dark

رييل ستوري | ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم للغة أخرى (2)

اعلانات

ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى (2)

 

ذكرنا فيما سبق نُبذة يسيرة عن ترجمة معاني القرآن، وأنواع تلك الترجمات، وحكمها، ونذكر هنا الفرق بين الترجمة والتفسير، مع تفصيل حول أنواع الترجمة لمعاني القرآن، مع ذلك شروط تلك الترجمة الصحيحة، وكذلك شروط المترجم، الذي يسعى لتفسير القرآن وترجمته بلغة أخرى، ونذكر أيضًا أهمية الترجمة لمعاني القرآن الكريم، وبالله التوفيق، وعليه الاعتماد، وتم نقل المادة العلمية من مراجع متعددة بتصرف، والربط بينها للفائدة.

 

الفرق بين الترجمة والتفسير:

فرَّق الزرقاني في “مناهل العرفان بين الترجمة والتفسير”، وهو على حق في هذا التفريق، وذكر أربعة فروق:

الفارق الأول: صيغة الترجمة صيغة استقلالية، ويُراعى فيها الاستغناء بالترجمة عن الأصل، بخلاف التفسير، فإنه يرتبط بأصله ولا ينفصل عنه أبدًا، ومهمة المفسِّر شرح المفردات والجمل، واستنباط المعنى المراد، ولا مكان للتفسير إلا بربطه بالأصل، ويتعدد التفسير، وتتباين المعاني المستفادة من النص الأصلي، ويظل الأصل هو الأساس، ولا مجال للقول باستقلال الترجمة القرآنية عن الأصل في جميع الأحوال، مهما بلغت درجة دقَّةِ تلك الترجمة؛ لأن القرآن لا يُطلَق إلا على القرآن نفسه؛ بلغته وبألفاظه وبمفرداته، ولا يُطلَق لفظ القرآن على أية ترجمة، خاصة أن الترجمة متعددة، والقرآن واحد ولا يتعدد.

 

الفارق الثاني: لا يجوز الاستطراد في الترجمة؛ لأن الأصل فيها أن تكون مُطابِقةً للنص الأصليِّ، مساويةً له في الألفاظ والمفردات، مُعبِّرةً عن معانيه بدقة وأمانة، ولا يجوز للمترجم أن يُفسِّرَ أو يوضِّح، وتتمثل مهمته في النقل الأمين للأصل، ويختلف الأمر بالنسبة للتفسير، فمن واجب المفسِّر أن يوضِّح ويبيِّن، ويستشهد ويرفع الفحوص، ويرجِّح المعاني المستفادة، ويُوجِّه مسار النص المفسَّر، ويُحكِم قبضته عليه بما يملِكه من قوة التوجيه، ووضوح الأدلة؛ ولهذا غلب على كتب التفسير أنها تأثرت بشخصية المفسِّر واختصاصه، ورضخت لآرائه وتوجيهاته واختياراته، وتعددت مناهج المفسرين وتباعدت، وأصاب بعضهم فيما ذهب إليه، وأخطأ البعض الآخر، وقسم العلماء التفسير إلى محمود ومذموم، بحسب التزام المفسِّر بقواعد التفسير الصحيح، وإذا تضمنت الترجمة استطرادًا أو تفسيرًا، أو ترجيحًا وتوجيهًا، فلا تعتبر ترجمة، ولا بد من الترجيح في الترجمة؛ لأن المفردات التي تحتمل أكثر من معنًى تتطلب من المترجِم أن يختار أو يرجِّح أحد المعاني المحتمَلة، ولا خِيارَ له في ذلك، فإذا لم يُرجِّح أحد المعاني، وجب عليه أن يُورِدَ جميع المعاني المحتملة، وهذا أمر غير ممكن في الترجمة.

 

الفارق الثالث: يُفترَض في المترجم أن يأتيَ باللفظ المتضمن لجميع معاني الأصل، ولا يُلتمَس له العذر فيما قصَّر فيه؛ لأن الترجمة تتطلب ذلك، وليس من حقِّه أن يستبدل بلفظة مرادفة للأصل لفظة أخرى أوضح دلالة على المعنى؛ لأن غموض الأصل في بعض المواطن يحمل دِلالاتٍ معينة، ويجعل النص قابلًا للتفسير المتعدد، فإذا اختار المترجم تفسيرًا واحدًا، فقد ضيَّق الخِناقَ على المعنى المترجَم، وقصره على بعض معانيه، ويختلف الأمر بالنسبة للمفسِّر، فمن حقه أن يختار من المعاني ما يراه أقربَ، ومن حقه أن يرجِّح، وأن يوجِّه النص لاستنباط حكمٍ تراءى له، فالمترجم ناقل، والمفسِّر مُتحكِّم، وسلطة المفسر أوسع، وسلطة المترجم ضيقة وأكثر مشقة.

 

الفارق الرابع: يُفترَض في المترجم أن يؤكِّد أن المعاني المستفادة من اللفظ المترجَم أو من النص المترجَم تفيد نفس المعاني والدلالات المستفادة من النص الأصل، فإن أفاد النص المترجَم معنًى ليس واردًا في النص الأصلي، فهذا خطأ فادح، وتحريف للأصل، وانحراف عنه، ونسبة معنًى مستفاد من أصلٍ لأصلٍ، لا يفيد ذلك المعنى، وهذا أمر بالغ الخطورة؛ ولهذا فإن مسؤولية المترجم كبيرة، ولا بد له من الإحاطة بكل ما يفيده النص الأصلي من دلالات، وما يفيده النص المترجم من معانٍ، فإذا لاحظ خَلَلًا في المعاني المستفادة، وَجَبَ عليه أن يُعيد النظر في الترجمة، فيُصحِّح منها ما يحتاج إلى تصحيح، ويستبدل من الألفاظ ما يحتاج إلى إبدال، ويقوِّم أسلوب الترجمة من تقديم وتأخير إلى أن يجِدَ التوافق في المعاني بين الأصل والفرع، بحيث يُعبِّر كلٌّ منهما عن الآخر، وبحيث لو تم الاستغناء عن الأصل، لأفاد الفرع المترجَم نفس المعاني، وهذا من المحال في مجال ترجمة القرآن، ومن العبث أن يحاول مترجِمٌ بلوغَ تلك الغاية، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمفسِّر الذي لا يكلَّف بهذه الإحاطة، وليست هذه مهمة التفسير.

 

تلك أبرز الفروق بين الترجمة لمعاني القرآن، والتفسير للقرآن الكريم بالضوابط المعتبرة عند المفسرين، ومن خلال ما سبق، نلاحظ أن الترجمة تعني – بوجه عام – التعبير عن معنًى كلام في لغة بكلام آخر من لغة أخرى، مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده، ومن هذا التعريف يتبين لنا الشروط الواجب توفرها في الترجمة بشكل مطلق:

أ- معرفة المترجم معرفةً جيدة لأوضاع اللغتين؛ لغة الأصل، ولغة الترجمة.

ب- معرفة المترجم لأساليب اللغتين وخصائصهما.

ج- وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده.

د- استقلال الترجمة عن الأصل.

 

وأهل العلم يشترطون للترجمة الحرفية توفُّر أمرين؛ هما:

أ– وجود مفردات في لغة الترجمة مساوية للغة الأصل.

 

ب- تشابه اللغتين في الضمائر والروابط التي تربط المفردات بعضها ببعض.

 

وعلينا أن نلاحظ استحالة توفر هذين الشرطين في أي لغتين، فإذا كان هذا الحكم عامًّا، فلأن يتناول القرآن الكريم أولى؛ وذلك لسبين هما:

1- إن القرآن الكريم بلغته المعجِزة في نظمه وترتيبه وأدائه، المتحدَّى به كل الأنس والجن، مجتمعين ومتفرقين، حتى إن فصحاء العرب عجزوا عن مضارعته، وهم أهل اللغة وأربابها، فكيف إذًا في حال ترجمة ألفاظ القرآن من لغته المعجِزة المتحدَّى بها إلى لغة أخرى؟

 

2- القرآن الكريم في غايته ومقصده إنما يرمي إلى هداية الناس وإصلاحهم، وهذا لا يتأتَّى إلا بتفهُّم أحكامها من لغته الأصلية بشكل واضح.

 

وترجمة القرآن الكريم إلى لغات العالم – وخاصة إلى اللغات الحية – أمرٌ على غاية من الأهمية؛ لِما تقوم به هذه الترجمة من تعريف بأصول الإسلام، وبيان لقواعد هذا الدين الحنيف، بَيدَ أن ترجمة القرآن الكريم ليست بالأمر اليسير، وليس بإمكان أي أحد أن يتصدى لهذه المهمة الشاقة، بل لا بد من توفر جملة من الشروط والضوابط التي يجب مراعاتها في عملية الترجمة.

