حديثنا اليوم عن أمر يخشاه كثير من الناس مع أن الله رغَّب فيه كثيرًا، وهي الصدقة.
1. لماذا على كثرة الدروس المشجِّعة على الصدقة لا يتحرَّك إليها كثير من الناس؟
2. هل لابد من دفع صدقات إذا كنت ملتزمًا بالزكاة؟
3. ما صدق المقولة: اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع؟
4. ما هو أقل المطلوب مني لكي أكون داخلًا في المنفقين في سبيل الله؟
5. كيف أدرِّب نفسي على النفقة على الآخرين؟
لماذا، على كثرة الدروس المشجِّعة على الصدقة، لا يتحرَّك إليها كثير من الناس؟
· السبب في ذلك -والله أعلم- أن الدعاة يعرضون أعظم الأمثلة فيها بصورة تجعل التطبيق غير عملي لمعظم المسلمين. أمثلة أبي بكر الذي أنفق ماله كله، وعمر الذي أنفق نصف ماله، وعثمان الذي تبرَّع بالقافلة كلها، وطلحة الذي أنفق 700 ألف درهم في ليلة!
· إذا أضفت إلى ذلك شُحَّ الإنسان بطبعه علمت أن تحفيزه صعب: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: 100].
هل لابد من دفع صدقات إذا كنت ملتزمًا بالزكاة؟
· ليس بالضرورة: روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ» قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا».
· لكن احذر أن يكون شيء من هذه الأمور غير كامل، فهنا لابد من عمل يجبر الكسر، كنوافل الصلاة، والصدقة، والصيام، وأيضًا للترقِّي في الجنة لو أردت.
لكني سمعت: اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع؟
· فيها شيء من الصواب: المقصود لو البيت “يحتاج” أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها فلا ننفق خارجه حتى نكفيه، وهذا يتفق مع ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ».
· لكن المبالغة في هذا تغلق باب الصدقة؛ لأن الأمر نسبي، والرفاهية لا نهاية لها، والإنسان يطمع في الادخار خوفًا من فقر المستقبل، وهذا مدخل شيطان. {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].
إذن لابد من كفاية البيت أولًا، ثم التفكير في الآخرين، وهذا يفتح لنا الباب للحديث عن:
أقل المطلوب في باب الصدقات لتكون من المنفقين في سبيل الله:
1. أبشرك: إنفاقك على أهل بيتك محسوب في باب الصدقة!
a. في البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال النبي : «.. وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ».
b. وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ».
2. فإذا أردت أن ترتقي فوق هذا فأشرِك غيرك فيما عندك دون إنفاق زائد:
a. روى مسلم عن جَابِرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ».
b. روى الترمذي والنسائي وأحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «.. وَإِنْ اشْتَرَيْتَ لَحْمًا أَوْ طَبَخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ مَرَقَتَهُ وَاغْرِفْ لِجَارِكَ مِنْهُ».
c. ابحث فيما عندك في البيت ستجد أمورًا كثيرة من الطعام وغيره يمكن أن تعطيها.
3. إذا أردت أن ترتقي فوق ذلك فعليك بالأقربين: الحاجز النفسي ضعيف لأنك تحبهم فطريًّا، فهذه أفضل وسيلة للتدرُّب على الصدقة:
a. في صحيح مسلم عن أنس في نصيحة النبي لأبي طلحة عند عزمه على إنفاق حديقته في سبيل الله: «.. وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»
b. وروى البخاري ومسلم أن ميمونة أم المؤمنين أعتقت جارية لها، فقال لها النبي «أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ».
c. وروى البخاري ومسلم أن رسول الله أقرَّ زينب امرأة ابن مسعود على الإنفاق على زوجها الفقير، وقال لها: «نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».
4. وإذا أردت أن ترتقي فوق ذلك، فأعط الأقربين من الجيران، والمعارف، شيئًا قليلًا ثابتًا؛ وذلك لما رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ».
5. وإذا أردت أن ترتقي فوق ذلك فالمجال مفتوح للزيادة
ما أريد أن أختم به هو أن البداية هي التي ستفتح لك الآفاق، وما تراه صعبًا سيسهل بعد العطاء الأول، وصدق الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 – 7][1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
تمت قراءة هذا المقال بالفعل29 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق
