dark

رييل ستوري | طبق عن طبق

رييل ستوري | طبق عن طبق

اعلانات

طبق عن طبق


أنتِ! نَعَمْ أنتِ، أم أنكِ لا تهوين الكلام إلا حين تمتلئين بالوسوسات، أعرف أنكِ تمتلكين ناصية الأمر في غالب الأحيان، ما بكِ تلتفتين يَمْنةً ويَسْرةً بحثًا عن مخاطِبِكِ؟! أصغي إليَّ فأنا أُحدِّثُك من داخلك، أمر لم يحدث من قبل في تاريخ الخليقة، فكل الناس إذا حَدَّثوا نفوسهم حدَّثوها من خارجها فيمتلئ الأثير بأصداء الحديث دون جدوى، أي نفسي، هل تسمعين طرقات كفي وهي تقرع شغافك النائمة؟ فأنا لم أشأ إيقاظك من قبل حتى أقرأ ما كُتِب في دفاترك القديمة والجديدة، وقد وجدْت بيتك ثلاث طبقات ركبت فيها طبقًا عن طبق.

 

فقرأت في دفاتر الطبق الأول مساوئ الأخلاق وأصناف الشرور، دفاتر مملوءة تزدحم بها السطور، فيها الضغائن والأحقاد والنميمة والحسد والغيبة والغش والتزوير والانتحال والكذب والنفاق، فتركت هذا الدفتر وأنا في غاية الاضطراب، فأرسلت الطرف إلى زاوية فرأيت دفترًا كبيرًا تصفَّحت أوراقه فإذا هي ملأى بسفك الدماء وقتل الأبرياء وأخذ الرشوة والتعامل بالربا؛ فرميت به وأخذت آخر عَلِّي أجد فيه بصيص أمل فإذا به رموز وطلاسم لم أفهم منها سوى أنها منطوق السحر والشعوذة؛ فاستعذت بالله منها، فرميت بها في زاوية، فعلمت أني كنت في طبق النفس الأمَّارة بالسوء؛ فتذكرت قول الله عز وجل: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف: 53].

 

فصعدت إلى الطبق الثاني وصور السطور في دفاتر الطبق السالف تُلاحِقُني كالظلِّ، فحاولت صرفها عني وأنا أتصفَّح دفترًا وُضِع على طاولة هناك، فقرأت في سطوره عتابًا ولَوْمًا شديدًا وتأنيب الضمير على سوء الفعل، وأحسست من ثنايا السطور حسرة النفس وتأسُّفها على مذمَّة أتَتْ بها حين غفلة، وإصرارها على تجاوز الخطيئة وإصلاح النفس وتهذيب شجرتها عسى أن تثمر يانعًا فيما سيأتي من الأيام؛ ففرحت لذلك فرحًا كبيرًا حين أدركت أنني كنت في طبق النفس اللوَّامة، فأذكرتني قول الله تعالى: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة: 2].

 

وبعدها حثثت الخطو إلى الطبق الثالث فرأيت غرفةً واسِعةً تشعُّ نورًا، يفوح منها مسك ذكي وعلى مكتب أخضر كأنه الإستبرق طُرِّز بخيوط من ذهب تلتمع كأنها الشمس في كبد السماء، فتحته فطاوعتني دَفَّتاه، فرأيت أعجب ما رأيت؛ كلماتٍ كُتِبت بخطٍّ عربي جميل: التقوى، الإيمان، صلاح الاعتقاد، العمل الصالح، الصدق، الإنفاق، الإخلاص، عابد زاهد، يُؤثِر على نفسه ولو كان به خصاصة، الوفاء، حب الخير للناس، صفاء سريرة، نقاء قلب، فأدركت أنها النفس المطمئنة أعلى المراتب وأزكى المنازل، إليها مطلب الجاد والحريص، وإليها مسعى العارفين بالله من أهل القرآن والذكر، وهم قلائل في الدنيا لم تفتنهم مغرياتها، ولم يجذبهم بريقُها؛ فتركوها وسعوا إلى الله سعيًا، فكان الشكر حليفهم، فذكرت قول الله تعالى: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر: 27 – 30].



تمت قراءة هذا المقال بالفعل70 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | من الأخطاء في الوضوء (2)

Next Post

رييل ستوري | خطورة انتشار الخمور والمسكرات (خطبة)

Related Posts