 

الترجمة تُطلَق في اللغة على معنيين:

الأول: نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى، دون بيان لمعنى الأصل المترجَم، وذلك كوضع رديف مكان رديف من لغة واحدة.

 

الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه بلغة أخرى.

 

قال الزبيدي في (تاج العروس): “والتَّرجُمان المفسِّر للسان، وقد ترجَمَه وترجم عنه: إذا فسر كلامه بلسان آخر، وقال الجوهري: وقيل: نقله من لغة إلى لغة أخرى”.

 

ما الفائدة من ترجمة معاني القرآن الكريم؟

1- من أجل معرفة المسلمين من غير العرب معاني القرآن الكريم الذي نزل على نبيهم صلى الله عليه وسلم واتباعه.

 

2- لمنع محاولات غير المسلمين أو بعض المستشرقين من تشويه حقائق الإسلام التي بيَّنها القرآن الكريم لغير العرب من المسلمين؛ حيث إن الملاحظ لتلك الترجمات أنها محرَّفة تم فيها تشويه الإسلام والمسلمين، فلا بد من ترجمة معاني القرآن الترجمة الصحيحة؛ لدحض تلك الشُّبُهات والتشويهات، فعلى المسلمين القيام بهذا الأمر.

 

3 إقامة الحُجَّة على غير المسلمين الذين يريدون معرفة كتاب الله تعالى بدون شبهات أو تشويهات، تلك التي يحاول أعداء الإسلام إثارتها ونشرها؛ لصدِّ الناس عن الإسلام والبحث حوله.

 

4 بترجمة القرآن الكريم يقوم الداعية بواجبه الدعوي بهداية الناس إلى الحق، ومخاطبتهم بلغاتهم التي نشؤوا عليها.

 

وعلى هذا، فالترجمة تنقسم إلى قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة معنوية أو تفسيرية.

 

أما الترجمة الحرفية: فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى، مع مراعاة الموافقة في النظم والترتيب، والمحافظة على جميع معاني الأصل المترجم، وبشكل أوضح يُقال عنها:

الترجمة الحرفية: هي نقل ألفاظ من لغة إلى ما يماثلها في لغة أخرى، مع الاتفاق التام بين النظم والتركيب والوضع.

 

فالمترجم يعمِدُ إلى النص الأصلي، فيقرؤه، ثم يستبدل كل كلمة منه بكلمة أخرى تفيد المعنى نفسه من لغة الترجمة، ويضعها مكان اللفظة الأولى، مع المحافظة على تركيب الجملة والأسلوب الذي صِيغت به لغة النص الأصلي، ولو أدى ذلك إلى اختفاء المعنى المراد بسبب اختلاف اللغتين في موقع الاستعمال.

 

وأما الترجمة التفسيرية: فهي شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى، دون مراعاة لنظم الأصل وترتيبه، ودون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه، وقيل أيضًا في مفهومها:

الترجمة التفسيرية: هي التي لا تُراعَى فيها المحاكاة المطلوبة في الترجمة الحرفية؛ أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة؛ لذلك يسميها البعض بالترجمة المعنوية؛ إذ تعني شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى بحيث يؤدي الغرض الذي سِيق له أصلًا.

 

والترجمة الحرفية للقرآن: إما أن تكون ترجمة بالمثل، وإما أن تكون ترجمة بغير المثل، أما الترجمة الحرفية بالمثل: فمعناها أن يترجَم نظم القرآن بلغة أخرى تحاكيه كلمة بكلمة، بحيث تحل مفردات الترجمة محل مفرداته، وأسلوبها محل أسلوبه، حتى تتحمل الترجمة ما تحمَّله نظم الأصل من المعاني المقيَّدة، بكيفياتها البلاغية، وأحكامها التشريعية، وهذا أمر غير ممكن بالنسبة لكتاب الله العزيز؛ وذلك لأن القرآن الكريم نزل لغرضين أساسيين:

أولهما: كونه آيةً دالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه عز وجل؛ وذلك بكونه معجزًا للبشر، لا يقدرون على الإتيان بمثله، ولو اجتمع الإنس والجن على ذلك.

ثانيهما: كونه هدايةً للناس لِما فيه صلاحهم في دنياهم وأُخراهم.

