dark

رييل ستوري | هذا من فضل ربي د. راغب السرجاني

رييل ستوري | هذا من فضل ربي- مقالات المشرف د. راغب- د. راغب السرجاني- المشرف

اعلانات

هناك مشكلة عقائدية يقع فيها كثير من الناس دون تعمُّد صريح، ولو أسرف على نفسه فيها كادت هذه المشكلة أن تهلكه، ونعوذ بالله من هذا.

· عندما ينجح إنسان في عمل ما يقول: قد أحسن الله إليَّ في هذا النجاح لأنني لا أؤذي أحدًا، أو لأنني عبدته كثيرًا، أو لأنني بذلت جهدًا مضاعفًا، أو يقول: ربك رب قلوب، ويعلم أن قلبي طيبًا.
· وعندما يضيع من إنسان شيء ثم يجده يقول لقد عاد لأن مالي حلال، أو لأنني تعبت في تحصيل المال، أو لأني لم أتعدَّ على أحد في ماله أبدًا.

ما المشكلة في هذه الكلمات؟ وما الذي يربط بينها؟

كلها تعبر عن مشكلة فكرية، وعقائدية واحدة، وهي أن الفرد ينسب الخير لنفسه لا لله تعالى.. نعم الألفاظ لا تقول هذا صراحة، بل تصرح بأن الله هو الذي أعطى، ولكن المضمون مفهوم، فالله أعطاني لفضل مني، ومنحني لتفوقي في جانب العبادة، أو عمل الخير، أو بذل الجهد، أو لاحترازي عن الحرام.

هذه كلها معاني اجتهد رسول الله ﷺ في صرفها عن أذهاننا:

أولًا: الفاعل في كل خير هو الله، ولولاه ما تمَّ عمل صالح:

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لَا، وَلَا أَنَا؛ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا..».

بعض الناس قد يظن في هذا مبالغة، ولكن عليه أن يلتفت إلى أنه عندما يفعل الخير، فإنه قد فعله لتوفيق الله له، ولو لم يوفقه الله ما كان للعمل الصالح ان يُعْمَل أصلًا، فصار الفضل بذلك “كله” إلى الله، وهذا يفسِّر لنا آيات وأحاديث كثيرة:

1. يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 17] 2. ويقول: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 63 – 65] 3.{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] أَيْ مَا أَصَابَكَ مِنْ رَخَاءٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ فَبِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ جَدْبٍ وَشِدَّةٍ فَبِذَنْبٍ أَتَيْتَهُ عُوقِبْتَ عَلَيْهِ.

ثانيًا: ليس دليل عدم النجاح في أمر أن المرء بعيد عن الله تعالى:

ينسب المرء حين النجاح في مشروع، أو الشفاء من مرض، الأمرَ إلى كونه قريبًا من الله تعالى لعبادة ما، أو لصفاء قلب، ويعتبر أن الذي أُصيب قَصَّر في أمر ما، أو غَضِبَ اللهُ عليه لمعصية أو مخالفة، وينسى أن البلاء يقع بالمؤمنين أشدُّ من العصاة:

· روى الترمذي، وابن ماجة، وأحمد عَنْ سَعْدِ بن أبي وقاص، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

· مرضُ الرسول ﷺ كان أشدَّ من مرض الصحابة؛ فعند البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ».

· وعندما ضاع بيته ﷺ لم يقدر على إعادته؛ ففي البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ب، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ؟ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ (أثناء فتح مكة) فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ».

ثالثًا: الأخطر مما سبق أن تكون حياة المرء ناعمة هادئة وهو على معصية كبيرة:

البعض يقول إن فلانًا فاسق، وفاجر، وظالم، وقد يكون كافرًا، ولكن الله يعطيه، فهذا استدراج خطر من الله تعالى؛ فقد روى أحمد، والطبراني، والبيهقي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

ولكي يترسَّخ هذا المعتقد ضرب الله لنا في القرآن مثلين لرجلين غنيين من كبار الاقتصاديين، أحدهما كافر لم يفعل ما ينبغي عند النعمة، والآخر مؤمن فعل الذي عليه:

· فأما الكافر الذي نسب الفضل لنفسه لا لله تعالى فقارون. قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78].
· وأما المؤمن فعلى النقيض، فقد سلب الأمر من نفسه تمامًا، وجعله كله لله تعالى، وهو سليمان u. قال تعالى: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

ينبغي أن يكون هذا حالنا في كل الأمور، حتى في اليسير منها، وهذا الاعتقاد في ذاته يحقِّق لنا المغفرة، ويحفظ علينا النعمة:

روى أبو داود والحاكم عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين[1].

[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا

تمت قراءة هذا المقال بالفعل27 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post
رييل ستوري | الدابة التي تكلم الناس آخر الزمان- مقالات المشرف د. راغب- د. راغب السرجاني- المشرف

رييل ستوري | الدابة التي تكلم الناس آخر الزمان د. راغب السرجاني

Next Post
رييل ستوري | قطوف من الاسئلة والاجوبة

رييل ستوري | قطوف من الاسئلة والاجوبة

Related Posts