء الإنسان نفسَه.

وترك إرادة الله تطهيرَ القلب.

وجعل الصدر ضيقًا حرجًا كأنما يصعَّد في السماء.

وصرف القلوب عن الحق.

وزيادتها مرضًا على مرضها.

وإركاسها ونكاسها بحيث تبقى منكوسة.

والتثبيط عن الطاعة والإقعاد عنها.

وجعل القلب أصمَّ لا يسمع الحق، أبكم لا ينطق به.

والخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه.

والبعد عن البر والخير، ومعالي الأعمال والأقوال والأخلاق.

ومسخ القلب كما تُمسخ الصورة.

وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية على القلوب؛ [ص: 170 – 172].

 

19- كم من مغرور بستر الله عليه!

فسبحان الله! كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر، وقلب ممسوخ، وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه، ومغرور بستر الله عليه، ومُستدرَج بنِعَمِ الله عليه!

وكل هذه عقوبات وإهانات، ويظن الجاهل أنها كرامة؛ [ص: 172].

 

20- فإن له معيشةً ضنكًا:

قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]، وفُسِّرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أنه من المعيشة الضنك، والآية تتناول ما هو أعم منه، وإن كانت نكرةً في سياق الإثبات، فإن عمومها من حيث المعنى، فإنه سبحانه رتَّب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذِكْرِه، فالْمُعْرِض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعَّم في الدنيا بأصناف النعم، ففي قلبه من الوحشة والذُّلِّ والحَسَرات التي تُقطِّع القلوب.

 

والمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في دنياه، وفي البرزخ، ويوم معاده؛ [ص: 173].

 

21- الحياة الطيبة:

ولا تَقَرُّ العين، ولا يهدأ القلب، ولا تطمئن النفس إلا بإلهها ومعبودها الذي هو حقٌّ، وكل معبود سواه باطل، فمن قرَّت عينه بالله، قرَّت به كلُّ عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله، تقطَّعت نفسه على الدنيا حَسَراتٍ، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحًا؛ كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]، فضمِن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاءَ في الدنيا بالحياة الطيبة، وبالحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين، وهم أحياء في الدارين؛ [ص: 173، 174].

 

22- القلب السليم:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]، والقلب السليم هو الذي سلِم من الشرك والغِلِّ، والحقد والحسد، والشُّحِّ والكِبْرِ، وحبِّ الدنيا والرياسة؛ فسلِم من كل آفة تُبعده عن الله، وسلِم من كل شُبهة تُعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله؛ فهذا القلب السليم في جنة معجَّلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد.

 

ولا تتم سلامته مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد. وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوًى يناقض التجريد والإخلاص؛ [ص: 175].

 

23- أعدل العدل هو التوحيد:

قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25].

 

فأخبر سبحانه أنه أرسل رُسُلَه، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط؛ وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيدُ، وهو رأس العدل وقِوامه، والشرك أعظم الظلم، والتوحيد أعدل العدل؛ [ص: 183].

 

24- إذ نُسوِّيكم برب العالمين:

قال تعالى عن أصحاب الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97، 98].

 

ومعلوم أنهم ما سوُّوهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والْمُلك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب، والتأله، والخضوع، والتذلل لهم، وهذا غاية الجهل والظلم؛ فكيف يُسوَّى التراب بربِّ الأرباب؟ وكيف يُسوَّى العبيد بمالك الرِّقاب؟ وكيف يسوَّى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم، بالغنيِّ بالذات، القادر بالذات، الذي غِناه وقدرته، ومُلكه وجوده، وإحسانه وعلمه، ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟!

 

فأي ظلم أقبحُ من هذا؟ وأي حكم أشدُّ جورًا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه؛ [ص: 190، 191].

 

25- المقصود بكلمة (ما ينبغي) في كلام الله ورسوله:

وإنما تجيء “لا ينبغي” في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للذي هو في غاية الامتناع شرعًا؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم: 92]، وقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69]، وقوله عن الملائكة: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان: 18]؛ [ص: 192].

 

شمعة أخيرة:

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل189 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | سلسلة حقوق ومكانة آل البيت عند علماء أهل السنة (2)

Next Post

ماهي السورة التي ذكر اسم الله في جميع اياتها

Related Posts