dark

رييل ستوري | الخمر والميسر نظرة دينية اقتصادية

اعلانات

الخمر والْمَيْسِر… نظرة دينية اقتصادية

يقول عز وجل في محكم التنزيل: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].

 

والآية توضِّح أن هذين النشاطَينِ يحتويان إثمًا كبيرًا، ويقترن بهما ذنوب عظيمة؛ حيث إن الإثم هو الذنب والجُرم أو المخالفة، وهو كذلك من القول أو الفعل أو العمل ما يستحق العقوبةَ دنيويًّا أو أُخرويًّا.

 

والأمر يحتاج إلى تمعُّن أو تدبُّر، هل بالفعل يقترن بالخمر أنواعٌ من الآثام؟ يقول الرسول الأكرم والنبي الأعظم محمدٌ صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((لعن الله الخمرَ، وشاربها، وساقيَها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصِرَها، ومُعتصِرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها))، [هذا الحديث صحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم: (5091)]، والآخر رواه الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه ولفظه: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرَها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولةَ إليه، وساقيَها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتريَ لها، والمشتراة له)).

 

عشرة من أصناف الناس يُطرَدون من رحمة الله عز وجل بسبب هذه الكأس من الخمر، لماذا؟ قيل عنها: إنها الخبيثة؛ باعتبار الأخلاق الخبيثة المتعفنة التي تتواجد بشاربها، وقيل عنها: الْمُنْتِنَة؛ باعتبار طريقة صنعها؛ حيث يتم إنتان بعض الفاكهة أو الخضر، وتركها لتتفاعل لِمُدَدٍ طويلة قد تصل إلى سنوات قبل تصفيتها وتقديمها خمرًا، ومن ثَمَّ تناوُلها من شاربي الخمر، ويُطلق عليها كذلك الْمُهْلِكة؛ باعتبار ما تفعله بالجسم البشري من إهلاك وتدمير، وما تفعله بالمال والعيال من خراب وضياع، ويُقال عنها أيضًا: الْمُضيِّعة؛ باعتبار تضييعها لعقل الفرد أو عمره أو هيبته.

 

واقترنت الخمر في الواقع بالْمَيْسِر؛ لأن مَن يُبتلى بها عادة ما يتجه بالتبعية للعب الميسر أو القِمار؛ لأن من لجأ إلى الخمر هو في الأساس صاحبُ مال كثير، وبدلًا من اتجاهه لحمد الله وشكره على ما أنعم به عليه، إذا به يستغل نِعَمَ الله من مال وصحة وفراغ فيما يعود عليه بالويل والهلاك له ولمن يعولهم؛ تقول الآية الكريمة: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ولا شكَّ أن الاتجاه للخمر هو من باب الكفر بنِعَمِ الله عز وجل بدل الشكر له عز وجل.

 

وما دام مُعاقِر الخمر صاحبَ مال، فإنه – ومع فساد حياته – بسبب ذلك لا يتورع عن لعب الميسر، وهي مجالس يُعِدُّها رفقاء السوء لتمضية الوقت، وإنفاق المال الكثير الذي بين أيديهم؛ لذا لا تجد لاعبي الميسر إلا من أصحاب المصانع، أو المزارع الكبيرة، أو المتاجر الرابحة، أو من أصحاب الوظائف ذات الدخل شديد الارتفاع، والخمر والميسر يقود أحدهما إلى الآخر، ويشتد تعلق غير الأسوياء بهما، حتى يتحولوا إلى أشباح خاوية بلا قيمة ولا وزن، ولا هدف في الحياة.

 

وتتولى مؤسسات الصهيونية والماسونية العالمية الإشرافَ المباشر على كبرى شركات الخمور، وأندية القمار؛ لأن تلك المؤسسات تستهدف في الأساس استنزاف طاقات المجتمعات، واستلاب مواردهم وقدراتهم، فتظل لدول الاستعمار والاستحمار الغلبة والسيطرة على مقدَّرات البشر على الدوام، إلا ما رحم ربي عز وجل، وكم من بيوت خرِبت، ومجتمعات دُمِّرت، ودول تَضَعْضَعَت؛ بسبب سماحها للخمر أن يُشرَب، وللميسر أن يشيع بين الأفراد!

