dark

رييل ستوري | فضل العلم والعلماء

اعلانات

فضل العلم والعلماء

 

الـحمد لله رب العالـمين، والصلاة والسلام على نبينا مـحمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعدُ:

فالإسلام هو دين العلم؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أذكِّر نفسي وأحبابي الكرام بمنزلة العلم، وفضل العلماء؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:

طلب العلم وصية رب العالمين:

حثَّنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة على طلب العلم النافع الذي ينفع المسلم في أمور دينه ودنياه؛ سوف نذكر بعضًا منها:

قال سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].

 

قال جل شأنه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].

 

قال سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].

 

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “مدح الله العلماء في هذه الآية”.

 

قال القرطبي رحمه الله: “يرفع الله الذين أُوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يُؤتوا العلم درجاتٍ في دينهم، إذا فعلوا ما أُمِروا به”؛ [تفسير القرطبي، ج: 17، ص: 299].

 

نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يحثُّنا على طلب العلم:

لقد حثَّنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على طلب العلم في كثير من أحاديثه الشريفة المباركة؛ وسوف نذكر بعضًا منها:

(1) روى الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من يُرِدِ الله به خيرًا، يفقِّهه في الدين))؛ [البخاري حديث: 71، مسلم: 1037].

 

(2) روى مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سَلَكَ طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ [مسلم حديث: 2699].

 

(3) روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم انفعني بما علَّمتني، وعلِّمني ما ينفعني، وزدني علمًا))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2845].

 

(4) روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي قال: ((ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان؛ أحدهما عابدٌ، والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلُ العالم على العابد، كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرَضين، حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الـحوت – السمك – لَيُصلُّون على معلِّم الناس الـخيرَ))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2161].

 

(5) روى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))؛ [حديث حسن، صحيح ابن ماجه، للألباني، حديث: 183].

 

العلماء ورثة الأنبياء:

روى الترمذي عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العِلْمَ، فمن أخذ به، أخذ بحظٍّ وافر))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2159].

 

الملائكة تحضُر مجالس العلم:

روى مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقعد قومٌ يذكرون الله عز وجل إلا حفَّتهم الملائكة – تُظِلُّهم بأجنحتها – وغَشِيَتهم الرحمة، ونزلت عليهم السَّكِينة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ [مسلم حديث: 2700].

 

روى البخاري عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادَوا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، قال: فيحُفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا))؛ [البخاري حديث: 6408].

 

العلم أشرف موروثٍ:

روى مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفَع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ [مسلم حديث: 1631].

 

قال الإمام النووي رحمه الله: “هذا الحديث فيه بيان فضيلة العلم، والحثُّ على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يُختار من العلوم الأنفع فالأنفع”؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 11، ص: 85].

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يوصينا بطلَّاب العلم خيرًا:

روى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقنُوهم))؛ أي: علِّموهم؛ [حديث حسن، صحيح ابن ماجه، للألباني، حديث: 201].

 

أقوال السلف في طلب العلم:

(1) قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “تدارُس العلم ساعةً من الليل خيرٌ من إحيائها”؛ [شرح السنة، للبغوي، ج: 1، ص: 279].

 

(2) قال أبو مسلم الـخولاني: “مَثَلُ العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، إذا ظهرت لهم شاهدوا، وإذا غابت عنهم تاهوا”؛ [حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، ج: 5، ص: 120].

 

(3) قال سفيان بن عيينة: “أرفع الناس منزلةً من كان بين الله وبين عباده؛ وهم الأنبياء، والعلماء”؛ [صفة الصفوة، لابن الجوزي، ج: 1، ص: 425].

 

(4) قال عبيدالله بن أبي جعفر: “العلماء منار البلاد، منهم يُقتبَس النور الذي يُهتدى به”؛ [جامع بيان العلم، لابن عبدالبر، ج: 1، ص: 223].

 

(5) قال سهل بن عبدالله التستري: “من أراد أن ينظر إلى مـجالس الأنبياء عليهم السلام، فلينظر إلى مجالس العلماء”؛ [صفة الصفوة، لابن الجوزي، ج: 2، ص: 273].

 

(6) قال ميمون بن مهران: “إن مَثَلَ العالم في البلد كمثل عينٍ عَذْبة في البلد”؛ [جامع بيان العلم، لابن عبدالبر، ج: 1، ص: 237].

 

(7) قال الشافعي: “طلب العلم أفضل من صلاة النافلة”؛ [مسند الشافعي، ص: 249].

