4
(11)
غادَرتُ ذلك منزل وفي رأسي أسئلة كثيرة وشعور كبير بالإنزعاج. لماذا كذبَت نجاة عليّ؟ لماذا قالَت إنّ أهلها في الخارج وإنّها عادَت للتوّ؟ لماذا اختلقَت قصّة العريس الأجنبيّ وأنّها تعيش في شقّة لوحدها؟
عندها فعلتُ ما كلّ زوجة عاقلة عليها فعله، وهو إخبار توفيق بالذي علِمتُه. فأنا أؤمِن بشدّة أنّ الأسرار أو حتى الأشياء الذي لا تُقال عمدًا أو سهوًا تولّد المشاكل. لِذا تعوّدتُ أن أشاركَ زوجي بكلّ الأمور وطلبتُ منه فعل الشيء نفسه معي.
وبعدما انتهَيتُ مِن سرد اكتشافاتي، قال لي توفيق:
ـ هذه المرأة مُحاطة بالكثير مِن الغموض، ولقد كذِبَت بشأن أمور ليست مهمّة، ممّا يعني أنّ عليكِ الإحتراس منها بل الإبتعاد عنها. أعلمُ أنّها تعني الكثير لكِ، لكنّها ستسبّب حتمًا المشاكل لكِ…. ولنا.
عندما قال جملته الأخيرة، تذكّرتُ على الفور الصديقَتين اللتَين طلقّتا فجأة، وقال لي صوت في داخلي إنّ لنجاة دخلاً بالموضوع. كان مجرّد إحساس، لكن ما مِن ضرر في التأكّد منه. فخابَرتُ الأولى لأسألها إن كانت نجاة قد اتّصلَت بها في تلك الفترة أو لا زَمتها، فجاء الجواب بوضوح تام: “أجل، لا بل هي التي كشفَت خيانة زوجي لي، وأشكرُها على ذلك!”. الصديقة الثانية أكّدَت بدورها مدى تأثير نجاة على قرارها، وتثبَّتَت شكوكي. لَم يبقَ لي سوى مواجهة الغدَّارة. إتصلتُ بنجاة ودعوتُها إلى الغداء، فلبَّت الدعوى بسرور. وبعدما انتهينا مِن الأكل قلتُ لها:
ـ لقد زرتُ والدتكِ التي لم تغادر يومًا إلى أوروبا، وعلِمتُ منها أنّكِ لستِ مخطوبة وأنّكِ عدتِ إلى البلد منذ فترة طويلة.
ـ أجل… أعذريني على هذه الأكاذيب… تعلمين كيف هي حياتي وحالتي النفسيّة… تمنَّيتُ أن يحصل لي ذلك وعلى ما يبدو أصبحتُ أؤمِن بأنّها حقيقيّة.
ـ لماذا لَم تتّصلي بي فور عودتكِ، أي منذ سنوات؟
ـ كنتُ مُنشغلة بعض الشيء.
ـ بهدم زيجات صديقاتكِ؟
ـ ما هذا الكلام؟ وما دخلي أنا؟
ـ دخلكِ أنّكِ فعلتِ جهدكِ لتصبح صديقَتاكِ مثلكِ بدلاً مِن أن تحاولي الإصلاح بينهما وزوجيهما. ولن أستغرب أبدًا إن كانت رواية الخيانة أيضًا مِن نسج خيالكِ.
ـ الخيانة موجودة، وأنصحكِ بمراقبة زوجكِ عن كثب… فلقد رأيتُه يومًا…
ـ إخرسي! لن أدعكِ تبثّين سمّكِ في أذنيَّ! زواجي شأني أنا وحدي. توفيق يعمل بشقاء ليؤمّن لي ولولدنا حياة كريمة، ولن أسمح لأيّ كان بتشويه سمعته.
ـ وهل أنتِ متأكّدة مِن أنّه يبقى في عمله طوال الوقت؟
ـ قلتُ لكِ أن تخرسي أيتُها الشرّيرة! لن أبرّر لكِ شيئًا ولستُ مدينة لكِ بأيّ تفسير. ستغادرين منزلي على الفور، ولن تعودي إليه وإلا كسرتُ رجليكِ. وإن علِمتُ أنّكِ تنوين تدمير زواجي بأية طريقة، سأدمّركِ بنفسي! هيّا.
أوّل شيء فعلتُه بعد مغادرة تلك الأفعى، كان الإتصال بزوجي لأخبرُه بالذي حصل، ومِن ثمّ بصديقتيّ لأعطيهما موعدًا سريعاً للتحدّث بظروف طلاقهما. هناك علِمتُ منهما أنّهما لم تحصلا على أدلّة قاطعة على حدوث خيانة، بل فقط إيحاءات مِن نجاة وتفسيرات لا ركيزة لها. وعندما أخبرتُهما عن الذي كانت تفعلُه نجاة، سادَ صمت طويل. عندها قلتُ لهما:
– مِن السّهل خلق شكوك في ذهن الناس، فالإنسان بطبعه يخاف مِن فقدان أغلى ما لدَيه، لِذا يجب علينا التأكّد بنفسنا وعدم الإستماع إلى الأقاويل. إنّ الشرّ موجود حولنا وقد يأخذ حتى شكل صديقة أو قريبة. فبعد أن نجحَت خطّة نجاة معكما، حان دوري. فهي فتّشَت عن عنواني وصارَت تلحق زوجي أينما ذهب، فلقد قال لي توفيق منذ قليل إنّه كان قد لاحَظَ سيّارة تتعقّبُه في المساء، لكنّه لَم يعر الأمر أهميّة إلى أن أطلعتُه على حقيقة نجاة. مَن يدري ما كانت ستفعل بزواجي؟ يا إلهي، أشعرُ وكأنّني في فيلم أميركيّ! هيّا، إذهبا إلى زوجَيكما وأصلحا الأمور معهما.
وُلِدَ إبني وأسمَيتُه صالح لأنّني أريدُه أن يكون أفضل الرجال. صحيح أنّ نجاة كانت قد اختلقَت روايات عديدة، إلا أنّ الكثير مِن الرّجال يُسيئون فعلاً معاملة زوجاتهم حتى ارتكاب الخيانة، الأمر الذي لا يُمكن أن أقبل أن يفعلُه إبني، بل أريدُه مثل أبيه: أفضل رجل في العالم!
حاورتها بولا جهشان
ما مدى فائدة هذا المنشور؟
انقر على نجمة لتقييمه!
متوسط تقييم 4 / 5. عدد الأصوات: 11
لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

By admin
عن الموقع ورسالتنا القصة والرواية هي فن من الفنون الإنسانية الرائعة التي تروي القصص الخيالية والواقعية من أجل العبرة والعظة والتعلّم منها دائماً، فهيا بنا سوياً لهذه الرحلة الرائعة في بحر الأدب العربى والتعرف أكثر على الروايات الشهيرة التي اخترناها.
سواء كنا نحب أن نقرأها أو نسمعها ..أو نشاهدها، فنحن نحب القصص. منذ فجر التاريخ عندما كان البشر يتجمعون حول النيران، إلى عصر النتفلكس، نحن نحب القصص.. قد يبدو الأمر مجرد تسلية وتزجية للوقت، لكن أي شيء منتشر إنسانيا لهذه الدرجة، وعبر التاريخ، لا بد أن يرتبط بشيء أكثر جوهرية من مجرد التسلية
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه الروايه لحضراتكم
Pingback: