dark

إضاءة علي أحداث الجزيرة أبا وإفادة نصرالدين الهادي المهدي مع عدلان عبدالعزيز .. بقلم: حامد بشري

0
(0)

أحداث الجزيرة أبا
مضي أكثر من نصف قرن علي أحداث الجزيرة أبا معقل طائفة الأنصار والتي يقع في الجزء الغربي منها غار الأمام المهدي مقام تعبده حينما نزل عليه الوحي وبدء في بث دعوته ورفع راية الجهاد كما ورد في السيرة . للجزيرة أبا مكانة خاصة عند طائفة الأنصار تعادل مدينة النجف عند الشيعة . وفي مارس 1970 وتحديداً في السابع والعشرين منه شهدت هذه البقعة الهادئة أحداث دامية راح ضحيتها مئات من الأنصار في مقدمتهم أمام هذه الطائفة السيد الهادي عبدالرحمن المهدي . لم تنتهي المأساة بواقعة أبا وأنما أعقبتها بعد يومين أحداث كان مسرحها جامع ودنوباوي حيث أستشهد علي أثرها عشرات من الأنصار ومجموعة من جنود وضباط القوات المسلحة .
ومن ما يسترعي الأنتباه لم تجد هذه الأحداث الأهتمام اللازم من المؤرخين وبصفة خاصة من هيئة شئون الأنصار أو من أهل البيت الجهة الأولي المناط بها السعي لتسجيل كل شاردة وواردة صاحبت هذه الأحداث الهامة اللهم الأ في الفيلم التوثيقي للجزيرة أبا – الأمام الهادي الذي أخرجه طارق المادح

بالأضافة الي التسجيل الذي ظهر أخيراً علي قناة اليوتيوب حيث قام الباحث المجتهد الأستاذ عدلان عبدالعزيز بتوثيق جزء من الإحداث التاريخية الهامة في لقائه مع السيد نصرالدين الهادي المهدي أحد الذين شاهدوا وعاصروا الأحداث كما شمل التوثيق المذكور أعلاه المحاولة التي جرت في الثاني من يوليو 1976 بقيادة الشهيد الضابط العميد محمد نور سعد.

الملفت للنظر ، أنه حتي قبل فترة وجيزة ضم المشهد السياسي كثيراً من المشاركين في هذه الأحداث حيثوا كانوا علي قيد الحياة الأ أن المؤسف لم تسعي أي جهة لاخذ أفاداتهم المهمة الي أن تسربت الفرصة من بين أيدينا . هذا الحدث الهام لم يجد التحقيق الكافي لا من قبل محققيين دوليين أو محلين مما لم يفضي الي أي مصالحات علي المستوي القومي أذا أستثنينا المصالحة الفوقية التي جرت علي المستوي الشخصي بين الصادق المهدي وجعفر نميري ببورتسودان في عام 1977 والتي لم تصحبها أي تعويضات وجبر للضرر يشمل أسر الضحايا من الأنصار ولم يتم فيها حصر للخسائر المادية والبشرية وغاب عن مفهوم المصالحة أستحقاقات السلام وتقديم أعتذار رسمي من قبل الدولة لمواطنيها أو من زعماء الطائفة الدينية لشهدائها حيث أكتفت بنصيبهم من الشهادة كما ورد في البيعة (طاعة ولي الأمر) . تم أستهداف وهجوم علي مواطني أبا بقوة من قبل 3 دول موقعة علي ميثاق طرابلس (حسب رواية السيد الصادق) مما يعد إنتهاكاً صريحاً للسيادة الوطنية ولحقوق المواطنة . كانت هذه المصالحة بمثابة أقتسام للسلطة نتج علي أثرها مشاركة الأخوان المسلمين في الحكم مع نميري إضافة الي التعويضات التي شملت دائرة المهدي . أما الأنكأ الي الآن لم يتم التعرف علي مواقع الجثث ولا المقابر الجماعية التي تم فيها دفن الضحايا . حكومة مايو صرحت بأن عدد الضحايا لا يتجاوز ال 370 من الطرفين بينما توجد وثيقة بطرف السيد نصرالدين توضح أن عدد القتلي فاق ال 924 ، وحتي هذا العدد المذكور لم يتم التدقيق حوله . في قائمة الشهداء التي بطرف السيد نصرالدين نجد أنها أحتوت علي أسماء بعض القبائل ولم تذكر أسماء الشهداء من الأفراد المنتمين لهذا القبائل لذا قد يكون عدد الشهداء يفوق التقدير المذكور، أضافة الي الجرحي . وفي عام 2006 تم رفع دعوي من أسر الشهداء والضحايا لمكتب الأمم المتحدة بالخرطوم تحوي المطالبة بالتحقيق في أحداث الجزيرة أبا وودنوباوي بحثاً عن الحقيقة الغائبة الأ أن هذه الدعوي لم يُعرف مصيرها بعد .
أحداث الجزيرة أبا فاق عدد ضحاياها مجزرة بيت الضيافة التي أعقبتها بعد حوالي ما يزيد قليلاً من العام وللمفارقة مازال الباحثون ينقبون عن مجزرة بيت الضيافة وعن أحداث يوليو 71 . كتبوا المذكرات عن هذه المجزرة وألفوا الكتب وأجروا المقابلات التلفزيونية وركبوا الطائرات الي أقاصي الدنيا في محاولاتهم الجادة لإستقصاء جانب الحقيقة فيما حدث في 19 يوليو و23 يوليو مع أن أحداث أبا لم تُحظي بهذا الأهتمام من المؤرخين والباحثين علي الرغم من أن عدد ضحاياها أضعاف شهداء يوليو من العسكريين والمدنيين . عليه تأتي المناشدة والدعوة للباحثين في التاريخ والتاريخ الأجتماعي التنقيب الجاد وكتابة تاريخ هذا الحدث قبل أن يطويه النسيان .
وبالرجوع الي أفادة السيد نصرالدين الامام الهادي عبدالرحمن المهدي كما ورد في المقابلة مع الزميل عدلان عن دوره في أحداث أبا مارس 1970 وحركة يوليو 1976 أتضح أن مطالب الأمام الهادي المهدي تلخصت في الآتي :
أزالة الواجهة الشيوعية من الحكم ، أطلاق سراح المعتقلين السياسين وأستعادة الحكم الديمقراطي .
وأذا تمعنا في هذه المطالب ، نجد أن أزالة الواجهة الشيوعية من الحكم لا تعني بالضرورة منع الشيوعيين من ممارسة العمل السياسي خاصة أذا تمت قرأتها مع أستعادة الحكم الديمقراطي الذي لا محالة يسمح بالنشاط السياسي لكل القوي السياسية إضافة الي أن هذه المطالب التي دفع بها الأمام السيد الهادي لم تتعارض مع رأي قوي اليسار التي عبر عنها السكرتير العام للحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب وجزء من عضوية اللجنة المركزية حينما عارضوا إنقلاب مايو ولم يتم تأييد من جانبهم للواجهة الشيوعية في مجلس وزراء حكومة مايو الشيئ الذي أدي في نهاية الأمر الي إنقسام في الحزب الشيوعي . وبالضرورة وقف ويقف الشيوعيون السودانيين مع مطلب أطلاق سراح المعتقلين السياسين وأستعادة الحكم الديمقراطي .
أما حديث السيد نصرالدين عن أرسال الشريف حسين الهندي لأسلحة من أثيوبيا حيث كانت كلها للدفاع الشخصي فحديث فيه بعض الثقوب. الأسلحة التي أستعملها الأنصار وصوبوها من الجزيرة أبا تجاه مدينة ربك هي عبارة عن أسلحة ثقيلة ويتضح للمشاهد الذي كان بربك أنها لم تكن عبارة عن رشاشات للحماية الشخصية ولم تكن من مقتنيات أسلحة القوات المسلحة التي تم أدخالها الي الجزيرة أبا وحتي أذا أسلمنا أنها من المقتنيات علي حسب ما ورد في شهادتي الدكتور عبدالسلام صالح عيسي والرائد (م) عبدالله الصافي فهنالك أكثر من سؤال يدور في الذهن حول هذه الرواية . فعلي سبيل المثال من هم أبناء الأنصار من منتسبي القوات المسلحة ذو التدريب العالي علي هذه المدفعية وكانوا وقت ذاك موجودين بالجزيرة أبا . وأذا كانت كل هذه الكوادر العسكرية موجودة بأبا لماذا لم تتم الأستعانة بها في تأمين خروج الأمام؟ أضافة الي السؤال الجوهري الذي يُطرح نفسه لمعالجات ماتم في الجزيرة أبا، ما هو سبب دخول محمد صالح عمر و محمد صادق الكاروري ومهدي أبراهيم وعبدالمطلب بابكر الي هذه البقعة الهادئة خاصة وأن محمد صالح عمر ذا تدريب عسكري عالي وحارب بفلسطين كما ذكر السيد نصرالدين . أعتقد أن هذه المجموعة تمثل جزءً من كتيبة مقاتلين ذو كفاءة عسكرية عالية تنتمي الي جبهة الميثاق الأسلامي التي تمخض عنها المؤتمر الوطني سيئ الصيت وحضروا لتدريب الأنصار عسكرياً والتأثير علي موقف الأمام الهادي في غياب أبن عمه الصادق وأقناعه بمحاربة نميري . كما أكد السيد الصادق المهدي في رسالة سرية للأمام من محبسه بشندي بعدم جاهزية الأنصار لمجابهة العدو(نميري) لذا لايجب أن يترك لنظام مايو أختيار زمان ومكان المعركة .
حان الوقت للأعتراف ببسالة وشجاعة هؤلاء النفر من الأنصار الذين لم يبخلوا بدمائهم الطاهرة في الدفاع عن عقيدتهم التي خاضوا بها هذه المعركة حتي أوشكت أن تعيد تاريخ ذكري كرري . وكتب الشريف حسين الهندي في هذا المقام عن هذه المعركة :
( كانت أحدي ملاحم الصمود والشجاعة التي قل أن يسجل التاريخ مثلها، إن معركة الجزيرة (أبا) الحربية وغزوها بكل أنواع الأسلحة الحديثة والدول التي تحالفت عليها ، وشهداءها الذين قابلوا الرصاص وصدورهم مفتوحة للموت والذين دفنوا أحياء وهم يحملون القرآن في قلوبهم وفي أيديهم وفي السنتهم ، ستظل ذكراهم خالدة في ذاكرتي وفي تاريخ الرجولة وأخلاق العروبة وليس لها مثيل)
أما مما قلل من الخسائر البشرية وخاصة أمام حَملة الأسلحة البدائية من حراب وسكاكين ، عدم وصول الرسالة التي كان مُكلف بتوصيلها السيد نصرالدين الي والده والتي تفيد بصدام وشيك تنوي الحامية العسكرية الدخول فيه مع الأنصار . وفي رواية نصرالدين(في الدقيقة 18:50 ) قوله (العساكر كانوا في الدبابات وخافوا وعملوا أنسحاب من ضرب الأنصار بالفرارير والسكاكين) هذه الرواية تحتاج الي منطق لكي يسندها . في رأيي أن الأنسحاب تم تفادياً للخسائر الكبيرة التي كانت ستحدث وسط قوات الأنصار وهذا المسلك يشبه سلوك القوات المسلحة في ذلك الوقت حيث كانت تلتزم بالصرامة وشرف المهنة وطاعة الأوامر بخلاف ما يحدث الآن . أما فيما يخص الأفادة بأن محمد صالح عمر ومهدي أبراهيم ومعاهم 50 من الأنصار هاجموا قوات الجيش بمدينة ربك تزامناً مع خروج الأمام من أبا فهذا حديث غير دقيق ومخالف لروايات أخري من شهود عيان علاوة علي أنه شرف للاخوان المسلمين لا يستحقونه . في ذلك التاريخ كنت بمدينة ربك وكنت شاهداً علي هذه الاحداث التي جرت في هذه المنطقة ولم أري آثاراً لهجوم يقوده محمد صالح عمر أو مهدي أبراهيم . يمكن الأستفسار من مهدي أبراهيم وعبدالمطلب بابكر عن الدور (البطولي) الذي قاما به في ذلك الوقت لكي يأمن خروج الأمام ؟
أحداث يوليو 1976
من رواية السيد نصرالدين يتضح أن التحضير لهذه الحركة كان فطيراً بدليل أن قائد الحركة الشهيد محمد نور سعد كان منزعجاً من الترتيبات الداخلية حتي أنه طلب من نصرالدين الخروج من السودان وتبليغ السيد الصادق والشريف الهندي بأن الترتيبات التي تم الأتفاق عليها لم تكن موجودة علي أرض الواقع وتنفيذ خطة أستلام السلطة نسبة نجاحها ضئيلة ولا تتعدي ال 30 في المائة ومن أمثلة ضعف تلك الترتيبات وليس حصرها لم يتوفر زي عسكري للمقاتلين ولا توجد أذاعة ولا وسائل أتصال مع فشل في تأمين المجموعات التي أوكل اليها تنفيذ هذه العملية الفدائية إضافة الي التنافس والصراع بين مكونات العملية العسكرية من حزب الأمة والأتحاديين والأخوان المسلمين . أما الشيئ الذي يقف الأنسان أمام مشدوهاً بالرغم من كل هذه الأسباب التي لمسها العميد محمد نور سعد قبل تنفيذ العملية لم يتردد عن القيام بها وأكمالها حتي الفشل . السؤال المحوري ، ما السبب الذي دفعه للقيام بكل هذه المخاطرة التي بالتأكيد فاشلة حتي قبل الشروع فيها ؟ من هو الذي أشار لمتخذي القرار السياسي بإختيار هذا القائد الفارس ؟ هل هو ولاء خالص لطائفة الأنصار أم أن هنالك مجموعة في صفوف القوات المسلحة تتبع للأحزاب الطائفية مثلها والأحزاب العقائديه أختارته للقيام بهذا الدور؟
السيد نصرالدين لم يلتزم بتوجيهات قائد العملية حينما طلب منه الذهاب للخارج وتبليغ السياسين الذين خططوا لهذه العملية بفشلها قبل أن تبدأ، حجته في ذلك أنه لن يغادر أرض المعركة لانه يريد أن يقتص لوالده الأمام المقتول رغم علمه بضآلة نجاح العملية العسكرية . منطق تسلسل الأحداث لا يسند هذه الحجة . يوم التحرك حوالي الساعة 5 صباحاً نصرالدين الذي أخذ عهداً علي نفسه بالثأر لوالده غلب عليه النعاس الي أن أيقظه العميد محمد نور ليخطره بأن المجموعات التي يفترض أن تصل لتنضم اليهم لم تصل بعد ولم تكن هذه هي المره الاولي التي يغفو فيها السيد نصرالدين في هذه المعركة المصيرية .
أكد نصرالدين أعدام 125 شاباً من المجموعة المشتركة في الحركة العسكرية بالقرب من جبل أولياء (مجموعة مقاتلي كباكابية وكتم) وعلي حسب تعبيره لم يسأل عنهم أي شخص الي الآن . من هو المسئول عن هذه الأعدامات ؟ ومن هو الذي أشرف عليها ؟ ومن أشترك في أصدار هذه الأحكام ؟ أسئلة كثيرة تحتاج الي أجابات .
لكي تكتمل صورة هذه الأحداث الهامة ، لابد من مواصلة هذا العمل الجاد بتوثيق شهادات من لا زالوا علي قيد الحياة وأشتركوا فعلياً في هذه العملية العسكرية ( عدد القوات التي أشتركت في هذه الحركة حوالي 900 ) التي كان احد أهدفها إستعادة الديمقراطية مع العلم إن إستعادة الديمقراطية لا تتم عن طريق البندقية ولا بالنشاط الفوقي وأنما بطول النفس والصبر وعدم القفز فوق المراحل والعمل الدوؤب وسط قوي الشباب والنساء وإستنهاض النقابات المهنية والعمالية كما أثبتت تجارب أكتوبر 1964 وأبريل 1985 وثورة ديسمبر الخالدة .
هذا ما توصلت اليه لجان المقاومة التي يجب علي الجميع دعمها والوقوف معها وعدم التفريط فيها .
حامد بشري
22 سبتمبر 2022

hamedbushra6@gmail.com

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

أهم الأحداث التاريخية التي وقعت في شهر رمضان

Next Post

أرملة سعيد صالح: أنا مورثتش حاجة وكان بيعيش اليوم بيومه

Related Posts