dark

رييل ستوري | ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم للغة أخرى (1)

اعلانات

ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم للغة أخرى (1)



مقدمة:

مبحث ترجمة القرآن من المهمَّات التي تُناط بالمسلمين؛ حيث يتوقف عليها تبليغُ القرآن إلى غير العرب، والترجمة في نفسها تحتاج كفاية وأمانة، وبعض المترجمين يُترجمون خطأً لقلة علمهم، أو يتعمدون الخطأ لسوء نيتهم؛ من أجل الطعن في الإسلام، والترجمة بالمعنى العام تُطلق على مجرد نقل الكلام والنطق به، وعلى نقله إلى لغة أخرى، كما تُطلَق على تفسير الكلام باللغة التي قيل بها، أو تفسيره بلغة أخرى.

 

أما الترجمة العرفية التي اصطلح عليها الناس، فعرَّفوها بأنها التعبير عن معنى كلام بكلام من لغة أخرى، مع الوفاء بمعانيه ومقاصده.

 

الترجمة لغة: تطلق على معانٍ ترجع إلى البيان والإيضاح، وفي الاصطلاح: التعبير عن الكلام بلغة أخرى، وترجمة القرآن: التعبير عن معناه بلغة أخرى، والترجمة نوعان:

أحدهما: ترجمة حرفية؛ وذلك بأن يُوضَع ترجمة كلِّ كلمة بإزائها.

 

الثاني: ترجمة معنوية، أو تفسيرية؛ وذلك بأن يُعبَّر عن معنى الكلام بلغة أخرى، من غير مراعاة المفردات والترتيب.

 

مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3]، فالترجمة الحرفية: أن يُترجِمَ كلمات هذه الآية كلمةً كلمةً، فيُترجم (إنا)، ثم (جعلناه)، ثم (قرآنًا)، ثم (عربيًّا)، وهكذا.

 

والترجمة المعنوية: أن يترجم معنى الآية كلها بقطع النظر عن معنى كل كلمة وترتيبها، وهي قريبة من معنى التفسير الإجمالي.

 

حكم الترجمة التفسيرية لمعاني القرآن الكريم:

إن تفسير القرآن الكريم عِلْمٌ جليل، وهو من العلوم التي فرض الله على الأمة تعلُّمَها وتعليمها، والترجمة التفسيرية هي تفسير للقرآن الكريم بلغة أخرى غير اللغة العربية، فكانت هذه الترجمة فرضًا مما فرضه الله تعالى على الأمة، بل هي فرضها الآن أشد؛ لِما يترتب عليها من الواجبات المحتمة:

1- مثل: تبليغ معاني القرآن على وجه صحيح إلى المسلمين غير العرب، وكذلك إلى غير المسلمين.

 

2- ومثل: المحافظة على العقيدة الإسلامية من التحريف الخاطئ أو المعتمَّد، الذي كثُر فيما يُسمَّى ترجمات القرآن، مما يشوِّش عقيدة قارئها المسلم، ويصُدُّ غير المسلم عن دين الله تعالى.

 

3- وكذلك الدفاع عن القرآن بكشف أضاليل المبشِّرين والمستشرقين، الذين تعالت أصوات الشكايات من دسِّهم وتزييفهم الكثير مما ورد في القرآن الكريم.

 

وقبل الحديث عن الضوابط، هناك نوعان لترجمة القرآن الكريم كما يذكرها أصحاب الاختصاص؛ فيقول نور الدين عتر:

الترجمة للقرآن هناك نوعان:

الترجمة الحرفية.

الترجمة التفسيرية، نذكر خلاصة معانيها كما يلي:

الترجمة الحرفية: هي أن يُترجَمَ نَظْمُ القرآن بلغة أخرى، ترجمة تحاكيه حذوًا بحذوٍ، بحيث تحلُّ مفردات الترجمة محل مفرداته، وأسلوبها محل أسلوبه.

 

وهذه الترجمة مستحيلة في حق القرآن العظيم؛ وذلك لسببين أساسيين:

أولهما: كونه معجزةً للبشر لا يقدرون على الإتيان بسورة مثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

 

الثاني: إنه هداية تُؤخَذ منه الأحكام، وتُستنبَط الفوائد والتوجيهات، وهذا الاستنباط لا يُؤخَذ فقط من المعاني الأصلية التي يسهُل فهمها، والتعبير عنها بلغات أخرى، بل إن كثيرًا من الاستنباطات إنما يُستفاد من المعاني الثانوية؛ مثل: إشارة النص، ودلالة النص، إلى آخر ما هنالك، ومن غير الممكن أن يُحافَظَ في الترجمة على المعاني الثانوية هذه؛ لأنها لازمة للقرآن، لا تنتقل إلى اللغات الأخرى.

