dark

رييل ستوري | هل تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد؟- د. راغب السرجاني

رييل ستوري | هل تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد؟- مقالات المشرف د. راغب- د. راغب السرجاني- المشرف

اعلانات

من المحتمل أن يأتي العيد في يوم جمعة، فهل تسقط صلاة الجمعة عن الرجال الذين شهدوا صلاة العيد؟ وماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف؟

المسألة خلافية في المذاهب المختلفة:

ذهب المالكية والحنفية إلى عدم سقوط الجمعة بصلاة العيد، مستندين إلى عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة، ومنها الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وذهب الشافعية إلى ذلك أيضًا إلا أنهم رخَّصوا لأهل القرى البعيدة ألا يصلُّوا الجمعة إذا شهدوا العيد وذهب الحنابلة إلى أن صلاة العيد تسقط صلاة الجمعة، وإن كانت لا تسقط الظهر.

أصل هذا الخلاف إما عدم ورود أحاديث إسقاط الجمعة عمن صلَّى العيد إلى من قال بعدم إجزاء صلاة العيد عن صلاة الجمعة، أو تضعيفهما للأحاديث، أما رأي الشافعي فهو راجع إلى موقف لعثمان بن عفان وسنأتي لتحليله.

ولنراجع الأحاديث والآثار التي وردت في هذا الشأن:

عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُصَلِّ». رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في “المستدرك” وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في “المجموع”: إسناده جيد، وصححه من المعاصرين الألباني وشعيب الأرنؤوط.

وشاهده المذكور ما رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ». رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود، وابن ماجه، وابن الجارود، والبيهقي، وغيرهم. ورواه ابن ماجه أيضًا عن ابن عباس، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وعند ابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَأْتِهَا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَخَلَّفَ فَلْيَتَخَلَّفْ». ولفظ الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ فِطْرٍ، وَجُمْعَهٌ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِيدِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَأَجْرًا، وَإِنَّا مُجْمِعُونَ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِعَ مَعَنَا فَلْيُجْمِعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيَرْجِعْ».

وروى عبد الرزاق بسند صحيح عَنْ ذَكْوَانَ (أبي صالح، وهو من التابعين الثقات الأعلام) قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِطْرٌ وَجُمُعَةٌ -أَوْ أَضْحَى وَجُمُعَةٌ- قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ ذِكْرًا وَخَيْرًا، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَمِّعُ فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ».

وعند أبي داود عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «أَصَابَ السُّنَّةَ».
وفي صحيح ابن خزيمة زاد قول ابن الزبير: “رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا”. وورد عند عبد الرزاق الصنعاني مثل ذلك عن علي بن أبي طالب، فقَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمٍ، فَقَالَ عليٌّ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ». قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ.

وفي البخاري والموطأ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مولى ابن أزهر: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ».

هذا لأنه لم تكن تقام جمعة في العوالي، وهي تبعد 4 كيلو عن المسجد النبوي.

وفي هذا توضيح لرأي الشافعي بإسقاط الجمعة عن أهل القرى؛ أي أولئك الذين لا تقام عندهم جمعة.

بناء على ما سبق من أحاديث وآثار:

أولًا: الرخص فضل من الله تعالى على المسلمين، والسُّنَّة مخصِّصة لعام القرآن، ومقيِّدة لمطلقه، فلا مانع أن يأتي من السُّنَّة ما يخصِّص آية فرض الجمعة، فمصدر التشريع واحد، ولا ينبغي أن نضيق بالعقل واسعًا ورد عن طريق النقل، وعليه فلو توافق العيد مع جمعة جاز لمصلي العيد ألا يصلي الجمعة.

ثانيًا: الرسول صلى الله عليه وسلم خيَّر المسلمين الذين صلُّوا العيد في صلاة الجمعة، أما هو فقد صلَّاها، ويمكن اعتبار أن هذا هو الأفضل لأنه فعله صلى الله عليه وسلم، وهو مأجور مرتين كما هو واضح.

ثالثًا: يؤخذ في الاعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام، ولابد أن يصلي الجمعة حتى يصليها من أراد أن يصليها، أو من لم يشهد العيد، وعليه فلابد للمساجد أن توفِّر خطيبًا لإقامة صلاة الجمعة.

رابعًا: من ترخَّص في صلاة الجمعة فلا يسقط عنه صلاة الظهر، بل يصلِّيها أربعًا، وليس في الشريعة ما يسقط صلاة من صلوات اليوم، حيث لابد أن تكون خمسة.

خامسًا: كل هذا لا يلغي الاجتهاد الفقهي الذي توصَّل إليه الأحناف والمالكية والشافعية من كون صلاة العيد لا تجزئ من صلاة الجمعة، وبالتالي لا ينبغي لمن أخذ بهذا الرأي أن يلوم على الآخرين، بل اختلاف هذه الآراء من أمور التيسير في الشريعة، فلا داعي أن تقودنا إلى الشقاق، ولنعتبر الأمر مسألة خلافية[1].

[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا

تمت قراءة هذا المقال بالفعل259 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | هآرتس: اغتيال هنية يخدم نتنياهو لكنه لا يفيد الإسرائيليين

Next Post

قصص اسلامية رائعة

Related Posts

قصص اسلامية رائعة

تمت قراءة هذا المقال بالفعل295 مرة! ✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً. ياريت تشكرونا…
Read More