dark

رييل ستوري | نظرات جديدة في قصة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم د. راغب السرجاني

رييل ستوري | نظرات جديدة في قصة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم – مقالات المشرف د. راغب- د. راغب السرجاني- المشرف

اعلانات

حادثة من أعجب حوادث التاريخ، وهي حادثة مكرَّرة في حياة الرسول ﷺ، ولم تُذْكَر لنا في حقِّ رسول غيره. وفيها عجائب أخرى لا تقل غرابة عن الحادثة نفسها
تلك هي حادثة شق صدر النبي ﷺ! حدثت هذه العملية العجيبة مرتين في الحقيقة، ومرة في المنام.

شقُّ الصدر في الطفولة:

روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ﷺ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ -يَعْنِي ظِئْرَهُ- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ”، قَالَ أَنَسٌ: «وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ».

تكرَّرت العملية في المنام قبل البعثة النبوية:

للبخاري عن أنس بن مالك، يَقُولُ: «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ  مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ[1] (وفي رواية: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ[2]،) حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ[3] مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ- ثُمَّ أَطْبَقَهُ (وفي رواية: فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ).

رواية شق الصدر الذي قبل الإسراء والمعراج:

وفي رواية للبخاري ومسلم عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذر يُحَدِّث أن رسول الله قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ r، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ..»[4].

تعليقات على قصص شقِّ الصدر:

أولًا: قصة الرؤيا المنامية تكاد تكون متطابقة مع قصة شق الصدر التي قبل الإسراء والمعراج، وكانت في الفترة التي يرى فيها الرسول الرؤيا فتأتي كفلق الصبح، فهكذا رأى الرؤيا التي ستتحقَّق بعد عشر سنوات في الإسراء والمعراج

ثانيًا: إذا قارنا بين الشقِّ الذي حدث في الطفولة والشقِّ الذي حدث في النبوة، سواء في فترة الرؤيا، أو قبل الإسراء والمعراج، نجد أن الفرق الرئيس كان في الإجراء الذي تمَّ بعد شقِّ الصدر: في الطفولة استخرجت الملائكة حظَّ الشيطان من قلب رسول الله ﷺ، فما صار ممكنًا للشيطان أن يتسلَّط عليه، فلا يدعوه إلى شرٍّ، ولا يأمره بالسجود لصنم، ولا يوقعه في كذب، ولا يدفعه إلى ظلم، فكانت حياته قبل النبوة خالية من آثام المجتمع الذي يعيش فيه.
في النبوة لم يكن هناك حديث عن هذه العلقة التي أخرجت من قلبه، ولكن كان الحديث عن ملئ القلب، والصدر، وعروق الحلق، بالإيمان والحكمة، وهذا يتطابق مع آيات القرآن الكريم؛ مثل قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]، وقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52].

ثالثًا: نحن لا نطَّلع على أسرار الكون إلا بما أذِن به الله تعالى. قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] (لاحظ أنها في سورة الإسراء)، والذي أطلعنا الله عليه في هذه القصة -إلى جوار أمور أخرى كثيرة- أن بعض الأمور المعنوية -ويمكن أن يكون كلها- مجسَّمة، فالإيمان والحكمة أمور يمكن أن توضع في قدح، ويتمُّ بها حشو القلب والصدر، وكذلك رأينا أن هناك علقة في القلب مادية تجعل هناك فرصة للشيطان للتغلُّب على الإنسان، وأن الإنسان بقربه من الله يمكن أن يقلِّل من فرص استغلال الشيطان لهذه العلقة، أو نقطة الضعف، بينما نُزِعَت هذه العلقة من قلب الرسول ﷺ فلا سبيل للشيطان عليه أصلًا. مثل هذا التجسيم للأمور المعنوية كثير في السُّنَّة، وقد رأيناه على سبيل المثال في مسألة السكينة، وفي مسألة الرحم، وغير ذلك.

رابعًا: شاء الله تعالى أن يُسَيِّر كونه بالأسباب، والملائكة خلق عظيم يقوم بدور كبير في هذا الشأن. يمكن أن تقول إن الله يستخدمهم في معظم الأمور، ولعل هذا هو السِّرُّ في كون الإيمان بالملائكة ركنًا من أركان الإيمان، فاستخراج حظَّ الشيطان من القلب يحتاج لعملية جراحية، يقوم بها جرَّاح هو جبريل، وله مساعدون، والغسل أولًا بماء زمزم، كما نقوم نحن بالتطهير قبل العمليات بالبيتادين مثلًا، والقلب يُستخرج، ويحشى، ثم يعاد إلى مكانه، ثم يخيط الصدر بخيوط جراحية يرى أثرها أنس بن مالك!
الحياة كلها على هذه الصورة، والملائكة تقوم بأعمال مادية كثيرة، لكننا لا نرى:
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] وفي البخاري قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: “إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ”.
وفي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ المَلاَئِكَةُ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».

خامسًا: أرى أن اطلاعنا على هذا الجانب من السيرة مقصود منه الاختبار والابتلاء لنا، وليس مجرد المعلومة، فإن حماية الرسول ﷺ من الشيطان، أو جعله مؤمنًا حكيمًا، كان يمكن أن يحدث دون أن يخبرنا الله بتفاصيله، ولكن التسليم لله بهذا الأمر دلالة على إيماننا به وبقدرته، وتصديقنا لرسوله ﷺ.
إن الأمر بالنسبة لنا أمر طبيعي وعادي تمامًا بالقياس إلى ما نؤمن به من أمور خاصة بقدرة الله تعالى:
حركة الوحي من السماء إلى الأرض
خلق الإنسان من العدم
خلق السماوات والأرض
البعث يوم القيامة

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: 44][5].

[1] اللبة: هي موضع القلادة من الصدر، ومنها تنحر الإبل. انظر: ابن حجر: فتح الباري 13/481.
[2] قال ابن حجر: شِعْرَته؛ أي: شعر العانة.
[3] التور: قدح، وقيل: هو مثل القدر يكون من صُفْر (نحاس) أو حجارة. انظر: فتح الباري 1/291.
[4] البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342).
[5] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا

تمت قراءة هذا المقال بالفعل132 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post
رييل ستوري | أقل المطلوب في صلة الأرحام- مقالات المشرف د. راغب- د. راغب السرجاني- المشرف

رييل ستوري | أقل المطلوب في صلة الأرحام د. راغب السرجاني

Next Post

تفسير العيون الزرقاء في الحلم رؤية عين لونها ازرق في المنام

Related Posts