 

الترجمة التفسيرية أو المعنوية: هي شرح الكلام بلغة أخرى على قدر طاقة الإنسان، فهي في الواقع تفسير لمعاني القرآن، لكنه مكتوب بلغة غير لغة القرآن؛ بأن نفهم المعنى المراد من النص قدر طاقتنا، ثم نُعبِّر عنه باللغة المترجَم إليها، على وَفْقِ الغرض الذي سِيقَ له، وهذه لا شكَّ ممكنة، لا يماري فيها أحد.

 

مثال يُوضِّح الفرق بين الترجمة الحرفية والتفسيرية: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]:

لو أراد المترجم أن يترجم هذه الآية الكريمة ترجمةً حرفية، لقال بلغة أخرى: “لا تربِط يدك إلى عنقك، ولا تمدها غاية المد”، وهذا تعبير بعيد عن المقصود الحقيقي للآية، يثير استنكار القارئ غير العربي؛ لأنه مثير للاستغراب، ولا يفهم منه المعنى الذي قصده القرآن، وما فيه من التشبيه البليغ.

 

أما إذا أراد ترجمتها ترجمة تفسيرية، فإنه يبين نَهْيَ القرآن عن الضدين؛ التقتير والتبذير، وقد عرضهما القرآن مصوَّرين صورة شنيعة، ينفر منها الإنسان، فإن الكلام الذي فُسِّر به معنى الآية باللغة الأخرى يكون مفهومًا للقارئ الأعجمي، ومقبولًا عنده ومؤثرًا فيه، وشتان ما بين العَمَلين، وما أبعد ما بينهما!

 

شروط العلماء المعاصرين لترجمة معاني القرآن وطبعها:

ولتكون الترجمة التفسيرية ترجمة صحيحة ومؤدِّية للغرض المطلوب، وبعيدة عن أي ضرر، فقد اشترط العلماء المعاصرون في إعدادها وطبعها الشروط الآتية:

1أن تكون مستوفية شروط التفسير التي سبقت، وذلك يُوجِب على المترجم استحضار معنى الأصل من تفسير عربي مستوفٍ لتلك الشروط، أما إذا استقل برأيه ولم يكن أهلًا لذلك، أو اعتمد على تفسير غير مستوفٍ للشروط، فلا تكون هذه الترجمة صحيحة ولا جائزة، وينطبق عليها الوعيد الشديد والإثم الأكيد فيمن قال في القرآن برأيه المجرد.

 

2أن يكون المترجم بعيدًا عن الميل إلى أي عقيدة زائغة تخالف عقيدة القرآن، وهذا شرط في الأصل التفسيري أيضًا كما هو معلوم.

 

3أن يكون المترجم عالمًا باللغتين: الْمُترجَم منها، والْمُترجَم إليها، خبيرًا بأسرارهما، وعالمًا بدقة بوجوه وضع اللغة، وطرق الأساليب، واختلاف الدلالة بحسب الأسلوب في كلٍّ من اللغتين.

 

4أن يراعى في طباعة الترجمة التفسيرية اشتمال الطبعة على القرآن أولًا، ثم تفسيره العربي ثانيًا، ثم يتبع ذلك بترجمته التفسيرية، حتى لا يتوهَّم مُتوهِّمٌ أن هذه ترجمة حرفية للقرآن.

 

والجدير بالذكر أن بعض البلاد الإسلامية طبعت المصاحف محاطة بتفسيرٍ باللغة المحلية في هامش المصحف، كما فعل الإيرانيون والباكستانيون، وليت هذا التفسير يكتبه أولًا فريق من العلماء أهل الاختصاص، إذًا لكان العمل أسلمَ وأجدى.

 

يُتبع…



تمت قراءة هذا المقال بالفعل13 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | حكم عقد الاستصناع

Next Post

رييل ستوري | مراجعة كتاب “التعامل الأسري وفق الهدي النبوي”

Related Posts

رييل ستوري | من أحكام السلام (خطبة)

من أحكام السلام الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ…
Read More