dark

رييل ستوري | المنان جل جلاله، وتقدست أسماؤه

اعلانات

المَنَّانُ جل جلاله، وتقدست أسماؤه

 

عَنَاصِرُ الموْضُوعِ:

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المَنَّانِ).

ثانيًا: وُرُودُهُ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى.

رابعًا: ثَمَرَاتُ الإيِمَانِ بهذا الاسْمِ.

خامسًا: المَعَانِي الإِيمانِيَّةُ.

 

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ : قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ :

أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:

1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

 

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1].

 

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2].

 

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

 

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً لله في بيتِ الله.

 

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].

 

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].

 

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].

 

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].

 

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.

 

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»؛ رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

 

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيه.

 

ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:

1- لَفْتُ نَظَرِ المُسْلِمِينَ إِلَى بَعْضِ نِعَمِ الله عَلَيْهِم.

 

2- حَثُّ المُسْلِمِينَ عَلَى شُكْرِ رَبِّ العَالِمَينَ.

 

3- تَحْرِيمُ المَنِّ بِالعَطِيَّةِ.

 

4- الإِخْلَاصُ فِي الإِنْفَاقِ.

 

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المَنَّانُ):

المَنَّانُ فِي اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المُبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ، فِعْلُهُ مَنَّ يَمُنُّ مَنًّا، يَعْنِي قَطَعَهُ وَذَهَبَ بِهِ.

 

وَالمَنِينُ الحَبْلُ الضَّعِيفُ، وَحَبْلٌ مَنينٌ إِذَا أَخْلقَ وَتَقَطَّعَ، وَرَجُلٌ مَنينٌ أَيْ ضَعِيفٌ، يُقَالُ: كَأَنَّ الدَّهْرَ مَنَّهُ وَذَهَبَ بِمُنَّتِهِ أَيْ بِقُوَّتِهِ، وَالمَنُونُ المَوْتُ؛ لَأَنَّهُ يَمُنُّ كُلَّ شَيْءٍ فَيُضْعِفُهُ وَيُنْقِصُهُ وَيَقْطَعُهُ، وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [الطور: 30].

 

وَمَنَّ عَلَيْهِ أَحْسَنَ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]؛ أَيْ غَيْرَ مَحْسُوبٍ أَوْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ أَوْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ[7].

 

قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ: «المِنَّةُ النِّعْمَةُ الثَّقِيلَةُ، وَيُقَالُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَينِ:

 

أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالفِعْلِ، فَيُقَالُ: مَنَّ فُلانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَثْقَلَهُ بِالنِّعْمَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وَذَلِكَ عَلَى الحَقِيقَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لله تَعَالَى.

 

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالقَوْلِ، وَذَلِكَ مُسْتَقْبَحٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا عِنْدَ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَلِقُبْحِ ذَلِكَ قِيلَ: المِنَّةُ تَهْدِمُ الصَّنِيعَةَ، وَلِحُسْنِ ذِكْرِهَا عِنْدَ الكُفْرَانِ قِيلَ: إِذَا كُفِرَتِ النِّعْمَةُ حَسُنَتِ المِنَّةُ، وَقَوْلُهُ: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، فَالمِنَّةِ مِنْهُمْ بِالقَوْلِ وَمِنَّةُ الله عَلَيْهِمْ بِالفِعْلِ وَهُوَ هِدَايَتُهُ إِيَّاهُمْ كَمَا ذَكَرَ»[8].

 

وَالَمنَّانُ سُبْحَانَهُ هُوَ العَظِيمُ الهِبَاتِ الوَافِرُ العَطَايَا، الَّذِي يُنْعِمُ غَيْرَ فَاخِرٍ بِالإِنْعَامِ وَالَّذِي يَبْدَأُ بِالنَوالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَهُوَ المُعْطِي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، فَلِلَّه المِنَّةُ عَلَى عِبَادِهِ وَلَا مِنَّةَ لأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَهُوَ المُحْسِنَ إِلَى العَبْدِ وَالمُنْعِمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَطْلُبُ الجَزَاءَ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ بَلْ أَوْجَبَ بِفَضْلِهِ لِعِبَادِهِ حَقًّا عَلَيْهِ، مِنَّةً وَتَكْرُّمًا إِنْ هُمْ وَحَّدُوهُ فِي العِبَادَةِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.

 

رَوَى البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ الله عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى الله؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبَدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى الله ألَا يُعَذَّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا»[9].

 

ووَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ فِعْلًا فَقَالَ: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]، ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي اسْمِ (الحَنَّانِ).

 

وَيُقَالُ مِنْهُ: مَنَّ يَمُنُّ منًّا فَهُوَ المَنَّانُ، وَالِاسْمُ المِنَّةُ، وَاشْتِقَاقُهُ فِي مَوْضُوعِ اللِّسَانِ مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ العَطَاءُ دُونَ طَلَبِ عِوَضٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 39]، فِي أَحَدِ وَجُوهِهِ، وَيَكُونُ أَيْضًا مُشْتَقًّا مِنَ المِنَّةِ الَّتِي هِيَ التَّفَاخُرُ بِالعَطِيَّةِ عَلَى المُعْطِي وَتَعْدِيدِ مَا صَنَعَهُ المُعْطِي. وَالمَعْنَيَانِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى صَحِيحَانِ[10].

 

وَيَتَّصِفُ أَيْضًا بِهِمَا الإِنْسَانُ لَكِنْ يَتَّصِفُ بِالمَعْنَى الأَوَّلِ عَلَى طَرِيقِ المَدْحِ، وَبِالمَعْنَى الثَّانِي عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ.

 

فَالأَوَّلُ: الَّذِي هُوَ مَمْدُوحٌ، هُوَ أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ أَوْ مَنُّهُ لِوَجْهِ الله تَعَالَى لَا لِنَيْلِ عِوَضٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْ هَذَا القِسْمِ قَوْلُهُ: «وَإِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ أَبَا بَكْرٍ»، وقوله: «مَا أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَىَّ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ»[11].

 

وَالقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَمُنَّ الإِنْسَانُ بِالعَطِيَّةِ، أَيْ يَذْكُرَهَا وَيُكَرِّرَهَا، فَهُوَ المَذْمُومُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264].

 

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلَيمٌ: الُمسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ، وَالمَنَّانُ: الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مِنَّةً»[12] كَذَا جَاءَ مُفَسِّرًا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ.