 

ويلجأ الفرد عادة للخمر – أعاذنا الله من شرها – في حالات الانهزام النفسي، والاضطراب الوجداني، والاغتراب الروحي، بالإضافة إلى توفر نعمة المال اللازم لتمويل هذا الإثم.

 

نعود إلى المدلولات المتعلقة بالآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219]، وقبلها جزئية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ [البقرة: 219]، بمعنى أنه حاك في صدور المؤمنين ما يفعله البعض من استباحتهم شربَ الخمر ولعب الميسر، ولم يكن قد نزل بشأنهما حُكْمٌ بعدُ؛ ولذا التجأ بعض الصحابة فيما يبدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستفتائه بهذا الخصوص، لِما رأَوه من أمور بسبب هذين الأمرين، مما لا يتفق مع روح الدين الجديد الذي أشرق في نفوسهم، فملأها بنورانية عظيمة، لا تسمح لظلمات المعاصي بالبقاء؛ ولذا أراد النور المتولِّد في نفوسهم أن يقضي قضاءً تامًّا على تلك الغياهب والظُّلَمِ المتعلقة بإتيان هذين الفعلين الشنيعين، اللذين كانا منتشرين في مجتمع الجاهلية.

 

ولذا اتجهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه ويستفتونه بخصوص هذه القضية؛ ومن ثَمَّ جاءه الوحي الرباني بالإجابة التي أوضحت بأن فيهما إثمًا كبيرًا؛ يعني من الذنوب والآثام الكبيرة، أو ما يُطلَق عليه اسم “الكبائر” في الفقه الإسلامي؛ إشارة إلى عِظَمِ الجُرم الذي يقترفه من يرتكب ذلك.

 

والإثم هنا متعدد ومتنوع، كما أشار الحديث الشريف الذي يتحدث عن أصناف الذين لعنهم الله – أي: طردهم من رحمته والعياذ به عز وجل من شر ذلك – بسبب الخمر؛ حيث إن مجرد بيعها فيه إثم، ومُوجِب للعن من الله عز وجل؛ لأن البائع يبيع إلى أفراد المجتمع سلعة تفتك بصحتهم، وتقضي على عقولهم وقدراتهم، وتُفني أموالهم وممتلكاتهم، وكذا فإن مجرد شراء الخمر هو إثم آخر مُوجِب للعن؛ لأن المشتري يضع ماله حيث يكون هلاكه، ويحرِم المجتمع بذلك من نفع هذا المال ونمائه بما يخدُم ويُطوِّر هذا المجتمع ذاته.

 

وبالضرورة فإن شرب الخمر إثم؛ لأنه يُورِث الشاربَ أخلاقياتٍ وعاداتٍ سيئة، تفتك به وبالكيان الاجتماعي كله من بعده؛ ولذا عبَّر المولى عز وجل عن هذه الحالات تعبيرًا بليغًا في قوله عز وجل: ﴿ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219]، وأوضح صلى الله عليه وسلم هذا الأمر كذلك في حديثه الذي بيَّن فيه لَعْنَ عشرة أصناف من الناس، في سياق عملية تداول الخمور وتناولها.

 

أما الميسر، فإن الفرد يضيِّع ماله ووقته فيه، ليس ذلك فحسب، وإنما قد يلجأ إلى السرقة والتدليس؛ من أجل تحصيل المال اللازم لاستمراره في لعب الميسر، ومن ثَمَّ يتحول هو وشركاؤه في هذا الإثم الكبير إلى قُوى مُعطَّلة عن الإنتاج والعمل لنافع الدولة والمجتمع، ناهيك عن قيام أفراد وجهات مشبوهة باستقطاب هذه الأموال لمصلحتها دون الصالح العام للمجتمع.