 

شروط الترجمة التفسيرية لمعاني القرآن الكريم:

ولهذا كان من الضروري ذكر الشروط التي يجب أن تتوفر وتُراعى، لتكون الترجمة التفسيرية ترجمة صحيحة مقبولة؛ وهذه الشروط التي يجب مراعاتها في عملية الترجمة هي:

أولًا: أن تكون الترجمة قد استوفت شروط التفسير، لا يُعوَّل عليها إلا إذا كانت مستمدة من الأحاديث النبوية، وعلوم العربية، والأصول المقررة شرعًا؛ فلا بد للمترجم من اعتماده في استحضار معنى الأصل على تفسير عربيٍّ مستمد من ذلك، أما إذا استقل برأيه في استحضار معنى القرآن، أو اعتمد على تفسير ليس مستمدًّا من تلك الأصول، فلا تجوز ترجمته، ولا يُعتَدُّ بها، كما لا يُعتَدُّ بالتفسير إذا لم يكن مستمدًّا من تلك المناهل، معتمدًا على هذه الأصول.

 

ثانيًا: أن يكون المترجم بعيدًا كلَّ البعد عن الميل إلى عقيدة زائفة، تخالف ما جاء به القرآن، وهذا شرط في المفسِّر أيضًا؛ فإنه لو مال واحدٌ منهما إلى عقيدة فاسدة، لَتسلَّطت على تفكيره، فإذا بالمفسِّر وقد فسَّر طبقًا لهواه، وإذا بالمترجم وقد ترجم وفقًا لميوله، وكلاهما يبعُد بذلك عن القرآن وهُداه.

 

ثالثًا: أن يكون المترجم متمكنًا من معرفة علوم القرآن، عالمًا بأصول الشريعة ومبادئها العامة، على وجه الإجمال لا التفصيل؛ وذلك لأن المترجم لا يمكن له ترجمة النص ترجمة دقيقة، ما لم يكن مُلِمًّا بكل ما يتعلق بذلك النص؛ من أسباب نزوله، ودلالاته من حيث العموم والخصوص، عارفًا بكل المصطلحات اللغوية الواردة في القرآن، مُتمكِّنًا من دلالاتها الشرعية على الأحكام المرادة بها، حتى يكون قادرًا على اختيار اللفظ المعبِّر عن المعنى المراد.

 

رابعًا: أن يكون المترجم عالمًا باللغتين؛ المترجَم منها، والمترجَم إليها، خبيرًا بأسرارهما، يعلم جهة الوضع والأسلوب والدلالة لكل منهما.

 

خامسًا: أن يُكتب القرآن أولًا، ثم يُؤتى بعده بتفسيره، ثم يتبع هذا بترجمته التفسيرية، حتى لا يتوهَّم مُتوهِّم أن هذه الترجمة ترجمةٌ حرفية للقرآن.

 

هذه الشروط يجب مراعاتها لمن يريد أن يفسِّر القرآن بغير اللغة العربية؛ لغة القرآن، حتى يكون تفسيرًا يسلَم من كل نقد يُوجَّه، وعيب يُلتمَس.

 

ومن ثَمَّ، فلا يجوز أن تكون ترجمة القرآن خاضعة للأهواء وللإرادات الفردية ذات الأهداف المتعددة؛ وذلك لأن الترجمة التي لا تتوفر فيها شروط الصحة، تُسهم في تشويه صورة القرآن، وتُقدِّمه إلى الناس مشوَّه المعالم، ركيكَ العبارة، جامد التعبير، لا يُثير في النفس ما يُثيره القرآن الكريم المعجِز من آثار، ولا يترك لدى القارئ ما يتركه لدى قارئه في اللغة العربية من إعجاب.

 

وإن المؤسسات الإسلامية المختصة بالدفاع عن مقدسات الإسلام، والمراكز البحثية الغيورة على كل ما يتعلق بكتاب الله تعالى، مَدْعُوَّة اليوم للتصدي للمحاولات الفردية العابثة التي استهدفت ترجمة القرآن، وأساءت للقرآن بتلك الترجمة.

 

مادة المقال مستفادة من كتاب “التفسير والمفسرون”، مع بعض التصرف، للدكتور محمد السيد حسين الذهبي.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل5 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | مع الخوف والخائفين (1) (خطبة)

Next Post

رييل ستوري | فائدة في أوصاف عرش الرحمن

Related Posts