 

وَالمَنَّانُ أَيْضًا الَّذِي يَمُنُّ عَلَى الله بِعِلْمِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ المَخْلُوقِ حَرَامٌ مَذْمُومٌ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنَّانٌ»[13]، وَلَّما كَانَ البَارِئُ سُبْحَانَهُ يُدِرُّ العَطَاءَ عَلَى عِبَادِهِ مَنًّا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَتَفَضُّلًا كَانَتْ لَهُ المِنَّةُ فِي ذَلِكَ، فَيَرْجِعُ المَنَّانُ إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ العَطَاءُ إِلَى أَوْصَافِ فِعْلِهِ، وَيَرْجِعُ المَنَّانُ إِذَا أَخَذْتَهُ مِنَ الِمنَّةِ الَّتِي هِيَ تِعْدَادُ النِّعْمَةِ وَذِكَرُهَا وَالِافْتِخَارُ بِفِعْلِهَا فِي مَعْرِضِ الامْتِنَانِ إِلَى صِفَةِ كَلَامِهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]؛ أَيْ تَفَضَّلَ، وَالمَنَّانُ المُتَفَضِّلُ.

 

وَقَالَ الحُلَيْمِي: «المَنَّانُ العَظِيمُ المَوَاهِبِ فَإِنَّهُ أَعْطَى الحَيَاةَ وَالعَقْلَ وَالمَنْطِقَ، وَصَوَّرَ فَأَحْسَنَ الصُّوَرَ، وَأَجْزَلَ وَأنْعَمَ فَأَسْنَى النِّعَمَ، وَأَكْثَرَ العَطَايَا وَالمِنَحَ، فَقَالَ، وَقَوْلُهُ الحَقُّ: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]».

 

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: وَالمَنُّ العَطَاءُ لِمَنْ لَا يَسْتَثْيِبُهُ[14]، وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: الَمنَّانُ، فَقَالَ مِنْ قَوْلِكَ مَنَنْتُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا اصْطَنَعْتَ عِنْدَهُ صَنْعَةً وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِ، فَاللهُ تعالى مَنَّانَ عَلَى عِبَادِهِ بِإِحْسَانِهِ وَإِنْعَامِهِ وَرِزْقِهِ إِيَّاهُمْ.

 

فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا مَنَّانَ عَلَى الإِطْلَاقِ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ الَّذِي بَدَأَ بِالنَوَالِ قَبْلِ السُّؤَالِ، ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِالمِنَّةِ لَهُ وَحْدَهُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا جَمَعَ الأَنْصَارَ فَذَكَّرَهُمْ وَقَالَ: «أَلَمْ يَكُنْ أَمْرُكُم شَتِيتًا فَجَمَعَهُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ تَكُونُوا خَائِفِينَ، فَأَمَّنَكُمُ اللهُ بِي؟» وَهُمْ فِي ذَلِكَ يِقُولُونَ لَهُ: اللهُ وَرَسُولَهُ أَمَنُّ.. الحَدِيثُ إِلَى آَخِرِهُ[15]، فَاعْتَرَفُوا لله ثُمَّ لِرَسُولِهِ بِالنِّعْمَةِ، وَوَلُّوُا النِّعْمَةَ[16] لِرَبِّ النِّعْمَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

 

ثُمَّ إِذَا أَعْطَى أَحْدًا مِنْ خَلْقِهِ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَمُنُّ بِهِ، بَلْ يَسْتَصْغِرُهُ وَيَتَنَاسَاهُ، وَيَرَى الفَضْلَ لِغَيْرِهِ فِي قَبُولِ مَنِّهِ لَا لَهُ[17].

 

فَإِذَا وَصَلَ إِلَى القَلْبِ نُورُ صِفَةِ المِنَّةِ، وَشَهِدَ مَعْنَى اسْمِهِ المَنَّانِ، وَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ عَلَى قَلْبِ عَبْدِهِ بِهَذَا الاسْمِ مَعَ اسْمِهِ الأَوَّلِ، ذُهِلَ القَلْبُ والنَّفْسُ بِهِ وَصَارَ العَبْدُ فَقِيرًا إِلَى مَوْلَاهُ بِمُطَالَعَةِ سَبْقِ فَضْلِهِ الأَوَّلِ، فَصَارَ مَقْطُوعًا عَنْ شُهُودِ أَمْرٍ أَوْ حَالٍ يَنْسِبُهُ إِلَى نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بِشَهَادَتِهِ لِحَالِهِ مَفْصُومًا مَقْطُوعًا عَنْ رُؤْيَةِ عِزَّةِ مَوْلَاهُ وَمُلَاحَظَةِ صِفَاتِهِ.

 

فَصَاحِبُ شُهُودِ الأَحْوَالِ مُنْقَطِعٌ عَنْ رُؤْيَةِ مِنَّةِ خَالِقِهِ وَفَضْلِهِ وَمُشَاهَدَةِ سَبْقِ الأَوَّلِيَّةِ لِلأَسْبَابِ كُلِّهَا، وَغَائِبٌ بِمُشَاهَدَةِ عِزَّةِ نَفْسِهِ عَنْ عِزَّةِ مَوْلَاهُ، فَيَنْعَكِسُ هَذَا الأَمْرُ فِي حَقِّ هَذَا العَبْدِ الفَقِيرِ وَتَشْغَلُهُ رُؤْيَةُ عِزَّةِ مَوْلَاهُ وَمِنَّتِهِ وَمُشَاهَدَةِ سَبْقِهِ بِالأَوْلِيَّةِ عَنْ حَالٍ يَعْتَزُّ بِهَا العَبْدُ أَوْ يَشْرُفُ بِهَا[18].

 

ثانيًا: وُرُودُه فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:[19]

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى، وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ الحَنَّانُ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللهَ؟ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئْلَ بِهِ أَعْطَى»[20].

 

وَوَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ فِعْلًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وَقَالَ: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17].

 

ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:

قَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «(المَنَّانُ) فَعَّالٌ مِنْ قَوْلِكَ: مَنَنْتُ عَلَى فُلَانٍ، إِذَا اصْطَنَعْتَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِ.

 

فَاللهُ تعالى مَنَّانٌ عَلَى عِبَادِهِ بِإِحْسَانِهِ وَإِنْعَامِهِ وَرِزْقِهِ إِيَّاهُمْ.

وَفُلَانٌ يَمُنُّ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا كَانَ يُعْطِيهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ»[21].

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «وَأَمَّا (المَنَّانُ) فَهُوَ كَثِيرُ العَطَاءِ»[22].

وَقَالَ الجَوْهَرِيُّ: «وَ(المَنَّانُ) مِنْ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى»[23].

