وقت القراءة المقدر: 42 دقيقة (دقائق)
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء التاسع عشر )
( 19 )
_ ملكية خاصة ! _
إحتبست أنفاسها لبرهة ، قبل أن تتهالك فوق الأرض متشحة بالصدمة عندما رأت “عمر” .. و لكن هذه المرة من دون وجهه الوسيم ، كان متواريا خلف قناع صلد وحشي الملامح و بنيته الضخمة تنضح عنفا … إسندت ظهرها إلي الجدار و هي تضم ساقيها لصدرها و أخذت ترجف بخوف
بينما نزح “زياد” قطرات الدماء السائلة من أنفه بظاهر يده ، كان متكوما بعيدا عن “ساره” و قد إختفت عصاه التي يصعب عليه السير هذه الفترة بلاها …
لم يهتم بالبحث عنها في هذه اللحظات إطلاقا ، بل تطلع إلي “عمر” مسلطا أنظاره الدموية نحوه و هو يهدر بغضب شديد :
-هي حصلت يابن إيلين ؟ بتمد إيدك عليا أنا ؟ طب و رحمة أمك لـ آآ اااااااااااااه !+
بتر عبارته المتوعدة بصرخة آلم عالية حين عاجله “عمر” بتسديد ركلة قوية صوب قدمه المعطوبة ، بمنطقة الكسر مباشرةً ، ليقول بعدها بصوته الخشن :
-ماتجيبش سيرة أمي علي لسانك ياله . فاهم ؟ .. و سدد له ضربة أخري
يزآر “زياد” متألما هو يمسك بساقه بكلتا يداه :
-يابن الـ××××× أقسم بالله لأدفعك التمن . يا أنا يا إنت يابن الـراوي يا أنـا يا إنـت ..
-إيه ده في إيـه ؟؟؟!!! .. هتف بها “معتز” و هو يصعد الدرج مهرولا ، لتنفرج شفتاه من الصدمة حين شاهد ذلك المشهد المروع ممتدا أمامه
تلك المخلوقة التي أبدي إمتعاضه من إلتحاقها بالعمل داخل قصرهم الفخم الذي لا يستقبل سوي المميزين من جميع الطبقات و هي في نظره تفتقر لكل المميزات ، قابعة بعيدا و جسدها يهتز بلا إنقطاع
أخيه “عمر” الذي إحتقن وجهه بدماء الغضب يتأهب للإنقضاض علي “زياد” المسجي فوق الرخام العاري يبادله نظراته الفتاكة بمثلها …
-إيه إللي بيحصـل يا عمر ؟ وصلتوا لكده إزاي ؟؟؟ .. قالها “معتز” صائحا و هو يطوق خصر ذلك المهتاج محاولا درئه عن شقيقه
-إوعـي يا مـعتز ! .. زعق “عمر” فيه بعنف
أحكم “معتز” ذراعاه القويتين حوله و هو يرد بحزم :
-مش هاوعي طبعا . إهدا شوية يا عمر أخوك تعبان . قول بس إيه إللي حصل بدل ما تموتوا بعض بالشكل ده !!
عمر بإنفعال :
-بقولك سيبني . ماتخافش مش هاجي جمبه .. إبعد بـقي ! … و دفعه في صدره بعيدا ، ثم إلتفت نحو “ساره”
إنحني “معتز” صوب شقيقه و هو لا يزال يراقب “عمر” بنظرات حذره ، لا يدري علي ماذا يلوي هذا المجنون !
و فجأة مد يده و قبض علي ذراع “ساره” ثم جذبها بقسوة حتي وقفت علي قدميها …
شهقت “ساره” من هجمته غير المتوقعة ، و ما لبثت أن إحتبست أنفاسها مرة أخري حين بدأ يجرها خلفه متوجها صوب الدرج بخطوات واسعة ، فكان تفادي السقوط هو كل ما إستطاعت فعله .. و بيد أنه سيستمر في جرها حتي لو وقعت ، بالكاد إلتقطت وشاح رأسها بأصابع متلهفة …
-شـايف البيه المحـترم و ست خضـرة الـشريفة ؟! .. صاح “زياد” مزمجرا كمفترس جريح ، و تابع :
-راسم قدامكوا دور الواد المظلوم و هو مقضيها ببجاحة و لا همه ده حتي مش سايب الخدامة و عيني عينك ما أصله يبقي عمر باشا الحيلة بتاع أبـووك !!
أمسك “معتز” بكتفه قائلا بصرامة :
-بس يا زياد وطي صوتك . أسكت .. مش عايزين نلفت إنتباه حد و إتفضل هات إيدك و ساعدني عشان أقومك
زياد بعصبية حارقة :
-بتقول لمين أسكت ؟؟؟ بعد ما ضربني و بهدلني قدام بت ×××××× زي دي بتقولي أسكت ؟؟!!
-قولتلك إخـرس بقـي .. صرخ بنفاذ صبر ، فأخمد ثورة شقيقه ، ثم قال مشيرا له بسبابته :
-أنا واثق إنك هببت حاجة . عمر إستحالة يعمل فيك كده من فراغ و أنا هسمع منك السبب بس مش هنا .. إتفضل قوم معايا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل الريـس “هاشـم” … زعيم اللصوص و المجرمين في كافة المناطق المجاورة ، هنا داخل مضافته الفاخرة ، إستوي جالسا فوق مقعده العاجي الضخم
كانت تفصل بينه و بين الرجلين المتنافران طاولة مربعة حملت أكواب الشاي وطبق فاكهة كبير …
جلس كلا منهما علي حدة ، متباعدان بالشكل الكافي .. إلا أنهما في ظاهر الأمر بديا غير مرحبين بالتواجد معا بمكان واحد ، و خاصة ذاك الخطير صاحب الحاجب المتآكل من المنتصف و الوشم البائن من كم قميصه المرفوع حتي الساعد ….
-و بعدين يا صلاح ! .. قالها الريس “هاشم” بصوته الغليظ ناظرا إلي “صلاح” بترقب
تنهد “صلاح” بعمق و قال و هو يغلغل أصابعه بين خصلات شعره الطويلة :
-مافيش يا ريس هاشم .. أنا قلت إللي عندي . مش عارف عوني مش عايز يفهم ليه من أول مرة
رد “عوني” متهكما :
-مش لما تقول حاجة تخش النافوخ الأول أبقي أفهمها يا معلم صلاح !
نظر له “صلاح” و قال ببرود :
-مش ذنبي إن فهمك بطيئ و المعلومة بتاخد وقت علي ما تثبت عندك يا عوني
إستشاط الأخير غيظا و هو يحملق فيه و صاح :
-بتهزأني يا صلاح ؟ علي أخر الزمن عوني يتهزأ و من صاحب عمره ؟؟!!
صلاح مبتسما بإستخفاف :
-صلاح مالوش صاحب ياض .. و أهزأك براحتي لا إنت و لا عشرة زيك يفرقوا معايا
-لأ إنت زودتها أوووي ! .. غمغم “عوني” بشراسة و إستعد للوثب عليه ليتعاركا
-مكانك منك له .. هتف “هاشم” مجمدا كلا منهما بمكانه ، ثم قال بحدة :
-إيه الخيابة إللي فيكوا دي ؟ إنتوا نسيتوا نفسكوا إنتوا الجوز ؟ إنتوا في بيت الريس هاشم !
صلاح بدماثة :
-مقامك محفوظ يا ريس هاشم . أنا قاعد مكاني أهو و ساكت كرامة ليك و لولاك إنت أساسا ماكنتش جيت أكمل كلام في الموضوع ده لأنه خلصان بالنسبة لي
عوني بعصبية شديدة :
-لــيه بقـي إن شاء الله ؟ هو أنا قلة و لا آا …
-إكتم يا عوني ! .. صاح “هاشم” مقاطعا ، و أكمل بغضب :
-أنا بتكلم . و بعدين صوتك مايعلاش في بيتي
نكس “عوني” رأسه خانعا و قال عبر أسنانه :
-أمرك يا ريس .. سكت خالص أهو
حول “هاشم” ناظريه نحو “صلاح” و أستطرد بنفس النبرة الحادة :
-ممكن أعرف إنت ليه مش عايز تدي أختك لعوني يا صلاح ؟ لو في سبب غير أبوك و أمك قول وصفي أنا أقدر عليه بسهولة !
حدق “صلاح” به قائلا بخشونة :
-أبويا و أمي مالهمش يتحكموا في ساره أصلا يا ريس . بعد إللي عملوه فيها و أنا غايب رفعت إيديهم من عليها خالص .. أومال أنا جبتها و جيت أقعد في منطقتك ليه ؟
أومأ “هاشم” بتفهم و قال :
-طيب . لحد هنا كلام جميل أوي .. إيه بقي إللي مخليك معترض علي عوني ؟ ما هو جالك و طلبها في الحلال و زي ما إنت عارف أختك دلوقتي بقت عزبة ( مطلقة ) و الجواز سترة ليها . و لا أنا بتكلم غلط ؟!
نفث “صلاح” بحنق و رد مغالبا غضبه المتعاظم :
-لأ يا ريس . كلامك صح .. بس أختي مش جاهزة للخطوة دي دلوقتي . و نفس الكلام قولته لعوني
-هي قالتلك كده ؟
-أيوه . و أنا قررت إني مش هغصب عليها . كفاية إللي شافته مش هظلمها تاني في الأول و في الأخر هي بني آدمة بردو و أختي
عبأ “هاشم” شهيقا عميقا برئتيه و أطرق رأسه عابثا بخاتم ضخم يحيط بخنصره …
-يعني ده أخر كلام عندك يا صلاح ؟ .. تمتم “هاشم” بتساؤل
صلاح بصوت أجش :
-أيوه يا ريس .. ده أخر كلام !
هز “هاشم” رأسه و تطلع إلي “عوني” قائلا :
-خلاص يا عوني
عقد “عوني” حاجباه و هو يقول ببلاهة :
-خلاص إيه يا ريس يا هاشم ؟؟
هاشم بهدوء :
-الموضوع إتقفل علي كده . و مش عايزك تفتحه تاني
أحمـُر وجه “عوني” من شدة الغضب ، بينما إبتسم “صلاح” بإلتواء و تظاهر بتأمل لوحة زيتية فوق رأس “هاشم” تماما … ليفاجأ بكلامه حين أضاف في اللحظة التالية :
-لحد ما ساره تروق و تطلب الجواز بنفسها . أوعدك أنها هتكون ليك .. أنا بنفسي هاروح أشهد علي عقد جوازك منها . و هحط إيدي في إيد صلاح . المعلم صلاح . أخوها
و هنا علت إبتسامة “عوني” .. ملأت قسماته بعد عبوسه غير المحتمل ، تبدلت الأدوار بلحظة و صار وجه “صلاح” واجما الآن و هو يستمع لآوامر الريس “هاشم” النافذة بلا إعتراض أو حتي جدال
لكن ليس عليه ، فليقول ما يريد … “ساره” ملكا له هو ، و هكذا لن تصبح لغيره ، لأنه ببساطة لن يسمح لها بطلب الزواج أبدا ، و لينتظر “عوني” قدر ما ينتظر ، لن ينالها لا هو و لا غيره ، و لا حتي بأحلامه ………….. !!!!!!!!!!!!!!
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء العشرين)
( 20 )
_ لهب و فراشة ! _
أوقف “عمر” سيارته بشكل مفاجئ ، هنا فوق سفح جبل شهير … تنفست “ساره” الصعداء و هي تنظر أمامها مذهولة
لم تغادر الشهادتين لسانها طوال الطريق ، في أوج قيادته الجنونية خالت أنها ستلقي حتفها بأي لحظة
لكن يبدو أنها نجت ، أو هكذا ظنت !
-ممكن أعرف حضرتك جايبني هنا ليه ؟ .. قالتها “ساره” و هي تتطلع إليه بتردد
كان لا يزال علي حالته ، لم يطرأ عليه أي تغير .. لا زال قناع القسوة معلقا بوجهه ، بدا لها من خلال صمته السحيق كمن يفكر بينه و بين نفسه ، لكنها أدركت من إطباقة يداه حول المقود ، و عضلات فكيه المضطربة ، أنه يفكر بأشياء عنيفة … عليها الإقرار بهذا ، تملكها الخوف منه بشدة الآن و إستطاعت الشعور بالخطر المحدق بها دون تراه …..
و فجأة تململ “عمر” في جلسته ، كانت حركته عصبية نوعا ما .. أدار وجهه نحوها ، سلط نظراته الثاقبة تجاه عيناها مباشرةً ، ثم قال بنبرة مقتضبة لا تخلو من الجفاف :
-ماكنتش أعرف إنك رخيصة أوي كده !
حملقت فيه بصدمة و قالت :
-إنت بتقول إيـه ؟؟!!
عمر بإزدراء :
-إللي سمعتيه يا .. مدام . طبعا حاجة زي دي متوقعة من واحدة زيك مطلقة و ماشية علي كيفها . بس أخر حاجة ممكن أسمح بيها إني أكون مغفل و أبقي أنا إللي جايبك بإيدي و مدخلك بيتي عشان تعملي فيه المسخرة و السفالة بتاعتك دي
-إخـرس ! .. صرخت “ساره” بغضب جم ، و تابعت :
-إنت حيـوان . إزاي بتقولي أنا الكلام ده ؟؟؟ إنت متخيل إني …
-أنا مش متخيل يا حلوة .. قاطعها بفظاظة
-أنا شوفت بعيني محدش قالي . في الركن المضلم . إنتي و أخويا . و في حضنه . و مسلملة عالأخــر
صقت أذنيها بكفاها و هي تصيح باكية بحرقة :
-بـــس بـــس كفـآااية . إسكت بـقي حـرام عـليك !!
عمر بإبتسامة هازئة :
-أيوه أيوه . مثلي و أعملي الشويتين دول عليا .. تصدقي فكرتيني بأول مرة إتقابلنا . فاكرة كنتي عمالة تعيطي و تصرخي إزاي ؟ يا تري كنتي ضاحكة علي مين ؟ يا تري عملتي إيه في طليقك خلاه يطردك في إنصاص الليالي ليلة دخلتك ؟!
كانت دموعها تسيل مع كل كلمة تخرج من فمه ، موجة تنهمر تليها موجة أشد ، غص صدرها بمرارة لما يحاول أن يذكرها به و هو لا يدري و لا يملك أدني فكرة كم يكلفها هذا من عناء لتستطع نسيانه يوما بعد يوم
تعالت شهقاتها الحارة و هي تباعد جفناها الدبقين لتحدق به بخيبة أمل ….
-ده إللي إنت شوفته ؟ إنت متأكد من كلامك ؟ و دموعي و أنا محبوسة بين إيديه .. كانت تمثيل يعني ؟!
