dark

رييل ستوري | فضل القرآن الكريم (خطبة)

اعلانات

فضل القرآن الكريم

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخير الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، يبين الله لنا فضلَ القرآن الكريم، وعظيمَ أثره وبركته، فهو كلام الله بين أيدينا، أمرنا الله بالإقبال على كتابه؛ قراءةً واستماعًا، وتعلُّمًا وتدبُّرًا، وعملًا وتحاكمًا، من أجل أن يرحمنا الله في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 203، 204]، وقال سبحانه: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، فهو كتابُ هدايةٍ وحُكْم، وكل ما نحتاج إليه بيَّنه الله في القرآن العظيم نصًّا أو دلالةً أو استنباطًا، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله؛ قال الله عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]؛ أي: ليتذكر أصحاب العقول بالقرآن ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.

 

وقد فصَّل الله آياتِ القرآن؛ لعل الناس يتوبون إلى الله، ويرجعون إلى الحق الذي يُرضي الله؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 174].

 

أيها المسلمون، القرآن يهدي جميع شعوب الأرض إلى الحق، في جميع الأمور الدينية والدنيوية، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]؛ أي: يهدي الناس لأحسن الخِصال في كل الأمور، فهو هداية للأفراد والأُسَرِ، والمجتمعات والدول، فمن تمسَّك بالقرآن فقد اهتدى، ولا يضل ولا يشقى؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، وقال سبحانه: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 123، 124].

 

أيها المسلمون، خلق الله الناس لعبادته وحده، ولم يتركهم هَمَلًا من غير كتاب منه يهديهم به؛ قال الله الحكيم الرحيم: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ [النساء: 176]، فالناس من غير القرآن كالغرقى في بحر عميق مُظْلِمٍ، ومن رحمة الله بعباده أن جَعَلَ كتابه حبلًا ممدودًا من السماء إلى الأرض، وأمرنا بالتمسك به تمسُّكَ الغريق، فإن تمسَّكنا به نجونا وسعِدنا، وإن تركناه هلكنا وخسرنا؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، فأمرنا جميعًا بالاعتصام بكتابه، فيجب على كلِّ عاقل أن يتمسك بالقرآن تمسُّكَ الغريق؛ فهو طريق النجاة الوحيد: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، فالقرآن نورٌ وهداية ورحمة في الدنيا والآخرة لكلِّ مَن آمن به واتَّبعه، فيه السعادة والطمأنينة، فيه الخير والبركة، فيه الأمر بعبادة الله وحده، والأمر بطاعته وطاعة رسوله، فيه الأمر بالعدل والإحسان، فيه الرحمة بالخلق، فيه الحث على صالح الأخلاق، فالقرآن الكريم هو منقذ البشرية من الضلال والهلاك في الدنيا والآخرة، وهو طريق الفوز بالجنة.

 

أيها المسلمون، القرآن كلام الله أنزله بالحق، وهو قول فصل وليس بالهزل: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطارق: 13، 14]، أمَر الله عباده أن يأخذوا كتابه بقوة: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 63] بقوة: أي: بنشاط وجِدٍّ وحزم، وسيسألنا الله عن هذا القرآن؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والقرآن حُجَّةٌ لك أو عليك))، فمن جعل القرآن أمامه بالعمل، قاده إلى الجنة، ومن جعله وراء ظهره بترك العمل، ساقه إلى النار.

 

أيها المسلمون، في القرآن عزُّنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، أفلا تعقلون أيها المسلمون وتعلمون عظمة هذا الكتاب، الذي هو كلام الله رب العباد؟!

 

أرسل الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم ليدعو به جميع الناس، وليخرجهم به من الظلمات إلى النور بإذن الله، فهو تذكرة وموعظة من الله للعالمين؛ كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، فمن آمن بالقرآن اهتدى، ورحِمه الله في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عن القرآن ضلَّ، واستحق عذاب الله في الدنيا والآخرة، وأظْلَمُ الناس من أعرض عن آيات القرآن؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22].

 

أيها المسلمون، أنزل الله القرآن لنتعلمه ونتلوَه ونتدبره ونعمل به، وقد جعل كثيرٌ من الناس القرآن لمقاصدَ أخرى غيرِ مشروعة؛ فبعضهم يسمعه لحصول البركة وهو هاجرٌ له، لا يعمل بأحكامه، وبعضهم يجعله علامة على موت الميت، أو علامة على قرب أذان الجمعة أو المغرب، فيفتحون مكبرات الصوت بالقرآن من غير سماع له ولا إنصات.

 

أيها المسلمون، تلاوة القرآن وتعلُّمه للعمل به تجارة رابحة مع الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))، فعلينا أن نحرص على تعلُّم القرآن تلاوةً وتفسيرًا وتدبرًا، وأن نشجع أولادنا ونساءنا على تعلُّمه وتدبره، فهو خيرُ كتابٍ، وهو أحسن الحديث، وفيه أنفع العلوم، وفيه أحسن القصص والمواعظ.

 

أيها المسلمون، القرآنُ فيه الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فهو كتاب كريم، من أقْبَلَ عليه، وَجَدَ من الله الكرامات والبركات؛ وتأملوا قول الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1 – 3]، فقبل أن يذكر خَلْقَ الإنسان، ذكر أنه علَّم القرآن؛ فالناس بلا قرآن في خسران، ولا سعادة حقيقية للإنسان إلا بالقرآن؛ وأول سورة أنزلها الله على رسوله قال فيها: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5]، وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مَثَلُ الأُتْرُجَّة، ريحها طيِّب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة، ريحها طيب وطعمها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحَنْظَلَةِ، ليس لها ريح وطعمها مُرٌّ))، لو قرأ القرآن منافقٌ أو فاجرٌ، وجد له أثرًا في ظاهره، فما بالكم بالمؤمن الذي يقرؤه ويتدبره ويعمل به؟!

 

أيها المسلم، لو تعلمت آية من كتاب الله خيرٌ لك من ناقة؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّكم يحب أن يغدوَ كل يوم إلى بُطْحَانَ، أو إلى العَقِيقِ، فيأتي منه بناقتين كَوماوَينِ زَهْرَاوَينِ في غير إثمٍ ولا قطع رحم؟ فقلنا: كلنا نحب ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: أفَلَا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل، خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل))، وقد كانت النُّوقُ في الزمان الماضي خيرُ أموال العرب، فمن تعلَّم آية من القرآن، فهي خير له من سيارة، فأين المتنافسون؟ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].

 

اللهم اجعلنا من أهل القرآن، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي علَّم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، والصلاة والسلام على رسول الله الذي نزل عليه القرآن ليكون للعالمين نذيرًا، وأرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

أيها المسلمون، وَعَدَ اللهُ رسولَه عليه الصلاة والسلام بأن يُبيِّن له القرآن الكريم؛ فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19].

 

وكان رسوله صلى الله عليه وسلم يبيِّن للناس أحكامَ القرآن ومعانيَه بسُنَّتِهِ القولية والعملية؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

 

وجعل الله في الكتاب والسُّنَّة المبيِّنة له المخرجَ من كل خلاف في الأمة؛ فقال عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]، فالهدى والرحمة في الاعتصام بالقرآن والسنة.

 

وقد أخذ الله ميثاقَ جميع العلماء أن يُبيِّنوا للناس كتابَ ربهم، ولا يكتموا ألفاظه ومعانيه، ولا أحكامه وهداياته؛ كما قال جل شأنه: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

 

وتوعَّد الله من يفعل ذلك بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160].

 

وفي كل عصر وزمان علماء ودعاة مصلحون، يدعون الناس إلى التمسك بكتاب ربهم، ويهدون الناس إلى الحق؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170]، وقال عز وجل: ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181].

 

أيها المسلمون، الحقُّ في كتاب الله: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 108، 109]، فإذا أردنا اتباعَ الحق، فعلينا أن نُقْبِلَ إقبالًا عظيمًا على تلاوة القرآن واستماعه، وأن نقصد ذلك قصدًا، ونفرغ للقرآن الأوقاتَ، ولا نجعله في هامش حياتنا، فمن تعظيم القرآن أن تُجْعَل له أوقاتٌ للتلاوة والتعلم والتعليم، ولنحذر من هَجْرِ القرآن العظيم، فمن يهجر القرآن آثمٌ وظالم ومرتكب كبيرةً من الكبائر؛ قال الله سبحانه: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، وفي الحديث الصحيح: ((ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن))؛ أي: يقرؤه ويُحسِّن صوته به ما استطاع، ولا يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم إلا ممن يستحق الذم والعقاب، فيجب على كل مسلم قراءةُ ما تيسَّر من القرآن؛ كما أمر الله بقوله: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، وقال سبحانه: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [المزمل: 20]، فلم يعذُرِ الله أحدًا في قراءة القرآن الكريم، حتى المرضى والمسافرين والمجاهدين، فالقرآن شفاء وهدًى ورحمة للمؤمنين، وهَجْرُه من صفات المنافقين: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 23، 24].

 

يا عباد الله، لا يعلم الإنسان الحقَّ، ولا يستقيم على عبادة الله إلا بالقرآن الكريم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27، 28]، فمن أراد الاستقامة على الحق، وعلى طاعة الله، فعليه بتلاوة القرآن وتعلُّمه، وتدبره، والعمل به، فهو يهدي للتي هي أقوم، ويثبِّت المسلم على طاعة الله، ويذكِّره بما يصلح قلبه وأعماله؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 102].

 

أيها المسلمون، القرآن أعظمُ كَنزٍ بين أيدينا، وهو خير من الدنيا وما فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]، علينا أن نفرح بهذا القرآن العظيم الذي هو رسائل من الله لنا؛ لإصلاح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا؛ قال الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

 

أيها المسلم، اعلم أنك مهما عظَّمت القرآن الكريم، فهو أعظم مما تظن؛ فهو كلام الله سبحانه، وهدايته ونوره، وبركته وخيره في الدنيا والآخرة، أكثر مما يخطر ببالك، فهو يهدي للتي هي أقوم في جميع الأمور، وفي كل الأحوال، وكلما تَلَوتُه وتدبَّرته وتعلَّمته، ازددتَ إيمانًا وعلمًا، وحكمةً وهداية، وهو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام الخالدة، فطوبى لمن أقبل عليه، ويا خسارة من أعرض عنه!

 

اللهم افتح مسامعَ قلوبنا لذِكرك، وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذَهاب همومنا، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، واجعل حظَّنا منه حظَّ عبادك الصالحين، اللهم إنا نعوذ بك من هَجْرِ القرآن، ونعوذ بك أن نكون من الذين اتخذوا آيات الله هُزُوًا ولعِبًا، اللهم ارزقنا تعظيم القرآن، وعلِّمنا القرآن، تلاوة وتدبرًا وتفسيرًا، اللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك، الذين يتلونه حق تلاوته، ويهتدون بآياته، ويعملون بأحكامه، اللهم اجعل القرآن رحمة لنا في الدنيا والآخرة، واجعله مباركًا علينا، وشفيعًا لنا، وحجة لنا لا علينا.

 



تمت قراءة هذا المقال بالفعل175 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | خطبة: ولذكر الله أكبر

Next Post

قصص إسلامية للأطفال – حبيبي يا رسول الله – قصة عن اتباع الشرع – الجزء الأول

Related Posts