 

وَقَالَ الحُلَيْمِي: «وَمِنْهَا: (المَنَّانُ) وَهُوَ عَظِيمُ المَوَاهِبِ، فَإِنَّهُ أَعْطَى الحَيَاةَ وَالعَقْلَ وَالنُّطْقَ، وَصَوَّرَ فَأَحْسَنَ الصُّوَرَ، وَأَنْعَمَ فَأَجْزَلَ، وَأَسْنَى النِّعَمَ، وَأَكْثَرَ العَطَايَا وَالِمنَحَ، قَالَ ـ وَقَوْلُهُ الحَقُّ ـ: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34] [24].

 

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ـ هُوَ الأَنْبَارِي ـ: وَفِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى الحَنَّانُ المَنَّانُ، أَيِ الَّذِي يُنْعِمُ غَيْرَ فَاخِرٍ بِالإِنْعَامِ.

 

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي شَرْحِ الَمنَّانِ:

وَمِنْ هَذَا القِسْمِ قَوْلُهُ: «وَإِنَّ مِنْ أَمَنِّ الناسِ عَليَّ فِي مَالِهِ أَبُو بَكْرٍ».

 

وَقَوْلُهُ: «مَا أَحَدٌ أمنَّ عَلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ»[25].

 

والقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَمُنَّ الإِنْسَانُ بِالعَطِيَّةِ، أَيْ: يَذكُرُهَا وَيُكَرِّرُهَا، فَهُوَ المَذْمُومُ.

 

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264].

 

وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُم اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: المُسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِعْلَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ».

 

وَالَمنَّانُ: الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مِنَّةً، كَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الإِيمَانِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ[26].

 

وَالمَنَّانُ أَيْضًا: الَّذِي يَمُنُّ عَلَى الله بِعَمَلِهِ.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ المَخْلُوقِ حَرَامٌ مَذْمُومٌ.

 

مَعْنَاهُ: المُعْطِي ابْتِدَاءً، وَلله الِمنَّةُ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا مِنَّةَ لَأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللهُ عُلُوًّا كَبِيرًا[27].

 

وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: «فِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى (المَنَّانُ): هُوَ المُنْعِمُ المُعْطِي، مِنَ المَنِّ: العَطاءِ، لَا مِنَ المِنَّةِ».

 

وَكَثِيرًا مَا يَردُ المَنُّ فِي كَلَامِهِمِ بِمَعْنَى الإِحْسَانِ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُه وَلَا يَطْلُبُ الجَزَاءَ عَلَيْهِ.

 

فَالمَنَّانُ مِنْ أَبْنِيَةِ المُبَالَغَةِ، كَالسَّفَّاكِ وَالوَهَّابِ[28].

وَقَالَ القُرْطُبِي: «وَمِنْهَا المَنَّانُ أ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ».

 

قَالَ: يُقَالُ مِنْهُ: مَنَّ يَمُنُّ مَنًّا فَهُوَ المَنَّانُ، وَالِاسْمُ المنَّةُ، وَاشْتِقَاقُهُ فِي مَوْضُوعِ اللِّسَانِ مِنَ المَنِّ وَهُوَ العَطَاءُ دُونَ طَلَبِ عِوَضٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 39]، فِي أَحَدِ وَجُوهِهِ.

 

وَيَكُونَ أَيْضًا مُشْتَقًّا مِنَ: المِنَّةِ، الَّتِي هِيَ التَّفَاخُرُ بِالعَطِيَّةِ عَلَى المُعْطِي وَتَعْدِيدِ مَا صَنَعَهُ المُعْطِي.

 

وَالمَعْنَيَانِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى صَحِيحَانِ.

 

وَيَتَّصِفُ أَيْضًا بِهِمَا الإِنْسَانُ لَكِنْ يَتَّصِفُ بِالمَعْنَى الأَوَّلِ عَلَى طَرِيقِ المَدْحِ، وَبِالمَعْنَى الثَّانِي عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ.

 

فَالأَوَّلُ: الَّذِي هُوَ مَمْدُوحٌ هُوَ أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ أَوْ مَنُّهُ لِوَجْهِ الله تَعَالَى لَا لِنَيْلِ عِوَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.

 

وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنَّان»[29].

 

وَلمَّا كَانَ البَارِئُ سُبْحَانَهُ يُدِرُّ العَطَاءَ عَلَى عِبَادِهِ مِنًّا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَتَفْضُّلًا، كَانَتْ لَهُ المِنَّةُ فِي ذَلِكَ.

 

فَيَرْجِعُ المَنَّانُ إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ العَطَاءُ إِلَى أَوْصَافِ فِعْلِهِ.

 

وَيَرْجِعُ المَنَّانُ إِذَا أَخَذْتَهُ مِنَ الِمنَّةِ الَّتِي هِيَ تِعْدَادُ النِّعْمَةِ وَذِكْرُهَا والافْتِخَارُ بِفِعْلِهَا فِي مَعْرَضِ الامْتِنَانِ، إِلَى صِفَةِ كَلَامِهِ تَعَالَى[30].

 

رابعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ:

1- إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ المَنَّانُ الَّذِي مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِأَنْوَاعِ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ وَالأَرْزَاقِ وَالعَطَايَا.

 

وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَثِيرُ العَطَاءِ، فَلَا نِهَايَةَ لِتَوْسِعَتِهِ: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]، وَقَالَ: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

وَقَدْ ذَكَّرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِبعْضِ مِنَنِهِ عَلَيْهِمْ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

 

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 94].

 

فَذَكَّرَهُمْ ـ بِنَعْمَةِ هِدَايَتِهِ لَهُمْ وَقَدْ كَانُوا فِي ظُلَمَاتِ الكُفْرِ يَتَرَدَّدُونَ، وَعَلى شَفِيرِ جَهَنَّمَ هُمْ قَائِمُونَ.

 

وَنَحْوَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17].

 

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص:5، 6].

 

فَيَها امْتِنَانٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ العِزَّةِ وَالقُوَّةِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي ذِلَّةٍ وَاسْتِضْعَافٍ وَتَبَعِيَّةٍ لِفِرْعَونَ وَمَلَئِهِ.

 

وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الصافات: 114 – 118].

 

وَيُوسُفُ نَبِيُّ الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَذْكُرُ نِعْمَةَ رَبِّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُضِعْ صَبْرَهُ وَتَقْوَاهُ بَلْ أَوْرَثَهُ ذَلِكَ حُسْنَ العَاقِبَةِ، فَيَقُولُ لإِخْوَتِهِ: ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

 

وَكَذَا أَهْلُ الجَنَّةِ يَذْكُرُونَ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَخَوْفَهُمْ مِنْ رَبِّهِم ثُمَّ يَذْكُرُونَ نِعْمَةَ الله عَلَيْهِمْ فِي الجِنَانِ، وَنَجَاتِهِمْ مِنْ سُمُومِ النِّيرَانِ، فَيَقُولُونَ: ﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 26 – 28].

 

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لَا مَنَّانَ عَلَى الإِطْلَاقِ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِالمِنَّةِ لله وَحْدَهُ.

 

كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَّما جَمَعَ الأَنْصَارَ فَذَكَّرَهُمْ، وَقَالَ: «أَلَمْ يَكُنْ أَمْرُكُمْ شَتِيتًا فَجَمَعَهُ اللهُ بِي، أَلَمْ تَكُونُوا عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي، أَلَمْ تَكُونُوا خَائِفِينَ فَأَمَّنَكُمُ اللهُ بِي».

 

وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ… الحَدِيثُ إِلَى آَخِرِهِ[31]، فَأَقَرُّوا لله ثُمَّ لِرَسُولِهِ بِالنِّعْمَةِ، وَوَلَّوُا النِّعْمَةَ لِرَبِّ النِّعْمَةِ، واللهُ أَعْلَمُ.

 

ثُمَّ إِذَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَمُنُّ بِهِ، بَلْ يَسْتَصْغِرُهُ، وَيَتَنَاسَاهُ، وَيَرَى الفَضْلَ لِغَيْرِهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهُ، لَا لَهُ.

 

وَقَالَ بَعْضُهُم: المَنُّ التَّحَدُّثُ بِمَا أَعْطَى حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ المُعْطَى فَيُؤذِيهِ.

 

قَالَ العُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا عَلَى المَرْءُ أَنْ يُرِيدَ وَجُهَ الله تَعَالَى وَثَوَابَهُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَى المُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجُو مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَنْظُرُ مِنْ أَحْوَالِهِ فِي حَالٍ سِوَى أَنْ يُرَاعِي اسْتِحْقَاقَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]، وَمَتَى أَنْفَقَ لِيُرِيدَ مِنَ المُنْفِقِ عَلَيْهِ جَزَءًا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَهَذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ الله، فَهَذَا إِذَا أَخْلَفَ ظَنَّهُ فِيهِ، مَنَّ بِإِنْفَاقِهِ وَآَذَاهُ.

 

وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ مُضْطَرًّا دَافِعَ غُرمٍ، إِمَّا لَأَنَّهُ المُنْفِقُ عَلَيْهِ، أَوْ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، مِنَ اعْتِنَاءِ مُعْتَنٍ، فَهَذَا لَمْ يُردْ بِهِ وَجْهَ الله، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مَا كَانَ عَطَاؤُهُ لله، وَأَكْبَرُ قَصْدِهِ ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ الله[32].

 

2- قَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي حُرْمَةِ المَنِّ وَأَنَّ المَنَّانَ مِنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُم اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلَيْمٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّه.

 

خامسًا: المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

وَقَدْ قَسَّمَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله المَنَّ فِي النَّاسِ إِلَى قِسْمَينِ فِي كَلَامِهِ عَنْ المُنْفِقِينَ وَأَنْوَاعِهِمْ فَقَالَ[33]: «فَالمَنُّ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَنٌّ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا إِنْ لَمْ يُبْطِلِ الصَّدَقَةَ، فَهُوَ مِنْ نُقْصَانِ شُهُودِ مِنَّةِ الله عَلَيْهِ فِي إِعْطَائِهِ المَالَ وَحِرْمَانِ غَيْرِهِ، وَتَوْفِيقِهِ لِلْبَذْلِ وَمَنْعِ غَيْرِهِ مِنْهُ، فَللَّه المِنَّةُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَكَيْفَ يَشْهَدُ قَلْبُهُ مِنَّةً لِغَيْرِهِ؟

 

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ، فَيَعْتَدِي عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِإِحْسَانِهِ، وَيُرِيهُ أَنَّهُ اصْطَنَعَهُ وَأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ حَقًّا وَطَوَّقَهُ مِنَّةً فِي عُنُقِهِ فَيَقُولُ: أَمَّا أَعْطَيْتُكَ كَذَا وَكَذَا؟ وَيُعَدِّدُ أَيَادِيَهِ عِنْدَهُ، قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ أَعْطَيْتُكَ فَمَا شَكَرْتَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا أَعْطَيتَ رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْتَ أَنَّ سَلَامَكَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَكُفَّ سَلَامَكَ عَنْهُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا اصْطَنَعْتُمْ صَنِيعَةً فَانْسُوهَا، وَإِذَا أُسْدِيتْ إِلَيْكُمْ صَنِيعَةٌ فَلَا تَنْسُوهَا، وَقِيلَ: صِنْوانٌ مَنْ مَنَحَ سَائِلَهُ وَمَنَّ، وَمَنْ مَنعَ نَائِلَهُ وَضَنَّ.

 

ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِصَاصَ الله تَعَالَى بِالمَنِّ وَأَسْبَابِ ذَلِكَ فَقَالَ:

وَحَظَرَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ المَنَّ بِالصَّنِيعَةِ وَاخْتَصَّ بِهِ صِفَةً لِنَفْسِهِ؛ لَأَنَّ مَنَّ العِبَادِ تَكْدِيرٌ وَتَعْيِيرٌ، وَمَنَّ الله ـ إِفْضَالٌ وَتَذْكِيرٌ.

 

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ هُوَ المُنْعِمُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَالعِبَادُ وَسَائِطُ؛ فَهُوَ المُنْعِمُ عَلَى عَبْدِهِ فِي الحَقِيقَةِ.

 

وَأَيْضًا فَالِامْتِنَانُ اسْتِعْبَادٌ وَكَسْرٌ وَإِذْلَالٌ لِمَنْ يَمُنُّ عَلَيْهِ وَلَا تَصْلُحُ العُبُودِيَّةُ والذُّلُّ إِلَّا لله.

 

وَأَيْضًا فَالِمنَّةُ أَنْ يَشْهَدَ المُعْطِي أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَأَنَّهُ وَلِيُّ النِّعْمَةِ وَمُسْدِيهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهَ.

 

وَأَيْضًا فَالمَانُّ بِعَطَائِهِ يَشْهَدُ نَفْسَهُ مُتَرَفِّعًا عَلَى الآَخِذِ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ غَنِيًّا عَنْهُ عَزِيزًا، وَيَشْهَدُ ذُلَّ الآَخِذِ، وَحَاجَتَهُ إِلَيْهِ وَفَاقَتَهُ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلْعَبْدِ.

 

وَأَيْضًا فَإِنَّ المُعْطِيَ قَدْ تَوَلَّى اللهُ ثَوَابَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَضْعَافَ مَا أَعْطَى، فَبَقِيَ عِوَضُ مَا أَعْطَى عِنْدَ الله، فَأَيُّ حَقٍّ بَقِيَ لَهُ قَبْلَ الآَخْذِ؟ فَإِذَا امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَهُ ظُلْمًا بَيِّنًا، وَادَّعَى أَنَّ حَقَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَمِنْ هُنَا ـ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ بَطَلَتْ صَدَقَتُهُ بِالمَنِّ، فَإِنَّهُ لمَّا كَانَتْ مُعَاوَضَتُهُ وَمُعَامَلَتُهُ مَعَ الله، وَعِوَضُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَاحَظَ العِوَضَ مِنَ الآخِذِ وَالمُعَامَلَةَ عِنْدَهُ فَمَنَّ عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ، أَبْطَلُ مُعَاوَضَتَهُ مَعَ الله وَمُعَامَلَتَهُ لَهُ.

 

ثُمَّ بَيَّنَ رحمه الله أَنَّ المَنَّ وَلَو كَانَ بَعْدَ الإِنْفَاقِ بِمُدَّةٍ ضَرَّ بِصَاحِبِه، فَقَالَ:

فَتَأَمَّلْ هَذِهِ النَّصَائِحَ مِنَ الله لِعِبَادِهِ، وَدَلَالَتَهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ يُبْطِلُ عَمَلَ مَنْ نَازَعَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾ [البقرة: 262].

 

عَلَى أَنَّ المَنَّ وَالأَذَى وَلَوْ تَرَاخَى عَنِ الصَّدَقَةِ وَطَالَ زَمَنُهُ ضَرَّ بِصَاحِبِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُ الإِنْفَاقِ، وَلَوْ أَتَى بِالوَاوِ وَقَالَ: وَلَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذَىً، لَأَوْهَمَتْ تَقْييدَ ذَلِكَ بِالحَالِ، وَإِذَا كَانَ المَنُّ وَالأَذَى المُتَرَاخِي مُبْطِلًا لَصَارَ الإِنْفَاقُ مَانِعًا مِنَ الثَّوَابِ فَالمُقَارِنُ أَوْلَى وَأَحْرَى.

 

وَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَرَّدَ الخَبَرَ هُنَا عَنِ الفَاءِ فَقَالَ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾ [البقرة: 262]، وَقَرَنَهُ بِالفَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]، فَإِنَّ الفَاءَ الدَّاخِلَةَ عَلَى خَبَرِ المُبْتَدَأِ المُوْصُولِ أَوِ المَوْصُوفِ تُفْهِمُ مَعْنَى الشرَّطِ وَالجَزَاءِ وَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِمَا تَضَمَّنَهُ المُبْتَدَأُ مِنَ الصِّلَةِ أَوِ الصِّفَةِ، فَلَمَّا كَانَ هُنَا يَقْتَضِي بَيَانَ حَصْرِ الُمسْتَحِقِّ لِلْجَزَاءِ دُونَ غَيْرِهِ، جَرَّدَ الخَبَرَ عَنِ الفَاءِ، فَإِنَّ المَعْنَى: إِنَّ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ لله، وَلَا يَمُنُّ وَلَا يُؤْذِي، هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الأَجْرَ المَذْكُورَ، لَا الَّذِي يُنْفِقُ لِغَيْرِ الله، وَيَمُنُّ وَيُؤْذِي بِنَفَقَتِهِ، فَلَيْسَ المَقَامُ مَقَامَ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ، بَلْ مَقَامُ بَيَانٍ لِلْمُسْتَحِقِّ دُونَ غيْرِهِ.

 

وَفِي الآَيَةِ الأُخْرَى: ذَكَرَ الإِنْفَاقَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَذَكَرَ عُمُومَ الأَوْقَاتِ وَعُمُومَ الأَحْوَالِ، فَأَتَى بِالفَاءِ فِي الخَبَرِ لَيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الإِنْفَاقَ فِي أَيِّ وَقْتٍ وُجِدَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَعَلَى أَيِّ حَالَةٍ وُجِدَ مِنْ سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْجَزَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلْيُبَادِرْ إِلَيْهِ العَبْدُ وَلَا يَنْتَظِرْ بِه غَيْرَ وَقْتِهِ وَحَالَهُ. وَلَا يُؤَخِّرْ نَفَقَةَ اللَّيْلِ إِذَا حَضَرَ إِلَى النَّهَارِ، وَلَا نَفَقَةَ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ، وَلَا يَنْتَظِرْ بِنَفَقَةِ العَلَانِيَةِ وَقْتَ السِّرِّ وَلَا بِنَفَقَةِ السِّرِّ وَقْتَ العَلَانِيَةِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ وُجِدَتْ سَبَبٌ لَأَجْرِهِ وَثَوَابِهِ، فَتَدَبَّرْ هَذِهِ الأَسْرَارَ فِي القُرْآَنِ فَلَعَلَّكَ لَا تَظْفَرُ بِهَا فِيمَا يَمُرُّ بِكَ فِي التَّفَاسِيرِ، وَالِمنَّةُ والفَضْلُ لله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

[رَدُّ السَّائِلِ بِالقَوْلِ المَعْرُوفِ وَالعَفْوِ عَنْهُ خَيْرٌ مِنَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ ثُمَّ إِيَذَائِهِ بِالمَنِّ وَالقَوْلِ]:

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263]، فَأَخْبَرَ أَنَّ القَوْلَ المَعْرُوفَ: وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ القُلُوبُ وَلَا تُنْكِرُهُ، وَالمَغْفِرَةُ وَهِيَ: العَفْوُ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، خَيْرٌ مِنَ الصَّدَقَةِ بِالأَذَى، فَالقَوْلُ المَعْرُوفُ إِحْسَانٌ وَصَدَقَةٌ بِالقَوْلِ، وَالمَغْفِرَةُ إِحْسَانٌ بِتَرْكِ المُؤَاخَذَةِ وَالمُقَابَلَةِ، فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الإِحْسَانِ، وَالصَّدَقَةِ المَقْرُونَةِ بِالأَذَى حَسَنَةٌ مَقْرُونَةٌ بِمَا يُبْطِلُهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَسَنَتَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حَسَنَةٍ بَاطِلَةٍ.

 

وَيَدْخُلُ فِي المَغْفِرَةِ: مَغْفِرَتُهُ لِلسَّائِلِ إِذَا وَجَدَ مِنْهُ بَعْضَ الجَفْوَةِ وَالأَذَى لَهُ بِسَبَبِ رَدِّهِ، فَيَكُونُ عَفْوُهُ عَنْهُ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَيُؤْذِيَهُ، هَذَا عَلَى المَشْهُورِ مِنَ القَوْلِينِ فِي الآَيَةِ.