 

(8) قال وهب بن منبه: “مجلسٌ يتنازع فيه العلم أحبُّ إليَّ من قدرِهِ صلاةً؛ لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سَنَةً أو ما بقِيَ من عمره”؛ [سنن الدارمي، ج: 1، ص: 352].

 

العلماء أحياء في قلوب الناس:

هذه حقيقة لا بد من أن نعترف بها، فما زال الناس يتذكرون أهل العلم من الصحابة والتابعين، من أئمة الفقه والحديث؛ كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، فيترحمون عليهم، ويستغفرون لهم.

 

حِرْصُ السلف الصالح على تعليم أبنائهم:

(1) روى الحاكم عن أنس بن مالك أنه كان يقول لبنيه: “قيِّدوا العلم بالكتاب”؛ [مستدرك الحاكم، ج: 1، ص: 106].

 

(2) أوصى لقمان الحكيم ابنه فقال: “يا بني جالِسِ العلماء، وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله تعالى يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء”؛ [موطأ مالك، ج: 2، ص: 1002].

 

(3) قال مالك بن أنس: “كانت أمي تُعمِّمني، وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلَّم من أدبه قبل علمه”؛ [ترتيب المدارك، للقاضي عياض، ج: 1، ص: 130].

 

(4) قال إبراهيم بن أدهم: “قال لي أبي: يا بني، اطلب الحديث، فكلما سمعت حديثًا، وحفظته، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا”؛ [شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي، ص: 66].

 

(5) قالت أم سفيان الثوري لسفيان: “يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، وقالت له: يا بني، إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في مشيِك وحِلْمِك ووقارك؟ فإن لم يَزِدْك، فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك”؛ [صفة الصفوة، لابن الجوزي، ج: 2، ص: 100].

 

(6) قال معتمر بن سليمان: “كتب إليَّ أبي وأنا بالكوفة: اشترِ الكتب، واكتب العلم؛ فإن المال يذهب، والعلم يبقى”؛ [تقييد العلم، للخطيب البغدادي، ص: 112].

 

اقتران العلم بالعمل:

يجب على طلاب العلوم الشرعية أن يقرِنوا العلم بالعمل؛ فإن التطبيق العملي للعلم هو المقصود من تحصيل العلوم الشرعية، ويجعل لهذا العلم تأثيرًا في قلوب الناس، وبدون هذا التطبيق العملي، لا قيمة لهذه العلوم ولا فائدة منها لصاحبها؛ ولذلك حثَّنا القرآن الكريم على اقتران العلم بالعمل، وحذرنا من مخالفة أفعالنا لأقوالنا، وقد أكَّدت السنة النبوية ذلك، وكذلك سلفنا الصالح.

 

قال الله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].

 

وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

 

روى الشيخان عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُـجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فَتَنْدَلِقُ – أي: تخرج سريعًا – أقتابه – أمعاؤه – في النار، فيدور كما يدور الحمار بِرَحَاهُ، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن الـمنكر؟ قال: كنت آمُرُكم بالـمعروف ولا آتِيهِ، وأنهاكم عن الـمنكر وآتِيهِ))؛ [البخاري حديث: 3267، مسلم حديث: 2989].

 

روى مسلم عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها))؛ [مسلم حديث: 2722].

 

روى الطبراني عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ العالم الذي يُعلِّم الناس الخيرَ وينسى نفسه، كمثل السراج يضيء للناس ويُحرق نفسه))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع، للألباني، حديث: 5831].

 

أقوال السلف الصالح في اقتران العلم بالعمل:

(1) قال أبو هريرة: “مَثَلُ علمٍ لا يُعمَل به، كمثل كَنزٍ لا يُنفَق منه في سبيل الله عز وجل”؛ [اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، ص: 165].

 

(2) قال أبو الدرداء: “إنما أخاف أن يكون أول ما يسألني عنه ربي أن يقول: قد علِمتَ، فما عمِلتَ فيما علمت؟”؛ [اقتضاء العلم العمل، ص: 176].

 

(3) قال عبدالله بن مسعود: “يا أيها الناس، تعلَّموا، فمن علِمَ فلْيعْمَل”؛ [العلم، أبو خيثمة، ص: 7].

 

(4) قال محمد بن شهاب الزهري: “لا يرضينَّ الناس قولُ عالمٍ لا يعمل، ولا عامل لا يعلم”؛ [اقتضاء العلم العمل، ص: 166].

