يُعتبر كتاب “الخطابة أصولها تاريخها في أزهر عصورها عند العرب” للشيخ محمد أبو زهرة مرجعًا شاملاً في علم الخطابة، حيث يقدم دراسة متعمقة حول أصول الخطابة وتاريخها عند العرب في أزهر عصورها. يركز الكتاب على العلاقة بين الخطابة وعلوم أخرى مثل المنطق وعلم النفس والاجتماع، ويستعرض تطور هذا الفن عبر العصور.

القسم الأول: أصول الخطابة

يتناول هذا القسم الجوانب النظرية لعلم الخطابة، متضمنًا:

تعريف الخطابة وأهدافها

يُعرف الإمام أبو زهرة الخطابة على أنها فن التأثير بالكلام، ويشير إلى أن الهدف الأساسي منها هو إقناع المستمعين وتوجيههم نحو تحقيق غايات محددة. يوضح أن الخطابة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي علم له أصول وقواعد يمكن تعلمها وتطبيقها بفعالية.

العلاقة بين الخطابة والعلوم الأخرى

يستعرض الكتاب علاقة الخطابة بالمنطق، موضحًا كيف يمكن للخطيب أن يستخدم المنطق لتقديم حجج قوية ومقنعة. كذلك، يربط الإمام أبو زهرة بين الخطابة وعلم النفس، حيث يُظهر أهمية فهم الخطيب لنفسيات جمهوره وكيفية التأثير عليهم. إضافة إلى ذلك، يُبرز الكتاب العلاقة بين الخطابة وعلم الاجتماع، مشيرًا إلى أن الخطابة تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على المجتمعات وتوجيهها.

مقومات الخطابة

يتناول الكتاب الصفات الشخصية التي يجب أن يتحلى بها الخطيب، ويُحدد مجموعة من الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر في الخطيب بالإضافة إلى ذلك، يُقدم الكتاب نصائح حول كيفية إعداد الخطبة بشكل فعّال، بدءًا من المقدمة، مرورًا بجسم الخطبة، وصولًا إلى الخاتمة.

فنون وآداب الخطابة

يناقش الكتاب الآداب الخطابية التي يجب أن يلتزم بها الخطيب، مثل صدق اللهجة والتودد للسامعين. كما يتطرق إلى فنون الخطابة المختلفة، مُبرزًا أنواعها مثل الخطابة السياسية، والعسكرية، والدينية، مع توضيح الأسلوب واللغة المناسبة لكل نوع.

التعبير الخطابي والأداء

يُخصص المؤلف جزءًا من الكتاب للحديث عن الفرق بين الأسلوب الكتابي والأسلوب الخطابي، وأهمية أن يكون الأسلوب مناسبًا للجمهور المستهدف. كما يتناول الكتاب الأداء الخطابي، موضحًا أهمية التهيئة والتحضير، وتدريب الخطيب على استخدام صوته وإشاراته بشكل فعّال.

صفات الخطيب في كتاب “الخطابة أصولها تاريخها في أزهر عصورها عند العرب”

هذه أهم صفات الخطيب التي ذكرت في الكتاب :

  • قوة الملاحظة: يجب على الخطيب أن يكون لديه قدرة فائقة على ملاحظة التفاصيل الدقيقة في بيئته ومجتمعه، مما يساعده في فهم جمهوره وتوجيه خطابه بشكل يلائم احتياجاتهم ومشاعرهم.
  • حضور البديهة: ينبغي أن يكون الخطيب قادرًا على التفكير بسرعة والاستجابة الفورية لأي مواقف غير متوقعة قد تطرأ أثناء الخطبة، مما يعزز ثقته بنفسه ويُكسبه احترام جمهوره.
  • طلاقة اللسان: من الضروري أن يتمتع الخطيب بقدرة عالية على التعبير عن أفكاره بوضوح وسلاسة، مما يسهم في نقل رسالته بشكل فعال وسهل الفهم.
  • رباطة الجأش: يجب أن يكون الخطيب هادئًا وواثقًا في مواجهة الجمهور، حتى في الظروف الصعبة أو المثيرة للجدل، مما يُظهر تماسكه وقوته الشخصية.
  • سعة الاطلاع: يُعتبر الاطلاع الواسع والمعرفة العميقة من أبرز الصفات التي يجب أن يتحلى بها الخطيب، حيث يُمكّنه ذلك من تقديم خطب مدعمة بالحقائق والمعلومات الدقيقة، مما يزيد من مصداقيته وتأثيره.
  • التجمل في الشارة والملابس: يُشير الكتاب إلى أهمية المظهر الخارجي للخطيب، حيث يُفضل أن يكون مُهندمًا وأنيقًا، لأن ذلك يترك انطباعًا إيجابيًا لدى الجمهور ويزيد من احترامهم له.
  • الصدق والأمانة: يجب أن يتحلى الخطيب بالصدق في كلماته وأفعاله، وأن يكون أمينًا في نقل المعلومات، مما يُكسبه ثقة الجمهور ويعزز مصداقية خطابه.
  • القدرة على مراعاة مقتضى الحال: من المهم أن يكون الخطيب قادرًا على تعديل خطابه وفقًا للظروف المحيطة والمستجدات، بحيث يكون خطابه مناسبًا للحالة والموقف الذي يتحدث فيه.

هذه الصفات مجتمعة تساعد الخطيب على التأثير في جمهوره وإيصال رسالته بطريقة فعّالة، مما يجعله أكثر قدرة على تحقيق الأهداف التي يسعى إليها من خلال خطابه.

القسم الثاني: تاريخ الخطابة العربية في عصور ازدهارها

يركز هذا القسم على التطور التاريخي للخطابة العربية، حيث يتناول:

الخطابة في العصر الجاهلي

يُقدم الكتاب لمحة عن المجتمع الجاهلي، ويوضح كيف كانت الخطابة أداة رئيسية في المجتمع العربي قبل الإسلام. يناقش موضوعات الخطابة في ذلك العصر مثل إثارة الحماسة، والدعوة إلى الفضيلة، والوحدة العربية. كما يتناول أساليب الخطابة وألفاظها، مُبرزًا بعض النماذج من خطب الجاهليين.

الخطابة في صدر الإسلام

يركز هذا الجزء على التغيرات التي طرأت على الخطابة بعد ظهور الإسلام. يُظهر الكتاب كيف استُخدمت الخطابة في نشر الدعوة الإسلامية، وتوضيح الأحكام الشرعية، وحث المسلمين على الجهاد والوحدة. يتناول الكتاب أيضًا تأثير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في تطوير أساليب الخطابة الإسلامية، مُشيرًا إلى خطب النبي محمد كأمثلة رائدة.

الخطابة في العصر الأموي

يُناقش  أبو زهرة في هذا الجزء الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في العصر الأموي، ويُظهر كيف أثرت الفتن السياسية والفتوحات الإسلامية على موضوعات الخطابة. يستعرض الكتاب أيضًا عوامل رقي الخطابة في هذا العصر وعوامل ضعفها، مُقدماً نماذج من خطب الخلفاء الأمويين مثل معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان.

الخطابة في المائة الأولى من العصر العباسي

يتناول الكتاب الخطابة في بداية العصر العباسي، مع التركيز على الدعوة العباسية والفتن السياسية التي أثرت في هذا الفن. يوضح الإمام أبو زهرة أسباب قوة الخطابة في هذا العصر مثل تطور الفكر والثقافة الإسلامية، وأسباب ضعفها لاحقًا. كما يعرض نماذج من خطب الخلفاء العباسيين مثل أبي جعفر المنصور والمأمون.

خاتمة

كتاب “الخطابة: أصولها تاريخها في أزهر عصورها عند العرب” للشيخ محمد أبو زهرة هو دليل شامل لكل من يسعى لفهم علم الخطابة وتاريخه العريق عند العرب. يُقدّم الكتاب تحليلًا دقيقًا لمقومات الخطابة الناجحة ويستعرض تطورها التاريخي، مما يجعله مرجعًا لا غنى عنه لكل خطيب وباحث في هذا المجال.