dark

أحداث العالم

0
(0)

عمرو الشوبكي

عمرو الشوبكي

أحداث العالم التى نراها حولنا شرقًا وغربًا لا تنتهى، وتفاعلنا معها يحكمه خطأ متكرر هو إسقاط واقعنا ومواقفنا المسبقة عليها رغم أنها نتاج سياقها السياسى والثقافى والاجتماعى الخاص، والمطلوب ليس حبها أو كرهها، وقبولها أو رفضها إنما فهمها وفق منطقها الخاص قبل الحكم عليها.

وربما يكون رد فعل كثير منا على ما جرى فى بريطانيا عقب وفاة ملكتها إليزابيث الثانية دليلًا على نمط غير صحى فى التعامل مع خبرات حضارية وسياسية مغايرة لنا. فقد فتحت مشاهد جنازة الملكة وتنصيب ملك جديد بكل ما حملته من قواعد وتقاليد عريقة الباب أمام نقاش موازٍ لا علاقة له بما يجرى هناك، فتم استدعاء التاريخ الاستعمارى لبريطانيا وكيف أن جنودها غزوا مصر فى ٥٦ وكيف أن الصولجان الملكى والتاج المرصع بالماس هو خيرات دول إفريقية استعمرتها واستغلتها المملكة المتحدة، وقد يكون بعض أو كل ذلك صحيحًا لكن تقديمه فقط يضيع علينا فرصة فهم «الآخر» وفهم نماذج سياسية مختلفة وناجحة.

 

 

اللافت أن الملكية البريطانية راسخة ويلتف حولها الشعب وهى ملكية بالتراضى وليست بالإجبار، كما أنها حافظت على تقاليد عريقة غير متكررة فى معظم دول العالم، فمثلًا قلعة وندسور التى دفنت فيها الملكة ذهب إليها على مدار ألف عام ٤٠ ملكًا سابقًا وهو أمر نادر الحدوث عالميًّا ويعكس عراقة وتمسكًا لافتين بالتقاليد، أو كما قال أحد أساتذة القانون الدستورى المرموقين فى بريطانيا «إن الملكية ليست دولة ومؤسسات حكم فقط إنما هى أيضًا مجتمع»، وإن التفاف أغلب الشعب حولها يعكس أهمية الشرعية للنظم السياسية القائمة بصرف النظر عن طبيعتها ملكية أو جمهورية.

 

 

فمشهد الجنازة الملكية لم يعكس فقط عراقة تاريخية وثقافية، إنما عكس أيضًا قبولًا وحضورًا شعبيًّا وجماهيريًّا بحيث أصبح من الصعب مشاهدتها فى أوروبا بعد أن انتقلت من عصر الزعماء التاريخيين (ديجول وتشرشل وغيرهما) إلى عصر الرؤساء «المنجزين».

 

 

إن طوابير المعزين التى انتظرت لساعات طويلة ومشاهد مئات الآلاف من الشعب وهم يحيطون بحب بالنعش الملكى تقول إن انقسام المجتمع حول توجهات السياسة والأحزاب يتراجع ويتوحد حول الملكة الرمز والموحدة للأمة.

 

 

لا يجب الخوف من الإعجاب بأى جوانب مضيئة فى النماذج الأخرى؛ لأن هذا دليل صحة وثقة بالنفس، كما أن كثيرًا من الأحداث الدولية نعجز عن فهم تفاعلاتها الداخلية لأننا نقرؤها بعين أخرى تخصنا، صحيح أن هذا لا يمنع نقدها أو رفضها إنما لكى يكون موقفنا الرسمى والشعبى مؤثرًا يجب أن نفهم منطقها الداخلى.

 

 

أقول هذا وأعتبر نفسى جمهوريًّا تمامًا، وإن نقطة التقدم فى بلادنا ستكون بإصلاح نظامنا الجمهورى وبناء جمهورية دولة القانون وليس العودة للنظام الملكى أو اعتبار الملكية البريطانية حلمًا يمكن تطبيقه فى مصر.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

أرملة سعيد صالح: أنا مورثتش حاجة وكان بيعيش اليوم بيومه

Next Post

أحداث ملعب إندونيسيا الثانية بعدد الضحايا.. أسوأ 5 كوارث في عالم كرة القدم

Related Posts