 

(5) قال مالك بن دينار: “العالم الذي لا يعمل بعلمه بمنزلة الصَّفَا إذا وقع عليه القَطْرُ زُلِقَ عنه؛ [اقتضاء العلم العمل، ص: 192].

 

(6) قال الحسن البصري: “تعلَّموا ما شئتم أن تعلَّموا، فلن يجازيكم الله على العلم حتى تعملوا”؛ [الجامع لأخلاق الراوي، ج: 1، ص: 91].

 

(7) قال سفيان بن عيينة قال: “أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من عمِل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم لله عز وجل”؛ [سنن الدارمي، ج: 1، ص: 355].

 

(8) قال فضيل بن عياض: “لا يزال العالم جاهلًا بما علِم حتى يعمل به، فإذا عمِل به كان عالمًا؛ [اقتضاء العلم العمل، ص: 174].

 

(9) قال الخطيب البغدادي: “العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملًا”؛ [اقتضاء العلم العمل، ص: 14].

 

(10) قال ابن القيم: “السلف مُجمِعون على أن العالـم لا يستحق أن يُسمَّى ربانيًّا، حتى يعرِف الحق ويعمل به ويُعلِّمه، فمن علِم وعمِل وعلَّم، فذاك يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات”؛ [زاد المعاد، لابن القيم، ج: 3، ص: 10].

 

هيبة العلماء:

جعل الله تعالى للعلماء العاملين هيبةً في قلوب الناس؛ وسوف نذكر صورًا من هيبة العلماء:

(1) روى البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((لبِثتُ سنةً وأنا أريد أن أسأل عمرَ عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أهابه، فنزل يومًا منزلًا فدخل الأراك، فلما خرج سألته، فقال: عائشة وحفصة))؛ [البخاري، حديث: 5843].

 

(2) قال الليث بن سعد: “كان سعيد بن المسيب يركع ركعتين، ثم يجلس، فيجتمع إليه أبناء أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار، فلا يجترئ أحد منهم أن يسأله عن شيء، إلا أن يبتدئهم بحديث، أو يجيئه سائل، فيسأل فيسمعون”؛ [الجامع لأخلاق الراوي، للبغدادي، ج: 1، ص: 400].

 

(3) قال أيوب السختياني: “كان الرجل يجلس إلى الحسن البصري ثلاث سنين، فلا يسأله عن شيء؛ هيبةً له”؛ [الجامع لأخلاق الراوي، ج: 1، ص: 184].

 

(4) قال محمد بن سيرين: “رأيت عبدالرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يُعظِّمونه ويسوِّدونه ويشرِّفونه مثل الأمير”؛ [الجامع لأخلاق الراوي، ج: 1، ص: 182].

 

(5) قال أحمد بن سنان القطان: “كان عبدالرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه، ولا يُبرى فيه قلم، ولا يقوم أحد، كأنما على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة”؛ [تذكرة الحفاظ، للذهبي، ج: 1، ص: 242].

 

(6) قال الشافعي: “كنت أصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحًا رفيقًا؛ هيبةً له لئلا يسمع وقعَها”؛ [المجموع، للنووي، ج: 1، ص: 36].

 

(7) قال الربيع بن سليمان: “والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ؛ هيبةً له”؛ [المدخل إلى السنن، للبيهقي، ج: 1، ص: 390].

 

العلم يرفع منزلة أصحابه:

العلم يرفع منزلة صاحبه في الدنيا، ما لا يرفعه الْمُلْك ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفًا، ويرفع العبدَ المملوك حتى يُجلِسه مجالس الملوك؛ وهذه بعض النماذج للذين رفع الله تعالى منزلتهم بالعلم عند الناس:

(1) روى البخاري عن ابن عباس قال: ((كان عمرُ يدخلني مع أشياخ بدرٍ، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن قد علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رُئيتُ أنه دعاني يومئذٍ إلا ليُريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، فقال بعضهم: أُمرِنا أن نحمَد الله ونستغفره، إذا نصرَنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يَقُل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا بن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمَه له؛ قال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] وذلك علامة أجَلِك، ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول))؛ [البخاري حديث: 4970].

 

(2) قال أبو العالية: “كنت آتي ابنَ عباس وقريشٌ حوله، فيأخذ بيدي، فيُجلسني معه على السرير، فتغامزت بي قريش، ففطِن لهم ابن عباس، فقال: هكذا هذا العلم، يزيد الشريف شرفًا، ويُجلِس المملوك على الأسِرَّة”؛ [المجالسة وجواهر العلم، أبو بكر الدينوري، ج: 2، ص: 182].

 

(3) قال أبو معاوية الضرير: “صبَّ على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه، فقال الخليفة هارون الرشيد: تدري من يصُبُّ عليك؟ قلت: لا، قال: أنا؛ إجلالًا للعلم”؛ [سير أعلام النبلاء، للذهبي، ج: 9، ص: 288].

 

(4) قال عاصم بن أبي النجود (صاحب قراءة القرآن المشهورة): “ما قدِمت على أبي وائل من سَفَرٍ إلا قبَّل كفِّي”؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 5، ص: 257].

 

(5) قال إبراهيم بن الأشعث: “رأيت سفيان بن عيينة يُقبِّل يد الفضيل بن عياض مرتين”؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 438].

 

(6) حجَّ الأوزاعي مرةً، فدخل مكة وسفيان الثوري آخذٌ بزِمام جمله، ومالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: أفسحوا للشيخ، حتى أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه العلم؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 10، ص: 124].

 

(7) ذهب سهل بن عبدالله التستري إلى أبي داود، فقال: “أخْرِجْ لي لسانك هذا الذي حدَّثت به أحاديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُقبِّله”، فأخرجه له؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 13، ص: 331].

 

التحذير من الطعن في العلماء:

روى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذَنْتُه – أعلمته – بالحرب))؛ [البخاري حديث: 6502].

 

قوله: (من عادى لي وليًّا): الـمراد بولي الله: هو العالـم بالله، الـمواظب على طاعته، الـمخلص في عبادته؛ [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج: 11، ص: 343].

 

قال الإمام الشافعي: “إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياءَ الله، فليس لله وليٌّ”؛ [سير أعلام النبلاء، ج: 10، ص: 53].

 

قال ابن المبارك: “من استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرته”؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 408].

 

قال أبو جعفر الطحاوي: “علماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذَكَرَهم بسوءٍ، فهو على غير السبيل”؛ [شرح العقيدة الطحاوية، ج: 1، ص: 503].

 

قال الحافظ الإمام ابن عساكر: “لـحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه بَراء أمرُهُ عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مَرتَعٌ وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنَعْشِ العلم خُلُق ذميم”؛ [تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص: 29].

 

وقال ابن عساكر: “كل من أطلق لسانه في العلماء بالثَّلب – الطعن – ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب؛ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]”؛ [تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص: 425].

 

أضرار الطعن في العلماء:

نستطيع أن نوجز أضرار وخطورة الطعن في علماء أهل السنة في الأمور الآتية:

(1) الطعن في العالم سببٌ في ردِّ ما يقوله من الحق.

إن جرح العالـم ليس جرحًا شخصيًّا، كأي جرح في رجل عاميٍّ، ولكنه جرح بليغ الأثر، يتعدى الحدود الشخصية، إلى ردِّ ما يحمله العالم من الحق؛ ولذلك استغلَّ المشركون من قريش هذا الأمر، فلم يطعنوا في الإسلام أولًا، بل طعنوا في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعلمون يقينًا أنهم إن استطاعوا أن يشوِّهوا صورة الرسول صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس، فلن يقبلوا ما يقوله من الحق، قالوا: إنه ساحر، وكاهن، ومجنون، ولكنهم فشلوا في ذلك.

 

(2) الطعن في العالم يعتبر طعنًا في العلم الذي معه.

العلم الذي يحمله العالـم هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ العلماء ورثة الأنبياء؛ فجرح العالم جرح للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

قال ابن عباس: “من آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله عز وجل”؛ [الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، ج: 1، ص: 143].

 

(3) الطعن في العلماء يؤدي إلى ابتعاد طلاب العلم عن علماء الأمة.

 

وحينئذٍ يسير الطلاب في طريقهم بدون مرشدين؛ فيتعرضون للأخطار والأخطاء، ويقعون في الشَّطَط والزَّلَلِ.

 

(4) الطعن في العلماء تقليل لهم في نظر عامة الناس، وهذا يؤدي إلى ذهاب هيبتهم، وقيمتهم في صدورهم؛ [لحوم العلماء مسمومة، ناصر العمر، ص: 11، 10].

 

وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالـمين، وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

 



تمت قراءة هذا المقال بالفعل19 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | من كرامات عمران بن حصين رضي الله عنه

Next Post

رييل ستوري | ملخص كتاب 12 قاعدة للحياة للمؤلف جون بيترسون

Related Posts