 

وَالقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ المَغْفِرَةَ مِنَ الله، أَيْ: مَغْفِرَةٌ لَكُمْ مِنَ الله بِسَبَبِ القَوْلِ المَعْرُوفِ وَالرَّدِّ الجَمِيلِ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذَى.

 

وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَيْ مَغْفِرَةٌ وَعَفْوٌ مِنَ السَّائِلِ إِذَا رُدَّ وَتَعَذَّرَ المَسْئُولُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَنَالَ بِنَفْسِهِ صَدَقَةً يَتْبَعُهَا أَذَىً.

 

وَأَوْضَحُ الأَقْوَالِ هُوَ الأَوَّلُ، وَيَلِيهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لَأَنَّ الخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ للمُنْفِقِ المَسْئُولِ لَا لِلسَّائِلِ الآَخِذِ.

 

وَالمَعْنَى أَنَّ قَولَ المَعْرُوفِ لَهُ وَالتَّجَاوزَ وَالعَفْوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَتُؤْذِيَهُ، ثُمَّ خَتَم الآَيةَ بِصِفَتَينِ مُنَاسِبَتينِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ فَقَالَ: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263]، وَفِيهِ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ لَنْ يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنْ صَدَقَاتِكُمْ، وَإِنَّمَا الحَظُّ الأَوْفَرُ لَكُمْ فِي الصَّدَقَةِ، فَنَفْعُهَا عَائِدٌ عَلَيْكُمْ لَا إِلَيْهِ ـ، فَكَيْفَ يَمُنُّ بِنَفَقَتِهِ وَيُؤْذِي مَعَ غِنَى الله التَّامِّ عَنْهَا، وَعَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ حَلِيمٌ إِذْ لَمْ يُعَاجِلْ المَانَّ بِالعُقُوبَةِ، وَضِمْنَ هَذَا الوَعِيدِ والتَّحْذِيرِ.

 

وَالمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ ـ مَعَ غِنَاهُ التَّامِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ المَوْصُوفُ بِالحِلْمِ والتَّجَاوِزِ والصَّفْحِ، مَعَ عَطَائِهِ الوَاسِعِ وَصَدَقَاتِهِ العَمِيمَةِ، فَكَيْفَ يُؤْذِي أَحَدَكُمْ بِمَنِّهِ وَأَذَاهُ، مَعَ قِلَّةِ مَا يُعْطِي وَنَزَارَتِهِ وَفَقْرِهِ!

 

[المَنُّ وَالأَذَى مِمَّا يُحْبِطُ الصَّدَقَاتِ]:

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]، تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآَيَةُ الإِخْبَارَ بِأَنَّ المَنَّ وَالأَذَى يُحْبِطُ الصَّدَقَةَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الحَسَنَةَ قَدْ تُحْبَطُ بِالسَّيِّئَةِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلَامُ عَلَى هَذِهِ المَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ.

 

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ المَنَّ وَالأَذَى المُقَارِنُ للصَّدَقَةِ هُوَ الَّذِي يُبْطِلُهَا دُونَ مَا يُلْحِقُهَا بَعْدَهَا، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ، وَالسِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِهَا بِهِ مُطْلَقًا، وَقَدْ يُقَالُ: تَمْثِيلُهُ بِالمُرَائِي الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المَنَّ والأَذَى المُبْطِلَ هُوَ المُقَارِنُ كَالرِّيَاءِ وَعَدَمِ الإِيمَانِ، فَإِنَّ الرِّيَاءَ لَوْ تَأَخَّرَ عَنِ العَمَلِ لَمْ يُبْطِلْهُ.

 

وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الحَالِ الَّتِي يُحْبَطُ بِهَا العَمَلُ، وَهِيَ حَالُ المُرَائِي والمَانِّ المُؤْذِي فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْبِطُ العَمَلَ.

 

الثَّانِي: أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُقَارِنًا لِلعَمَلِ؛ لَأَنَّهُ (فِعالُ) مِنَ الرُّؤْيَةِ الَّتِي صَاحِبُهَا يَعْمَلُ لِيَرَى النَّاسُ عَمَلَهُ فَلَا يَكُونُ مُتْرَاخِيًا، وَهَذَا خِلَافُ المَنِّ وَالأَذَى فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقَارَنًا وَمُتَراخِيًا، وَتَرَاخِيهِ أَكْثَرُ مِنْ مُقَارَنَتِهِ.

 

وَقَوْلِهِ: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ ﴾ إِمَّا أَنْ يَكُونَ المَعْنَى بِإِبْطَالِ الَّذِي يُنْفِقُ فَيَكُونُ قَدْ شَبَّهَ الإِبْطَالَ بِالإِبْطَالِ، أَوِ المَعْنَى: لَا تَكُونُوا كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ، فَيَكُونُ تَشْبِيهًا للْمُنْفِقِ بِالمُنْفِقِ.

 

وَقَوْلُهُ: ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ﴾؛ أَيْ مَثَلُ هَذَا المُنْفِقِ الَّذِي قَدْ بَطَلَ ثَوَابُ نَفَقَتِهِ، ﴿ صَفْوَانٍ ﴾: وَهُوَ الحَجَرُ الأَمْلَسُ، وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَالثَّانِي: جَمْعُ صِفَوَةٍ: ﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾ وَهُوَ المَطَرُ الشَّدِيدُ ﴿ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ﴾: وَهُوَ الأَمْلَسُ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الأَمْثَالِ وَأَحْسَنِهَا، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ قَلْبِ هَذَا المُنْفِقِ المُرَائِي ـ الَّذِي لَمْ يَصْدُرْ إِنْفَاقُهُ عَنْ إِيمَانٍ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ ـ بِالحَجَرِ لِشِدَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ وَعَدَمِ الانْتِفَاعِ بِهِ.

 

وَتَضَمَّنَ تَشْبِيهَ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْ أَثَرِ الصَّدَقَةِ بِالغُبَارِ الَّذِي عَلِقَ بِذَلِكَ الحَجَرِ، وَالوَابِلُ الَّذِي أَزَالَ ذَلِكَ التُّرَابَ عَنِ الحَجَرِ فَأَذْهَبَهُ بِالمَانِعِ الَّذِي أَبْطَلَ صَدَقَتَهُ وَأَزَالَهَا، كَمَا يُذْهِبُ الوَابِلُ التُّرَابَ الَّذِي عَلَى الحَجَرِ فَيَتْرُكُهُ صَلْدًا فَلَا يَقْدِرُ المُنْفِقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ثَوَابِهِ لِبُطْلَانِهِ وَزَوَالِهِ.