 

إذًا؛ فالتعبير القرآني في قوله تعالى: ﴿ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219] يوضح توضيحًا مجملًا لأصناف من الآثام تتصف بالضخامة والتعدد، ترتبط بهاتين الضلالتين؛ الخمر والميسر، ولكن التعبير القرآني التالي الوارد في الآية الكريمة كان عبارة: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 219]، فأي منافع ترتبط بتلك الأدران الاجتماعية المدمِّرة؟

 

بالطبع إن أي شيء من حولنا يحتوي على مَيزاتٍ وعيوب، أو بطريقة أخرى: إيجابيات وسلبيات، وتحديدنا لمقدار النفع لأي شيء من هذه الأشياء يعتمد على زيادة الإيجابيات عن السلبيات فيه أو العكس، فإذا كانت إيجابياته أكثر من سلبياته، كان نافعًا، وإذا كانت سلبياته أكثر من إيجابياته، كان ضارًّا، والشرع الكريم دائمًا مع ما ينفع الناس؛ ويتفق ذلك مع الآية الكريمة: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]، ولكن أي نفع للناس يرتبط بالخمر إنتاجًا أو تناولًا، أو بيعًا وشراءً؟ وأي مصلحة تتأتى من وراء أندية القمار التي تستنزف أموال وممتلكات السفهاء؟

 

يقول الحافظ الإمام النووي: كانت العرب تُطلق لفظة الكَرْمِ على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب؛ سمَّوها كرمًا لكونها مُتَّخذة منه، ولأنها تحمل على الكرم، إذًا فقد أطلق العرب اسم الكروم على أشجار العنب لسببين؛ الأول: أنه يُصنع منها الخمر الذي أسْمَوه كرمًا، والثاني: أن تلك الخمر المصنوعة من العنب تحمل على الكرم، كيف ذلك؟

 

كان شرب الخمر الخبيثة ولا يزال مؤدِّيًا بشاربها إلى الشعور بالعظمة، ومن ثَمَّ التفاخر والتباهي، وبهذا يسهل عليه منح المال، والتساهل مع المحتاجين أو الطالبين له، وتلك بلا شكٍّ إحدى منافع الخمر التي تعود على الفقراء والمساكين حين يتم التعامل معهم بما يشبه الكرم الحاتمي.

 

ومن ضمن منافع الخمر أنها في حد ذاتها تعتبر مشروعًا إنتاجيًّا، وبصرف النظر مؤقتًا عن مضارِّها الْمُهْلِكة للمجتمع، فإنها تُشكِّل على المستوى الفردي فرصة للعمل والكسب؛ حيث يمكن لأي فرد أن يصنع خمرًا من الفواكه والخضر، سواء أكانت طازجة في أوقات توفرها، ورخص سعرها، أو حتى المتعفنة والمتحللة منها في أوقات ندرتها وارتفاع سعرها، وبعد ذلك يقوم ببيع المنتج بثمن باهظ بعد تخميره وتصفيته، وإعداده للتناول من جانب المتعاطين للخمور، وصانع الخمر لا شكَّ أنه يحصل على منافع مادية كبيرة من جرَّاء تصنيعه للخمر المحرَّم.

 

ولكن في المقابل فإنه يربح مالًا حرامًا، ويسهم في تدمير مجتمعه وأُمَّته، ناهيك عن أنه بصفة شخصية يُدمِن الخمر، وربما أولاده وزوجته، أو إخوانه، فيعرِّض نفسه وبيته لأن تفتك بهم الخمر المدمِّرة للصحة والخُلُق والدين، وبفرض أنه استطاع الحفاظ على ذويه من معاقرة الخمر وإدمانها، فلكونه صانعًا وبائعًا لتلك الآفة يشجع الآخرين من أفراد المجتمع على تجرع تلك السموم الفتَّاكة، بما يودي بهم إلى الهاوية.