 

وَفِيهِ مَعْنَى آَخَرُ وَهُوَ أَنَّ المُنْفِقَ لِغَيْرِ الله فِي الظَّاهِرِ عَامِلٌ عَمَلًا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ الأَجْرُ، وَيَزكُو لَهُ كَمَا تَزْكُو الحَبَّةُ الَّتِي إِذَا بُذِرَتْ فِي التُّرَابِ الطَّيِّبِ أَنْبَتَتْ سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَلَكِنْ وَرَاءَ هَذَا الإِنْفَاقِ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ نُمُوِّهِ، وَزَكَائِهِ، كَمَا أَنَّ تَحْتَ التُّرَابِ حَجَرًا يَمْنَعُ مِنْ نَبَاتِ مَا يُبْذَرُ مِنَ الحَبِّ فِيهِ فَلَا يُنْبِتُ وَلَا يُخْرِجُ شَيْئًا.

 

[مَثَلُ الَّذِي يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى لَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا وَلَا يَمُنُّ وَلَا يُؤْذِي]:

ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265]، وَهَذَا الَّذِي مَصْدَرُ نَفَقَتِهِ عَلَى الإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ، فَإِنَّ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ الإِخْلَاصُ، وَالتَّثَبُّتُ مِنَ النَّفْسِ هُوَ الصِّدْقُ فِي البَذْلِ، فَإِنَّ المُنْفِقَ يَعْتَرِضُهُ عِنْدَ إِنْفَاقِهِ آَفَتَانِ، إِنْ نَجَا مِنْهُمَا كَانَ مَثَلُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الآَيَةِ:

إِحْدَاهُمَا: طَلَبُهُ بِنَفَقَتِهِ مَحْمَدَةً أَوْ ثَنَاءً أَوْ غَرَضًا مِنْ أَغْرَاضِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ المُنْفِقِينَ.

 

والآَفَةُ الثَّانِيَةُ: ضَعْفُ نَفْسِهِ وَتَقَاعُسُهَا وَتَرَدُّدُهَا: هَلْ يَفْعَلُ، أَمْ لَا؟ فَالآَفَةُ الأُولَى تَزُولُ بِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ الله، وَالآَفَةُ الثَّانِيَةُ تَزُولُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّ تَثْبِيتَ النَّفْسِ: تَشْجِيعُهَا وَتَقْوِيَتُهَا وَالإِقْدَامُ بِهَا عَلَى البَذْلِ، وَهَذَا هُوَ صِدْقُهَا. وَطَلَبُ مَرْضَاةِ الله إِرَادَةُ وَجْهِهِ وَحْدَهُ وَهَذَا إِخْلَاصُهَا.

 

فَإِذَا كَانَ مَصْدَرُ الإِنْفَاقِ عَنْ ذَلِكَ، كَانَ مَثَلُهُ كَجَنَّةٍ ـ وَهِيَ البُسْتَانُ الكَثِيرُ الأَشْجَارِ ـ فَهُوَ مُجْتَنٌّ بِهَا، أَيْ: مُسْتَتِرٌ لَيْسَ قَاعًا فَارِغًا. وَالجَنَّةُ بِرَبْوَةٍ ـ وَهُوَ المَكَانُ المُرْتَفِعُ ـ فَإِنَّهَا أَكْمَلُ مِنَ الجَنَّةِ الَّتِي بِالوِهَادِ والحَضِيضِ، لَأَنَّهَا إِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَتْ بِدَرَجَةِ الأُهْوِيَةِ وَالرِّيَاحِ، وَكَانَتْ ضَاحِيَةً لِلشَّمْسِ وَقْتَ طُلُوعِهَا وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا، فَكَانَتْ أَنْضَجَ ثَمَرًا وَأَطْيَبَهُ وَأَحْسَنَهُ وَأَكْثَرَهُ، فَإِنَّ الثِّمَارَ تَزْدَادُ طِيبًا وَزَكَاءً بِالرِّيَاحِ والشَّمْسِ، بِخِلَافِ الثِّمَارِ الَّتِي تَنْشَأُ فِي الظِّلَالِ.

 

وَإِذَا كَانَتِ الجَنَّةُ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهَا إِلَّا مِنْ قِلَّةِ المَاءِ وَالشَّرَابِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ﴾ وَهُوَ المَطَرُ الشَّدِيدُ العَظِيمُ القَدْرِ فَأَدَّتْ ثَمَرَتَهَا، وَأَعْطَتْ بَرَكَتَهَا فَأَخْرَجَتْ ثَمَرَتَهَا ضِعْفَي مَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا أَوْ ضِعْفَي مَا كَانَتْ تُثْمِرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الوَابِلِ، فَهَذَا حَالُ السَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ.

 

﴿ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265]، فَهُوَ دُونَ الوَابِلِ، فَهُوَ يِكْفِيهَا لِكَرَمِ مَنْبَتِهَا، وَطِيبِ مَغْرَسِهَا فَتَكْتَفِي فِي إِخْرَاجِ بَرَكَتِهَا بِالطَّلِّ، وَهَذَا حَالُ الأَبْرَارِ المُقَتَصِدِينَ فِي النَّفَقَةِ، وَهُوَ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله، فَأَصْحَابُ الوَابِلِ أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً، وَهُمُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَاَن ِبِهْم خَصَاصَةٌ، وَأَصْحَابُ الطَّلِّ مُقْتَصِدُوهُمْ.

 

فَمَثَّلَ حَالَ القِسْمَيْنَ وَأَعْمَالَهُمْ بِالجَنَّةِ عَلَى الرَّبْوَةِ وَنَفَقَتَهُمُ الكَثِيرَةَ بِالوَابِلِ والطَّلِّ. وَكَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ المَطَرَيْنِ يُوجِبُ زَكَاءَ أَوْ ثَمَرَ الجَنَّةِ وَنَحْوَهُ بِالأَضْعَافِ فَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُمْ ـ كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً ـ بَعْدَ أَنْ صَدَرَتْ عَنِ ابْتِغَاءِ مَرَضَاةِ الله وَالتَّثْبِيتِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَهِيَ زَاكِيَةٌ عِنْدَ الله نَامِيَةٌ مُضَاعَفَةٌ.

 

واخْتُلِفَ فِي الضِّعْفَينِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الضِّعْفَينِ هُمَا المِثْلَانِ فَقَطْ: الأَصْلُ وَمِثْلُهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265]؛ أَيْ: مِثْلَينِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [الأحزاب: 30]؛ أَيْ مِثْلَينِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَسَنَاتِ: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمُوهُ مِنَ اسْتِوَاءِ دَلَالَةِ الُمفْرَدِ وَالتَّثْنِيَةِ فَوَهْمٌ مَنْشَأُهُ ظَنُّ أَنَّ الضِّعْفَ هُوَ المِثْلُ مَعَ الأَصْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ المِثْلُ لَهُ اعْتِبَارَانِ: إِنِ اعْتُبِرَ وَحْدَهُ فَهُوَ ضِعْفٌ. وَإِنِ اعْتُبِرَ مَعَ نَظِيرِهِ فَهُمَا ضِعْفَانِ واللهُ أَعْلَمُ.

 

واخْتُلِفَ فِي رَافِعِ قَوْلِه: ﴿ فَطَلٌّ ﴾ فَقِيلَ: هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَطَلُّهُ يَكْفِيهَا، وَقِيلَ: خَبَرٌ مُبْتَدَأُهُ مَحْذُوفٌ، فَالَّذِي يَرْوِيهَا وَيُصِيبُهَا طَلٌّ، والضَّمِيرُ فِي ﴿ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا ﴾ إِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الجَنَّةِ أَوْ إِلَى الرَّبْوَةِ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ [34].

 

3- رَوَىَ سَعِيدٌ بْنُ زَيْدٍ بْنِ عَمْرٍو بِنِ نُفَيلٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الكَمَأَةُ مِنَ الَمنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ»[35].

 

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «الكَمَأَةُ مِنَ المَنِّ» يُقَالُ ـ واللهُ أَعْلَمُ ـ إِنَّهُ إِنَّمَا شَبَّهَهَا بِالمَنِّ الَّذِي كَانَ يَسقُطُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ عَفْوًا بِلَا عِلَاجٍ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانُوا يُصْبِحُونَ وَهُوَ بِأَفْنِيَتِهِم فَيَتَنَاوَلُونَهُ[36].

 

وَكَذَلِكَ (الكَمَأَةُ) لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهَا مَؤُنَةٌ فِي بَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُنْبِتُهُ اللهُ فِي الأَرْضِ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى مَنْ يَجْتَنِيهِ [37].


[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».

وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».

ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».

[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.

[7] السابق (5/ 106)، وزاد المسير لابن الجوزي (8/ 328).

[8] مفردات غريب القرآن (ص: 777).

[9] أخرجه البخاري (2856) ومسلم (30).

[10] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 258).

[11] صحيح: أخرجه البخاري (467) في الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[12] صحيح: أخرجه مسلم (106) في الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن والعطية وتنفيق السلعة بالحلف، من حديث أبي ذر ت.

[13] ضعيف: أخرجه الترمذي (1963) في البر والصلة، باب: ما جاء في البخيل، من حديث أبي بكر ت، وقال الألباني في ضعيف الجامع (6339): ضعيف.

[14] أي: لا يطلب ثوابه، أي عطاءه بغير مقابل عوض ما أعطاه.

[15] صحيح بمعناه: والحديث بلفظ قريب منه أخرجه البخاري (4330) في المغازي، باب: غزوة الطائف، ومسلم (1061) في الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، من حديث عبد الله بن زيد ت.

[16] كذا بالأصل ولعلها (المنة).

[17] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 261).

[18] طريق الهجرتين (ص: 50).

[19] النهج الأسمى (3/ 81-97).

[20] حسن: أخرجه الترمذي (3544)، وابن ماجه (3858)، وأحمد (11760)، وصححه الألباني.

[21] اشتقاق أسماء الله (ص: 164).

[22] شأن الدعاء (ص: 100)، وبنحوه قال البيهقي في الاعتقاد (ص: 67).

[23] الصحاح (6/ 2207).

[24] المنهاج (1/ 203) وذكره ضمن الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 65).

[25] رواهما البخاري في الصلاة (1/ 558)، وغيره، وأحمد (1/ 270) (3/ 478) (3/ 211-212) من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي المعلى ي بألفاظ متقاربة.

ولفظ حديث ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إنه ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر».

[26] رواه في الإيمان (1/ 102) من حديث أبي ذر ت. والتفسير المذكور جاء مرفوعًا فيه من قوله صلى الله عليه وسلم.

[27] اللسان (6/ 4279).

[28] النهاية (4/ 365).

[29] حديث صحيح: رواه أحمد (2/ 201-202)، والدرامي (2/ 112)، والنسائي (8/ 318)، وابن خزيمة في التوحيد (ص: 365-366)، وابن حبان (1382-1383 – زوائد)، والطحاوي في المشكل عن سالم بن أبي الجعد عن جابان عن عبد الله بن عمرو ب مرفوعًا به، وتمامه: «.. ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر، ولا ولد زنية».

وقد أعله ابن خزيمة بجهالة جابان، وبإسقاطه نبيط من هذا الإسناد، لكن هو مذكور في الإسناد عند النسائي، وللحديث شواهد يتقوى بها.

[30] الكتاب الأسنى (2/ ورقة 318ب – 319 ب).

[31] أخرجه بنحو البخاري في المغازي (8/ 47)، وفي التوحيد (13/ 325)، ومسلم في الزكاة (2/ 738-739) عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: «لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئًا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: «يَا مَعْشَرَ الأنصار، ألم أجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَداكم اللهُ بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفَكم اللهُ بي، وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟ كلَّما قال شيئًا قالوا: اللهُ ورسولُهُ أمنُّ. قال: ما يَمنعكُم أن تجيبوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كلَّما قال شيئًا قالوا: اللهُ ورسولُه أمنُّ. قال: لو شئتم قلتم: جِئتنا كذا وكذا. ألا ترضَونَ أن يذهبَ الناسُ بالشاةِ والبعيرِ، وتذهبونَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى رِحَالِكم؟ لولا الهجرةُ، لكنتُ امرأً منَ الأنصار، ولو سلكَ الناسُ واديًا وشِعبًا لَسلَكتُ واديَ الأنصارِ وشِعبهَا، الأنصارُ شِعار، والناسُ دِثار، إنكم سَتَلْقَوْنَ بعدي أثرة، فاصبروا حتى تَلَقَوني على الحَوْض».

قال الحافظ في الفتح (8/ 50): «وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبًا بالغًا، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة وهي أعظم من نعمة المال ؛ لأن الأموال تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها كما تقدم في أول الهجرة، فزال ذلك كله بالإسلام كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، وقال (ص:52): «وفيه: أن المنة لله ورسوله على ا لإطلاق».

[32] الكتاب الأسنى (2/ ورقة 319 ب – 320 ب) باختصار.

[33] طريق الهجرتين (365-370).

[34] طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 365-370) باختصار يسير.

[35] سبق تخريجه قريبًا.

[36] ما قال ﻷ ممتنًّا عليهم:﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57].

[37] غريب الحديث (2/ 173).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل21 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | آداب الحياة الزوجية كما صورها القرآن الكريم والسنة النبوية

Next Post

رييل ستوري | من مشكاة النبوة (1) “يا معاذ بن جبل” (خطبة)

Related Posts