 

ولكن نحن في فقرتنا هذه نحاول أن نحصر منافع الخمر والميسر تمشِّيًا مع ما وردت الإشارة له بالآية الكريمة في جزئية: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 219]، فمن الواضح أن هذه المنافع هي من الناحية الاقتصادية المالية البحتة، بغض النظر عن النواحي التدميرية للخمر في الجانب الصحي والأخلاقي الديني.

 

فالخمر تشجع على الإنفاق إن لم يكن الإسراف والسَّفَهِ، بل إنها في حد ذاتها إسراف وسفه، وهي توفر موردًا ماليًّا إنتاجيًّا فرديًّا بسيطًا في تكوينه وتنفيذه، وشبه مضمون النتائج؛ لأنه يعتمد على مواد أولية خرِبة، أو القيام بإتلافها وتخريبها إن كانت صالحة وطازجة، هذا بالنسبة لرؤيتنا عن منافع الخمر، وقد يكون لها منافع أخرى غابت عن أذهاننا، ولكن مهما كان لها من منافع، فإن إثمها – أي مضارها – أكبر من نفعها بحكم أحكم الحاكمين عز وجل، ولا يغيب ذلك عن أعين الناظرين.

 

أما الميسر، فإن منافعه تنحصر أيضًا في منافع اقتصادية مالية فردية، وتتعلق تلك المنافع بإعداد النوادي أو الأماكن التي يرتادها أولئك المقامرون، الذين ينفقون أموالهم للدخول إلى تلك الأماكن، وكذا لشراء الأطعمة والمشروبات اللازمة لسهراتهم بتلك الأماكن الموبوءة.

 

ويُشكِّل هذا النشاط الفتَّاك مَعِينًا أو موردًا آخر للدخل، يذهب إلى جيوب مُلَّاك تلك الأماكن أو العاملين بها.

 

والإسلام بلا شك يحب ويشجع حالة الرواج الاقتصادي، والإنفاق في الأوجه المباحة شرعًا، وما يرتبط بذلك من توفير لفرص العمل، وحدوث الاستقرار والتطور الاقتصادي، لكن يتم ذلك في إطار العديد من الضوابط والمحاذير التي يجب مراعاتها للحفاظ على المصلحة الاجتماعية العامة والخاصة على السواء.

 

وكان من ضمن المنافع التي ارتبطت بالميسر، وكانت من الأمور الشائعة عند العرب قبل الإسلام، أن الرابح في لعب الميسر كان يعطي الفقراء والمساكين ببذخ مما يحصل عليه من المكاسب من جراء لعبه للميسر.

 

ولكن في المقابل كم من بيوت – بل دول كاملة ومجتمعات – خرِبت بسبب الخمر والميسر! وكم أضاعت تلك الآفَتَانِ من أموال وعقول، وطاقات وأوقات، لو استُغِلَّت استغلالًا صحيحًا، لقامت بها الأمم، وبُنيت بها الدول، ولاستقامت بها شعوب كثيرة!

 

والنص القرآني الكريم في قوله تعالى: ﴿ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، إنما يناقش البشر بالمنطق الملائم لإمكانات العقل البشري في الفهم والتعاطي مع المستجِدَّات والظروف المحيطة به، خصوصًا في ذلك المجتمع الذي كان حديثَ عهدٍ بالجاهلية، فأشار المولى عز وجل إلى ارتباط تلك الآفتين بالعديد من الآثام والأوزار، ثم أشار كذلك إلى ارتباط نفس الأمر بمنافع متعددة للناس، ثم عاد النصُّ الكريم مبينًا بصورة حاسمة أن آثام ذلك أكبر من النفع المتحقق في قوله عز وجل: ﴿ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، والإسلام بطبيعة الحال مع الشيء النافع للمجتمع، وضد ما يضر المجتمع أو الفرد.

 

ولأنه لا يوجد شيء نفعُه نفع محض، أو إثمه إثم محض، إلا ما شاء الله أن يكون، فإن الأمور بناءً على ذلك تُقاس وتُقدَّر بقدرها، فما كان نفعه أكبر من ضرره أو إثمه أُجيز، وما كان ضرره أو إثمه أكبر، لم يَجُز ولم يُبَح، وعلى الرغم من المنافع الاقتصادية المحضة التي يمكن أن تتحقق من وراء الخمر والميسر، فإن الإسلام حرمهما؛ لأن المنافع المرتبطة بهما تعود إلى أفراد أو فئات محددة دون باقي أفراد المجتمع، وكذا فإن الأوزار والآثام المرتبطة بهما تفوق بمراحل ما يتحقق من ورائهما من المنافع، وهما في الواقع مُعطِّلان للإنتاج الحقيقي، وليسا داعمَين له كما يتصور البعض من قصار النظر.

 

ومن هنا استقى الاقتصاد الإسلامي إحدى خصائصه وسماته المميزة؛ وهي أنه ليست كل المجالات مباحة للاستثمار فيها، وليست كل موارد الدخل مباحة، وليست كل الأنشطة الاقتصادية يتم تشجيعها؛ حيث يستقي ما يطلق عليه الاقتصاد الإسلامي مبادئه من أحد أفرع الفقه الإسلامي؛ وهو فقه المعاملات، الذي يقف مع ما يفيد الفرد والمجتمع، ويقف ضد ما يجلب لهما الضرر.

 

وعلى الرغم من أن أية سياسات أو أنظمة اقتصادية تعمل على توفير فرص العمل، وتشجيع الإنفاق والاستهلاك، والعمل والإنتاج، فإن الاقتصاد الإسلاميَّ قد وضع خطوطًا حمراء لا ينبغي تجاوزها فيما يخص ذلك.

 

ولا أعتقد ولا يعتقد أحد أن الشرائع السماوية السابقة على الإسلام قد شجعت على شرب الخمر أو لعب الميسر؛ وذلك لأن كل العقائد أو الشرائع السماوية نبعت من معين واحد، ولكن الفرق بينها هو أنها قد خضعت للتحريف والتبديل، بينما شريعة الإسلام الحنيف حُفِظت بحفظ المولى عز وجل لنبراسها ودستورها؛ وهو القرآن الكريم.

 

فالخمر والميسر آفتان، كان الإسلام حاسمًا في العمل على تخليص المجتمعات من شرورهما؛ ولذا تبنَّى الاقتصاد الإسلامي عملية توجيه الاستثمارات والتدفقات المالية إلى المجالات الأخرى المباحة شرعًا، البعيدة عن هذين المجالين، ويعتبر ذلك من السمات الرئيسية المميزة للاقتصاد الإسلامي؛ إذ إنه يرتبط بالشريعة الإسلامية بصورة مباشرة، ويستقي منها مبادئه وأنظمته بجلاء ووضوح، على العكس من الأنظمة الأخرى التي نأت بنفسها بعيدًا عن القيود الشرعية المستقاة من العقائد السماوية.

 

ولذا كان الاقتصاد الإسلامي المستمدة أُسُسُه من فقه المعاملات الشرعية من الأدوات التي تعمل على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية المتمثلة في الحفاظ على الدين والعقل، والنفس والعِرض والمال، فمبادئ الاقتصاد الإسلامي هي مبادئ شرعية دينية أخلاقية، واضحة نقية، تتفق مع النفع والمصلحة على المستويين العام والخاص، قابلة للفهم والاستيعاب والتطبيق، تبني ولا تهدم، تعمر ولا تخرب، وقد أتى الموقف الشرعي للخمر والميسر من كل هذه المنطلقات.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل11 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | وسطية أهل السنة في باب كرامات الأولياء

Next Post

رييل ستوري | إشاعة تخص عائلتي

Related Posts