ضحك “عمر” قائلا بخبث :
-عارفها أنا الدموع دي . دموع من نوع تاني يا سرسورة .. ثم تلاشي مرحه الزائف في ثوان ، ليحل محله غموض مبطن خطير و هو يتقرب إليها مكملا بنبرة إيحائية :
-بس ماكنش له لازمة تعملي كل ده . لو كنتي محتاجة حاجة زي دي .. ليه تروحي لزياد ؟ ما أنا موجود قدامك . و علي الأقل إحنا نعرف بعض . و لا أنا ماعجبكيش !
إرتعدت و هي ترمقه بذعر ، خاصة حين لمحت تلك النظرة المألوفة جدا لها تلتمع بعيناه .. لهثت و هي تلتفت نحو الباب باحثة عن مقبضه و صاحت :
-إنت إنسان حـقير . سافل . لا عندك نخوة و لا آآ ا …
إقتطع سيل سبابها قابضا علي رسغها قبل أن تصل لقفل الباب تماما ، ثبتها فوق المقعد مكبلا يداها بيد واحدة و بيده الأخري يمسد خدها بأنامله و هو يقول بخفوت :
-إنتي عصبية ليه بس ؟ إنتي فاكراني جايبك هنا عشان أحاسبك ؟ لأ خالص . أنا إنهاردة بس فهمتك يا ساره . و ماتقلقيش مش هطردك زي ما عمل طليقك و لا هفضحك إنتي و زياد . بس بشرط .. تكوني معايا أنا . من دلوقتي . و ماتفكريش تروحيله تاني أبدا . و أنا هاوريكي إزاي هبقي أحسن منه . في كل حاجة … و ركز نظراته علي شفتها الحمراء الممتلئة
رأت نيته قبل أن يهم بفعلها ، فأشاحت بوجهها فورا عندما خفض رأسه قاصدا تقبيلها … صرخت و هي تقاتل بضراوة :
-إوووعـي . إبعـد عـني .. يا حيـوآاان . حرام عليك سيبني . عايز مني إيـه حرام عليك أنا مش كـده !!
تمتم “عمر” و هو يتنشق عبيرها المغر عبر فتحة عباءتها البالية :
-ما أنا عارف إنك مش كده . عايزة حد ياخدك علي الهادي و بحنية .. مش هتلاقي أحسن مني . زياد ده مش حنين خالص . و أكيد هو ده سبب دموعك . لكن أوعدك معايا مافيش دموع . في كل حاجة حلوة عشانك .. عمر الراوي من إنهاردة رهن إشارتك . بس تبقي ليا لوحدي . عينك ماتشوفش حد غيري جوا البيت ده
واصلت التملص منه صارخة بصوت أبح :
-بـقولك سيبني .. خلي عندك كرامة . إتقي الله و سيبني بقي أنا مش عايزة حاجة لا منك و لا من أخوك . أنا همشي مش هتشوفوا وشي خـالص
كان قد جمد بمكانه لبرهة …
عندما طالبته بالحذر من المعبود ، المطلع علي أفعاله المشينة إزائها ، لا يعرف كيف إستجابت لها خلاياه ، كيف توقف تماما و أفلتها و إنسحب بهدوء … كان يعرف شيئا واحدا فقط ، أحس به لأول مرة بحياته ، شعور فطري محض ، ترجم معناه بسهولة .. الخجل ، لكنه بالطبع لم يكن موجها إليها هي
فهو ما زال يحتقرها ….
-دلوقتي عرفتي ربنا ! .. سألها بصوت أجش رامقا إياها بتقزز
إنتظرت “ساره” حتي إستعادت أنفاسها ، لم تعير كلماته اللاذعة إهتماما كبير ، أخذت تعدل هيئتها المشعثة و ثيابها المجعدة ، أحكمت وضع الحجاب فوق رأسها بأيدي مرتعش ، ثم إلفتت لتفتح باب السيارة دون أن تنبس بكلمة واحدة …
-إنتي رايحة فين ؟ .. غمغم “عمر” حانقا و هو يمسك بذراعها يمنعها من النزول
ساره بحدة :
-سيبني يا عمر بيه . كفاية كده أووي . لو سمحت سيبني إمشي !
عمر بإستنكار :
-هتمشي إزاي بقي ؟ أظن هتنزلي الجبل لوحدك ؟ حتي لو عرفتي هتقدري تعدي من بين المسجلين و الكلاب الضالة إللي مافيش أكثر منهم هنا !!
نظرت له قائلة بسخرية :
-المسجلين و الكلاب الضالة إللي بتتكلم عنهم دول عاشرتهم طول عمري . و لا مرة كلب منهم حاول يأذيني .. لكن في كلاب تانية شكلها نضيف و محترم . بس قربي منهم كشفهم علي حقيقتهم و عرفت إن المظاهر خداعة فعلا و إن مافيش أحقر منهم . عن إذنك … و شدت ذراعها من قبضته بقوة
راقبها و هي تترجل من سيارته و تبتعد بلا تردد ، بدت شجاعة جدا في هذه اللحظات ، لكنه فسر تصرفها بشئ أخر .. بعيد عن الشجاعة تماما ، لعلها تنفر منه مثلا ، أو لعلها تفضل أخيه عليه !
غلت الدماء بعروقه و هو يتخيل الفكرة ، لا يمكن أن يتكرر الأمر ثانيةً ، و لاسيما مع تلك الخادمة الحقيرة التي تورط بها في ساعة و لحكمة لا يعلمها إلا الله …
وجد نفسه يلحق بها راكضا ، حاوط كتفيها بيداه و هو يتمتم بتصميم قرب أذنها :
-إستني هنا . أنا مش هاسيبك تمشي لوحدك في مكان زي ده .. أبقي أنا سيبتك عشان غيري يمسكك و يعمل فيكي ما بداله . هكون كسبت إيـه ؟!
كزت علي أسنانها و هي تقول بغضب شديد :
-إنت شكلك عايز مصيبة تحصل . إبعد عني أحسنلك يا عمر بيه أنا عندي أخ لو عرف بس إنك بتفكر تتعرضلي هيمسحك من علي وش الدنيا منغير ما يتردد لحظة واحدة
عمر ضاحكا بتهكم :
-المفروض بقي أخاف مش كده ؟ و مع ذلك ماشي . مع الإعتذار لأخوكي الجامد ده . بس بردو مش هاسيبك تمشي لوحدك
إستدارت له بوجه عابس محتقن ، كانت قصيرة كالعادة فإضطرت لرفع عنقها قليلا لتقابل نظراته اللاهية … و فجأة صدمتها زرقة عيناه بتلك الصاعقة الملبكة
اللعنة عليه ! .. كيف تنجذب نحوه بعد كل ما فعل ؟ … كيف تري وجهه متفجر الوسامة ملائكيا و هو بالحقيقة يخبئ ورائه حقيقته البشعة و نواياه الشيطانية ؟؟؟
لا ريب أنها أصيبت بلوثة عقلية ، جراء كارثتها العظيمة ، فقد عقلها إحدي ركائزه المتينة ، أو ربما تكون مثل الفراشة التي يجتذبها اللهب ، فتذهب نحوه طائعة راضية بكامل إرادتها أن تحرق بألسنته الكاوية ، حتي الفناء …
قالت “ساره” بجمود و هي تبعد ناظريها عن جمال عينيه الذي لا يقاوم :
-أنا مش واثقة فيك .. بعد إللي حصل منك إستحالة آمن علي نفسي معاك تاني
لوي “عمر” ثغره بإبتسامة مستخفة و قال مشيحا بيده :
-لأ ماتخافيش . أحلفلك بشرفي .. أنا مش هقرب منك تاني غصب عنك . ها ! أمان كده و لا محتاجة ضمان أقوي ؟ عايزاني أحلفلك بإيه تاني ؟
زمت شفتاها قائلة بشئ من الإنفعال :
-مش هركب معاك عربيتك . مش عايزاك توصلني لأي حتة و لا عايزة حد يشوفني معاك
عمر بصبر :
-ماتقلقيش . أنا مش هاوصلك لحتة .. أنا هنزلك من هنا بس . و بعدين تقدري تمشي زي ما إنتي عايزه . المهم أسيبك وسط الناس . في الونس .. مش بتتقال كده بردو ؟ يلا
و أمسك بيدها و سحبها معه بإتجاه السيارة ، لم تحسن أن تفتح فمها بأي إعتراض .. كانت تعلم أنه محق ، و أن هناك خطورة عليها إذا أصرت علي رأيها و مشت بمفردها في هذا الطريق الوعر المحفوف بالأخطار
لكنها أيضا ما زالت خائفة منه ، لم تكن صدمة واحدة هذا اليوم ، بل إثنان .. أخيه أولا ، ثم هو
أذاقوها من نفس الكأس الذي غلغل مشاعر الرعب و المقت بشرايينها في تلك الليلة الغابرة ، حتي جعلها تفقد الثقة في نفسها قبل أي شخص أخر … إلا “صلاح” ، أخيها القوي المخلص ، ليته معها في كل آن و مكان ، لن تنالها يد الشر أبدا في حضرته ….
-إتفضلي إنزلي ! .. قالها “عمر” حين وصل علي مقدمة الطريق الرئيسي
كان قد خلف ورائه الجبل الشاهق ببضعة أمتار ، فتح لها قفل الباب و جلس يتابعها في هدوء و هي تنزل من السيارة ، ثم تستوقف عربة مواصلات كبيرة و تستقلها مسرعة دون أن تلتفت له مرة …
تنهد “عمر” متابعا إبتعادها بنظرات شاردة ، و دمدم لنفسه :
-لينا جولة تانية مع بعض يا ساره .. أنا مش هاسيبك . و أبقي وريني شطارتك يا زياد بيه ………… !!!!!!!!!!
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء الواحد والعشرين)
( 21 )
_ غريب ! _
تصل “آصال” إلي منزل والدها قبل حلول الغروب …
يسرع الحارس فاتحا البوابة الرئيسية علي مصراعيها لتلج سيارة سيدته مباشرةً بغير إنتظار ، ألقت عليه تحية مقتضبة و أمرت السائق بمتابعة طريقه
تركت حقائبها في عهدته ريثما ترسل إليه بعض الخدم من الداخل ..
لكن لسوء حظها قابلت أبيها أولا ، حيث كان واقفا علي مقدمة المدخل بإنتظارها ….
-هاي بابي ! .. هتفت “آصال” بلا حماسة و هي تعانقه لبرهة وجيزة ، و إستقامت من جديد مكملة :
-عامل إيه يا حبيبي ؟
إستقبلها الأب متجهما ، سلوك يليق به تماما ناجم عن خبرته الواسعة في مجال السلطة و الخدمة ( الميري ) .. إذ قضي ما يزيد عن عشرون عاما و هو يرتقي من رتبة لرتبة حتي أضحي بالنهاية لواءً مرموقا له إسمه و سمعته … “منصور الكيلاني” و هو الآن قاب قوسين أو أدني من بلوغ الحد الأقصي من مزاولة مهنته ، و مع ذلك لا زال يشعر بعدم تحكمه الخالص بإبنته الوحيدة
أو حتي مجرد التأثير علي قرارتها ، مؤخرا بدأ يتضح إليه أنها لطالما فعلت كل ما أرادت ، كانت توهمه دائما أنه المسيطر .. لكنه كان أبعد عن ذلك بكثير ….
-سبتي بيتك ليه يا مدام ؟ و فين جوزك ؟؟؟
هكذا إستجوبها “منصور” بلهجة صلبة ، لتتأفف “آصال” قائلة بضيق :
-بابي . أنا قولتلك قبل ما أجي إني متخانقة مع آسر و هاسيبله البيت عشان يتربي شوية . دلوقتي حضرتك بتسألني هو فين ؟ plus إني بجد تعبانة و مش في مود حلو للمناقشة .. عن إذنك
-إستني هـنا ! .. صاح غاضبا ، فجمدت بمكانها مجفلة
إقترب “منصور” منها و هو يقول بصوت كالفحيح :
-قولتيلي سيبتي البيت لجوزك عشان يتربي ؟ حلو أوي إللي بسمعه ده . و لو أني مش شايف غيرك قصادي إللي محتاجة تربية يا آصال هانم
نظرت له بصدمة و قالت :
-إيه إللي بتقوله ده يا بابي ؟ ده بدل ما تسألني عملك إيه و إيه إللي حصل بتقولي أنا كده ؟؟
منصور بإبتسامة تهكمية :
-أنا مش محتاج أسأل .. أنا إللي مربيكي يا آصال و عارفك كويس . فضلت مطاوعك لأخر لحظة . مش هتجوز ده يا بابي . أخوه عاجبني أكتر هتجوزه . خلتيني أحس إني قرطاس لب في إيدك و مع ذلك صبرت عليكي … و قست ملامحه و هو يتابع بغلظة :+
-لكن تيجي دلوقتي و تقوليلي سيبت جوزي عشان يتربي أهو ده إللي مش هسمحلك بيه أبدا . إنتي إللي إختارتي و لازم تتحملي تباعت إختيارك
عبست “آصال” قائلة :
-علي فكرة أنا بحب آسر . و إنت عارف كده كويس .. أنا عمري ما حسيت ناحية أي راجل تاني إللي بحسه ناحية آسر . و إذا كنت سيبته إنهاردة و جيت هنا ده أصلا تصرف عادي جدا و بيحصل بين أي إتنين متجوزين . لما الواحدة بتزعل من جوزها طبيعي بتسيبه و بتروح عند أهلها عشان تجبره يجي يصالحها
قهقه “منصور” بقوة و قال بسخرية :
-و إنتي بقي فاكرة إن آسر هايجي يصالحك ؟!
عقدت حاجبيها و نظرت له بإرتياب …
-قصدك إيه ؟ .. سألته بحذر ، و تابعت :
-آسر بيحبني . مش هيقدر يبعد عني و هايجي فورا .. أنا متأكدة
هز “منصور” رأسه مشفقا علي غرور إبنته المزري ، ثم وضع يده علي كتفها و قال بجدية :
-طيب إسمعي بقي النصيحة دي مني .. لو فعلا بتحبي جوزك و قلبك علي الطفل إللي في بطنك ده . إرجعي بيتك دلوقتي حالا قبل ما آسر يرجع من شغله و يكتشف غيابك . في طرق كتير تقدري تحلي بيها مشاكلك .. ماتتهوريش يا آصال عشان ماتزعليش في الأخر
رفعت حاجباها و هي ترمقه بإستنكار ، أشاحت بيدها و صاحت و هي تلتفت ماضية صوب الدرج :
-أنا مش هرجع البيت . و هتشوف يا بابي إزاي آسر مش هيستحمل ليلة واحدة بعيد عني . و لما يجي أنا إللي هرفض أمشي معاه لحد ما يترجاني .. بليز خلي حد يجبلي الشنط من برا
وقف “منصور” يراقبها واضعا كفاه في جيبيه ، تمتم لنفسه بخفوت و قد إرتفعت زاوية فمه بإبتسامة مريرة :
-أنا إللي عملت فيكي كده .. فاكرة نفسك بتعرفي تحبي ؟ هه . بكره تكتشفي إن إللي راقد بين ضلوعك ده حجر !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
حانت ساعة الغداء بقصر عائلة “الـراوي” …
إجتمع الكل حول مائدة الطعام ، حتي “عمر” الذي رجع لتوه من الخارج .. إلتحق بهم دون جدال ككل يوم ، و لكن مهلا
عدد المجتمعين اليوم أقل بكثير من المعتاد … “نصر الدين” .. “يسرا” .. “عمر” .. “معتز” … فقط !!
-الله ! أومال فين الباقي ؟ .. تساءل “نصر الدين” مدهوشا و هو يشير إلي مقاعد بقية أفراد العائلة الشاغرة
ردت “يسرا” و هي تصب له كأسا من العصير الطازج :
-كلمت آسر من شوية و قالي إنه هيتأخر في شغله . و قالي آصال تعبانة شوية و مش هتقدر تنزل تتغدا معانا إنهاردة فخليتهم يطلعولها الأكل في أوضتها
إستطرد “نصر” بشئ من الإنزعاج :
-و زياد فين و سليم ؟؟ السفرة فاضية كده ليه ؟ و تبقي لازمتها إيه قعدتنا دي أصلا و كل واحد بياكل مع نفسه ؟؟!!
و هنا تكلم “معتز” بصوت ذي نبرة مرتبكة قليلا :
-يا بابا حضرتك عارف إن زياد رجله مكسورة و حركته بقت قليلة أوي اليومين دول .. و قذف أخيه “عمر” بنظرة عتاب مشتعلة
تجاهله الأخير شارعا بتناول طعامه ببروده المعهود …
نصر الدين بحدة :
Golden Goose
لماذا مبلغ 250 دولار فقط يكفي لتوليد الأرباح من خلال الاستثمار في شركات مثل Netflix؟
Sponsored by Golden Goose
Smart Investing
Read More
-و الوجع نقح عليه أوي إنهاردة ؟ ما هو كل يوم بيطفح معانا و لا هو عامل فيها مأموس مثلا ؟!
يسرا بغضب :
-جرا إيه نصر ! لو سمحت ماتقولش علي إبني كده . مش كفاية إللي هو فيه ؟ حتي و هو مش قدامك مابترحمش و كلامك كله بقي كده !!
نصر الدين هازئا :
-علي أساس إني قلت حاجة غلط في حقه ؟ لو كنتي ربتيه كويس يا هانم كان طلع راجل أحسن من كده لكن للأسف طلع عيل
كادت “يسرا” أن ترد ، ليسبقها “معتز” مسرعا :
-بابا بابا . لو سمحت بالراحة شوية . و إنتي يا ماما مش كده .. خلاص زياد تعبان شوية مش أكتر و أكيد لما يحس بتحسن و أنه قادر ينزل ياكل معانا هيعمل كده . إيه يا جماعة الموضوع مش مستاهل تشدوا علي بعض يعني !
زفر “نصر الدين” بنفاذ صبر ، ثم أشاح بوجهه للجهة الأخري قائلا بصرامة :
-حد ينادي سليم . لو بيذاكر يقوم من علي المذاكرة و يجي ياكل هنا قدامي
-أنا رايح أجيبه ! .. قالها “عمر” و هو يقوم من مكانه بهدوء
مسح يداه بالفوطة الصغيرة ، ثم تركها فوق المائدة و مضي للخارح تتبعه نظرات “يسرا” الحاقدة .. ضبطها “معتز” و تلاقت أعينهم ، فرمقها بنظرة لائمة
بادلته بنظرة متبجحة و عادت لتركز علي طبقها مجددا ….
……………………………………………………………………….
مر “عمر” بغرفة جدته قبل أن يصعد للأعلي … و فجأة إلتقط صوت شقيقه الزاعق بغضب ، فتراجع قاطبا حاجباه و مشي متجها إلي هناك
كان “سليم” يقف أمام سرير الجدة تماما ، ممسكا بورقة بدت من ضمن وريقات الرسم خاصته .. لكنها ظهرت علي حالة يرثي لها ، ليست كما يجب أن تكون مسطحة و منظمة كبقية مجموعته ….
-بوظتيلي اللوحة يا نناه ! .. صاح “سليم” منفعلا و قد تضرجت بشرته البيضاء كلها بحمرة قانية خطيرة
ردت “جلنار” بتأنيب ضمير :
-أنا آسفة يا حبيبي . و الله ساره أخدتها مني أحسن من كده. مش عارفة ده حصل إزاي و لا عارفة هي راحت فين أصلا .. معلش يا سليم سامحنـ آآا …
-في إيه يا تيتة ؟! .. قالها “عمر” مقاطعا و هو يتقدم نحوهما بخطوات ثابتة
إلتفتا له معا ، ليجيبه “سليم” نيابة عن الجدة و ما زال في فورة غضبه :
-تعالي شوف يا عمر . نناه خدت مني الرسمة عشان تلونها لحد ما أخلص الـhomework’s لما نزلت عشان أخدها منها لاقيتها واقعة علي السلم مطبقة كده ! .. و رفع الورقة المجعدة بشدة أمام ناظري شقيقه
عمر بلهجة حادة :
-طيب و فيها إيه رسمتك باظت يعني ؟ ما تولع الرسمة بأي حاجة تانية تافهة من بتوعك . إنت إزاي بتكلم جدتك بالطريقة دي أصلا ؟!
-ماتزعقلوش يا عمر لو سمحت ! .. قالتها “جلنار” بنبرة حزينة ، و أكملت :
-أنا إللي غلطانة . بس و الله ساره خدتها مني سليمة . أنا قولتلها من حوالي ساعتين كده خدي الرسمة بتاعة سليم و طليعهاله يشوفها بعد ما لونتها . لحد دلوقتي مارجعتش أصلا و مش عارفة هي راحت فين !!
ضحك “عمر” قائلا في نفسه : ” راحت لزياد يا حبيبتي . الظاهر ملحمة حب جديدة هتبدأ في قصر الرواي ! ” …
-و لا يهمك يا جلنار هانم . فداكي مليون لوحة .. قالها “عمر” مبتسما لها بلطف ، ثم نظر إلي “سليم” و أمره بحزم :
-إعتذر لتيتة يا سليم و بوس إيدها . وإياك تكرر إللي عملته ده تاني .. يلا
أسبل “سليم” أجفانه متحرجا من موقفه ، ألقي لوحته من يده و مضي صوب “جلنار” ، ركع أمامها ممسكا بيدها و قبلها مغمغما بإعتذار :
-أنا آسف يا نناه .. ماكنتش أقصد أزعق فيكي . بليز سامحيني !
إبتسمت “جلنار” و هي تمسح علي شعره الحريري بحنان ، و قالت :
-أنا عمري ما أزعل منك يا سليم . إنت حبيبي . أخو حبيبي . و إبن حبيبي
إبتسم “عمر” بدوره و قال بصوته الهادئ :
-طيب نأجل الرومنسيات دي شوية بس يا تيتة . بابا باعتني أجيب سليم عشان يتغدا معانا .. بعد الغدا هاجيبه و نيجي نقعد معاكي براحتنا . يلا يا سولي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تعود “ساره” إلي البيت بعد رحلة عناء …
خاصة مع فقدانها للمال ، وجدت صعوبة في التملص من دفع أجرة المواصلات .. لكنها تصرفت علي أي حال ، و بمهارة فائقة ، إستطاعت النفاذ بنفسها في اللحظة المناسبة
لا ضير إذا كانت فقدت هاتفهها و نقودها القليلة بذلك القصر الذي يعج بالسفلة غريبو الأطوار ، فقد نجت و هذا كاف جدا ….
-ســـاره !
إرتعدت فرائصها حين إجتاحها نداء أخيها الهادر …
إلتفتت لتجده ينطلق من الظلام نحوها ، ضغط “صلاح” زر الإنارة في طريقه إليها ، أمسك بكتفيها و هو يصيح بنبراته الجلفة :
-كنتي فين كل ده يابت ؟؟؟ و موبايلك مقفول لـيه ؟ إنتي عارفة أنا كلمتك كام مرة ؟؟ ما تنطقـي كـنتي فـــيـن ؟؟؟؟؟
سرت رجفة قوية علي طول عمودها الفقري و هي تحاول تصويغ عبارتها المرتبكة إلي أقصي حد :
-إهدا شوية يا صلاح ؟ هكون روحت فين يعني ؟ .. إنت ماتعرفش إللي حصلي !
صلاح و هو يهزها بصبر نافذ :
-إيه إللي حصل إتكلمي !!
إختلقت كذبة سريعا ، لم تكن كذبة مئة بالمئة …
-إتسرقت ! .. هتفت و هي ترمقه بإتساع ، ليخبو الإنفعال من عيناه سريعا و بدلا منه يسألها بقلق :
-إتسرقتي إزاي و فين ؟؟!!
تململت “ساره” و هي تجيبه متآوهة بألم :
-هقولك يا صلاح . بس خف إيدك علي دراعي ونبي .. إنت بتوجعني كده !
أرخي قبضتاه حول ذراعيها قليلا و تابع إلحاحه :
-ها بقي ! إحكيلي إتسرقتي إزاي ؟؟
إزدردت لعابها و بدأت بقص حكايتها الوهمية عليه :
-مافيش . خلصت شغلي و روحت علي موقف المواصلات طوالي .. كان في ست عجوزة بتعدي السكة . صعبت عليا قمت خليت البوك بالموبايل علي جمب كده و روحت أعديها . رجعت مالاقتش و لا حاجة
-فالحة يا ختي ! .. وبخها بقسوة ، و تابع :
-كملي . جيتي إزاي منغير فلوس ؟
ساره متظاهرة بالمعاناة :
-و الله إتبهدلت . فضلت شوية أدور علي البوك يمين و شمال . لما لاقيت الوقت بيفوت علي الفاضي قلت مابدهاش .. ركبت بس زوغت من الإتوبيس قبل ما الكمثري يحصلني و مشيت علي رجلي الحبة الفاضلين !
-إتوبيس !! .. علق “صلاح” مزمجرا
-أنا مش قولتلك عشرين مرة ماتركبيش إتوبيسات ؟ مش قولتلك إيه إللي بيحصل جواها ؟؟؟!!!
ساره بإستكانة و ضعف متقنين :
-كنت هعمل إيه طيب ؟ السكة طويلة و ماكنتش هقدر أمشي كل ده يا صلاح . أنا رجلي وجعتني الحبة إللي مشيتهم دول أصلا مش قادرة أقف و الله !
توتر فكه السفلي قليلا حين أثرت عليه شكواها .. شدها خلفه و أجلسها هناك بالصالون المتواضع و جثي أمامها …
-ساره . مافيش شغل تاني ! .. قالها “صلاح” بجدية تامة ، و علي عكس ما توقع ردت بهدوء :
-أنا كنت جاية أقولك كده بردو
قطب حاجبيه متسائلا :
-و إيه إللي غير رأيك بقي ؟!
هزت كتفاها و أجابت ببساطة :
-زهقت . أو تعبت .. المشوار كل يوم متعب و أنا مقدرش علي كده
-بس إنتي لسا ماختيش القبض متهيألي !
ساره بنفور خارج عن إرادتها :
-مش عايزاه .. و صلحت عبارتها بسرعة :
-أقصد مش مهم يعني . أنا كنت بشتغل عشان أسلي نفسي مش عشان الفلوس .. إنت يا حبيبي مش مخليني عايزة حاجة
أومأ “صلاح” و أخيرا هدأت تعابيره الثائرة ، لتسأله “ساره” بعشم :
-قولي إنت بقي المرة دي كنت عاوزني أسيب الشغل ليه ؟
تجهم من جديد ، فأضافت بحذر :
-حصل مني حاجة يعني ؟!
صلاح بجمود :
-لأ . بس كده أحسن
ساره بإبتسامة :
-عندك حق . كده أحسن كتير .. و تنهدت و هي تقوم من مكانها مكملة :
-أنا هخش أغير في الحمام و هطلع أشوف هعمل إيه علي الغدا . ماتقلقش الأكل هيجهز بسرعة
-ساره ! .. إستوقفها “صلاح” فجأة ، لتلتفت نحوه قائلة :
-نعم يا صلاح !
صلاح و هو يقترب منها علي مهل :
-هو إنتي ممكن تفكري في الجواز ؟ في أي وقت ؟! .. كان الغموض يغلف نبرته
لكنها لم تلاحظ علي أي حال ، بل ردت بمرارة :
-أنا أفكر في الجواز يا صلاح ؟ أنا أتجوز تاني ؟ إستحالة أفكر في أي راجل .. إللي جوايا إتكسر خلاص . مابقتش أحس حاجة ناحيتهم إلا بخوف و رعب . الموضوع كبير أووي بالنسبة لي . مش هقدر أعبر عنه بكلمتين يا صلاح … ثم تلاشي هذا الحزن الجم في عينيها فجأة ، ليحل محله ذعر كبير و هي تقول :
-إنت بتسألني السؤال ده ليه ؟ إوعي تكون عايزني إتجوز ؟ إوعي تقولي إنك هتجوزني زي أبويا !!!
-بس بس إهدي ! .. تمتم مهدئا إياها و هو يحاوطها بذراعيه القويتين ، و أكمل :
-أنا ماقولتش كده . يا هبلة . و إنتي عارفة إني مش زي أبوكي .. أومال أنا جبتك هنا ليه ؟ ها ؟ إنتي مش واثقة فيا يا ساره ؟ مش عارفة أنا أد إيه بحبك و بخاف عليكي ؟!
ساره بنبرة متأثرة :
-عارفة يا صلاح . عارفة !
إحتضنها و هو يهمس لها برقة متناهية :
-إوعي تخافي طول ما أنا معاكي . أنا عايش عشانك أصلا . و إنتي كلك علي بعضك كده بتاعتي أنا . أنا بس .. و طوقها بقوة مشددا إلتفاف ذراعاه حولها
عبست “ساره” بغرابة ، بينما عناقه لها يزداد قوة و حرارة أذهلتها ، بدون مغالاة شعرت و كأنه يعتصرها .. هذا تصرف لم تألفه منه بتاتا …
-صلاح ! .. تمتمت بصعوبة و رأسها محشور بين عنقه و صدره الصلب
توقف لثانية ، ثم أبعدها عنه مبتسما بحليمية …
-نعم ! .. سألها بصوت طبيعي
ساره و هي ترمقه بحيرة :
-مالك يا صلاح ؟!
صلاح رافعا حاجبه بدهشة :
-مالي يابت ! ما أنا كويس أهو .. ثم قال و هو يدفعها نحو الحمام :
-يلا خشي غيري هدومك .. بلاش لكاعة . أنا واقع من الجوع
إلتقطت ملابسها من فوق سريرها ، كانوا كما تركتهم في الصباح .. ولجت إلي الحمام و علامات الوجوم لم تفارق وجهها ….
ليزفر “صلاح” بقوة عندما أقفلت عليها الباب ، أخذ يذرع الغرفة جيئة و ذهابا و هو يغمغم مستاءً من نفسه :
-إيه إللي هببته ده ؟ .. لو كانت سكتت شوية كمان كنت عملت إيـه تاني ؟؟!! … و ضرب الحائط بقبضته و هو يكتم زعقة عبر أسنانه :
-غـبي ! ………….. !!!!!!!!!!!!!!!!
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء الواحد والعشرين)
( 22 )
_ إنذار جديد ! _
صباح يوم جديد …
بارح “معتز” غرفته متوجها إلي غرفة أخيه غير الشقيق .. “عمر” ، لم يجده هناك ، فخمن أن يكون عند الجدة
هبط للأسفل و إجتاز الممر المفضي لجناح “جلنار” المخصوص
ليصطدم به و قد ظهر أمامه فجأة …
-عمر ! .. هتف “معتز” بأخيه ، و تابع عابسا :
-إنت فين من إمبارح ؟ مش عارف أتكلم معاك و مش لاقيك خالص . أنا مش قولتلك عايزك في موضوع ؟
رمقه “عمر” بنظرة ضجرة و قال :
-عايز إيه عالصبح يا معتز ؟ أنا مش فاضيلك دلوقتي
معتز بحنق :
-و سيادتك فاضي إمتي إن شاء الله ؟ أنا مسافر بعد يومين . و لحد دلوقتي لسا ماصلحتنيش علي تيتة . Plus إني عايز أتكلم معاك بخصوص زياد و أراضيكوا علي بعـ آا ..
-معتز ! .. قاطعه “عمر” بصوت صارم
-لو سمحت ماتجبليش سيرة الزفت ده . أخوك علي عيني و راسي
-و أخوك إنت كمان يا عمر .. ذكره “معتز” بصوت به نبرة حادة
عمر بضيق :
-إنت عايز إيه يا معتز ؟ قصر ؟؟
تنهد “معتز” قائلا بهدوء ضمني :
-مبدئيا عايزك تصالحني علي جلنار هانم . رغم إن ده مش منطقي لأني ماعملتش حاجة أصلا بس ماينفعش أمشي منغير ما أكلمها و أسلم عليها .. تاني حاجة بقي عايزك بعد كده تيجي معايا عشان أقعدك قدام زياد . هو هيعتذرلك و أنا أتفقت معاه علي كده . ياريت ماتصغرنيش بقي يا عمر
-شكلك ناسي إن أنا الكبير يا ميزو ! .. نخر “عمر” مقلبا عيناه
معتز بنفاذ صبر :
-قولتلك أخوك هيعتذرلك و هنصفي الخلافات التافهة دي . إنت عامل كل ده عشان حتة خدامة يعني ؟ أوك هو غلط إنه حاول يتجاوز حدوده معاها . بس ماتنساش إني لفت إنتباهك من أول ما شوفتها إن شكلها مش تمام و ماكنش ينفع تدخل البيت ده أصلا
طالعه “عمر” بنظرات فاترة ، ثم قال ببرود :
-خلصت ؟
زم “معتز” شفتاه مغمغما من بين أسنانه :
-إن شاء الله !
إبتسم “عمر” و قال و هو يربت علي كتفه :
-طيب بص يا ميزو . عشان أريحك بقولك خرج نفسك من الحوار إللي بيني و بين أخوك . و إن كنت مضايق عشان إحنا زعلانين مع بعض أنا يا سيدي بقولك مسامحه . بس إعتذارات و كلام فاضي من ده مش بتاعي .. و لو علي جلنار هانم بإذن الله لما أرجع من مشواري هاجي أخدك من إيدك و ندخل نشوفها سوا . تمام كده يا عم !
معتز مقطبا أحد حاجبيه :
-و إنت رايح فين بقي و مشوار إيه ده يعني مش فاهم ؟!
عمر بإبتسامة باهتة :
-مالكش فيه يا ميزو .. معادنا بليل و خلاص . بعد العشا كده . يلا باي !
و تركه مغادرا دون أن يضيف شيئا أخر …
حدق “معتز” في إثره الفارغ متمتما بإمتعاض :
-الله يسامحك يا بابا . إنت إللي خلقت العداوة دي .. كان لازم يعني تتجوز علي ماما ؟ الله أعلم هتنتهي إزاي !!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت “ساره” تجلس أمام “صلاح” الآن … بعد أن أعدت له كأس الشاي المضبوط ، جلست مقابله ملتزمة الصمت
إعتراها التوتر تحت وطأة أنظاره المتمحصة الدقيقة ، لا تعرف بما يفكر .. فقد أوقعها الوسيم الملعون بمأزق حرج للغاية ، حارت كيف ستخرج منه و هو لم يستفسر منها بعد !!!
-بس إنتي قولتيلي إن البوك بالتليفون إتسرقوا ! .. قالها “صلاح” بنبرة خفيضة لكنها واضحة جدا
لترفع “ساره” رأسها ناظرة إليه ، لوهلة صدمتها عيناه ذات النظرات الثاقبة ، لكنها تمسكت برباطة جأشها و هي ترد بإستكانة متقنة :
-و الله ما فاكرة إيه إللي حصل بالظبط يا صلاح . يمكن وقع مني هنا و لا هنا قبل ما أسيب القصر و حد لقاه .. بس إللي أنا متأكدة منه إن البوك راح خلاص . لكن الحمدلله البطاقة ماكنتش جواه . أنا علطول بشيلها هنا … و إبتسمت لتموه عن كذبتها بالكامل
أومأ “صلاح” بتفهم و ما زالت نظراته القوية ملتحمة بنظراتها عديمة الثقة …
أخذ رشفة كبيرة من الشاي الغامق ، ثم قال و هو يحك صدغه النابت بلحيته الكثة :
-و يبقي مين بقي إللي كلمني ده ؟
ساره بإبتسامة متكلفة :
-ده يبقي عمر بيه يا صلاح . ما إنت عارفه و شوفته قبل كده في المستشفي
صلاح متابعا إستجوابه :
-و كان بيقولك إيه لما كلمتيه ؟؟
هزت كتفاها بخفة و هي تجيب :
-مافيش . أنا لما قولتله قدامك إني مش هينفع أروح عندهم تاني و إني قررت أسيب الشغل أصر لازم أرجع عشان أخد مرتبي علي الأقل و كمان موبايلي إللي لاقاه ده
صلاح بصوته الخشن :
-مش فاهم يعني ! إنتي خارجة إنهاردة و هتروحي البيت ده تاني ؟!
ساره ببراءة :
-آه هاروح يا صلاح . طالما هما إللي طلبوني عشان أخد حقي . مرتب الشهر إللي قضيته عندهم . هاخده و هاخد بقية حاجتي و هرجع علطول
عبس “صلاح” و هو يقول متململا :
-أنا مش فاضي إنهاردة عشان أوصلك في حتة يا ساره . عندي مصلحة و يادوب هقوم ألحقها
-مش لازم توصلني يا صلاح ! .. قالتها “ساره” بإسراع ، و أكملت موضحة :
-قصدي أنا مش هتوه يعني . و بعدين دي هي ساعة زمن أنا مش هتأخر .. ماتقلقش عليا إنت و قوم شوف حالك يا حبيبي
فكر “صلاح” قليلا ، ثم قال مذعنا :
-طيب خلاص . هتروحي تاخدي حاجتك و ترجعي علطول . بس ماتنسيش تكلميني سامعة ؟
ساره برقة :
-حاضر يا صلاح
أطلق تنهيدة حارة و هو يقوم من مكانه ، تجرع ما تبقي في كأس الشاي ، ثم أعاده إلي الطاولة و وضع يده بجيبه الخلفي ساحبا چزدانه .. إقترب من “ساره” و مد يده لها بالنقود قائلا بصوت أجش :
-خدي يابت . خلي الفلوس دي معاكي . تركبي تاكسي رايح جاي فاهمة ؟ .. يا ويلك مني لو عرفت إنك ركبتي إتوبيس تاني . أديني حذرتك أهو
أخذت منه النقود مبتسمة و قالت :
-حاضر . هسمع الكلام و الله ماتقلقش !
……………………………………………………………………….
إنتظرت “ساره” إلي أن رحل “صلاح” أخيرا …
فعليا لا تدري ما إذا كان هذا الذي ستفعله صواب أم لا ، لكنها ستواصل بهذا المنطق الأخرق حتي تأتي بأخر ما لديه تماما .. و علي كل هو لن يختلي بها مجددا ، و هكذا ستضمن سلامتها وسط جموع العامة
لن يجرؤ علي لمسها مرة أخري ، و إلا فسوف يتلقي التهذيب و الإصلاح ، لكن ليس علي يديها هي ، لتري ماذا يريد فقط …
إستقلت “سارة” تاكسي نزولا عند رغبة “صلاح” .. ليوصلها في غضون دقائق قليلة أمام بوابة هذا ( الكازينو ) النيلي الشهير
دفعت الأجرة للسائق ، ثم ترجلت و وقفت مكانها تحدق بالممر الداخلي لما يزيد عن عشرة دقائق …
كانت مترددة ، خائفة .. و أكثر شئ كانت تخشي الخضوع الحتمي لنظراته المهلكة ، فهو حقا لا يعرف تأثير هاتان العينان عليها ، لا يعرف البتة … أو أنه في الواقع يعرف كل شئ و يستخدم ذلك ضدها بإسلوبه المبطن الخبيث !!
رفعت “ساره” رأسها للسماء ، تبث في خشوع هوانها و ضعفها إلي الله :
-يارب لو كان الراجل ده ناويلي علي شر . إحميني منه . يارب .. أنا مش عارفة إيه إللي جابني لحد عنده تاني . بس عارفة إني مش هغضبك . عمري ! … و تنفست بعمق ، ثم عقدت العزم و سارت للأمام مباشرةً
علي الطرف الأخر …
يجلس “عمر” إلي طاولة دائرية الحواف تحت شمس الظهيرة الساطعة ، يرمق النيل بطرفه تاره و يعبث بكأس المثلجات خاصته تارة أخري
حتي رصدت عيناه ظهورها بطريقة غير مقصودة ، من خلال عويناته الشمسية الداكنة ..
إرتفعت زاويتي فمه بإبتسامة ماكرة ، فقام واقفا علي قدميه و هو يخلع النظارة و يضعها فوق سطح الطاولة الخشبي …
كانت قد وصلت عنده في هذه اللحظة
تأمل من علو مظهر الثقة الذي إتشحت به ، و تلك التقطيبة بين حاجبيها الدقيقين .. شعر بموجة من التسلية و الحماسة تندفع بشرايينه لتزيده إصرارا علي ما سبق و قرره ، خاصة بعد أن أمعن النظر إلي جمالها الطفولي المغر
مع الأخذ بأنه لم يجرب _ صنفها _ من قبل ، إعتبر الأمر برمته جولة ضمن سباق مثير إعتاد الفوز فيه دائما ، إلا أنه خسر لمرة واحدة و كانت خسارة بمليون مكسب
و إذا بالفرصة تتكرر و تجدد أمامه ثانيةً ، مع بعض الإختلافات البسيطة ، فرصة تموضعت بينه و بين أخيه ، فمن كان أسرع و أذكي من الأخر هو من سيظفر بها
لكنه ( قتيلها ) في جميع الأحوال ، لن يسمح أن تؤول إلي أخيه حتي لو من خلال علاقة عابرة غير شريفة ، سيأخذها سواء بمباركة المحيطون به أو بدونها .. فقد فعلها الأخ الأكبر قبله ، و هو لن يفعل شيئا سوي تكرار فعلته ، ضد أخيه الأصغر هذه المرة
و لكن هل حقا “عمر” علي دراية جيدة بتلك القصة ليقرر ذلك ؟ في الحقيقة لقد نصب الفخ لنفسه بيده ، الحقد لا غيره تكاثفت نيرانه فأعمته عن الحقيقة البينة ….
-خير يا عمر بيه ؟! .. قالتها “ساره” بلهجة صلبة و قد تحاشت النظر إلي عيناه تماما
-إيه الموضوع المهم إللي خليتني أكدب علي أخويا بسببه عشان خاطر أجي أقابلك هنا ؟؟
مشطها “عمر” بنظراته و هو يقول بنبرة رقيقة :
-طيب إقعدي يا ساره . هنتكلم و إحنا واقفين ؟ ماتخافيش إحنا في مكان عام . إللي حصل المرة إللي فاتت مش هيتكرر إطمني . مؤقتا بس .. و صمت بطريقة موحية
ليحمـّر وجهها غضبا ، فتتطلع إليه أخيرا صائحة :
-إنت عايز مني إيه ؟ من فضلك قول إللي عندك كله دلوقتي . أنا مستعجلة و ماعنديش وقت ليك
عمر بإبتسامة جذلي :
-أوك بس هدي أعصابك . أنا مش جايبك عشان نتخانق .. ممكن تقعدي يا ساره ؟ أنا مش هاخد من وقتك كتير
زفرت “ساره” بنفاذ صبر و جلست أمامه علي مضض ، ثم قالت بجمود :
-ها يا عمر بيه ! إتفضل إتكلم أنا سمعاك
عمر بلطف :
-طيب تشربي إيه الأول ؟
ساره بصرامة :
-مش عايزة أشرب حاجة . لو سمحت خلصني !
حافظ “عمر” علي إبتسامته و هو يمد يده داخل جيب سترته الجلدية الثمينة ، أخرج هاتفهها و وضعه أمامها قائلا بوداعة :
-أنا لاقيت موبايلك في أوضة جلنار هانم . كان فاصل شحن بس خته و شغلته . و لما فتحته لاقيت رقم بإسم صلاح متصل بيكي أكتر من 50 مرة
-صلاح ده أخويا .. هتفت “ساره” و هي ترمقه بعدائية
-أيوه عارف . إنتي قولتيلي قبل كده .. ثم قال بجدية :
-المهم يعني أنا كنت ناوي أخد رقمك من تيتة عشان أكلمك بنفسي . بس لما لاقيت موبايلك غيرت فكرتي و قلت أعمل حاجة تانية .. أتصل علي رقم أخوكي و أطلب منه يوصلني بيكي . و زي ما توقعت . إنتي ماجتيش سيرة له عن إللي حصل بينا
ساره بحزم :
-أنا ماجبتش سيرة عشان إنت إللي كنت هتتأذي . أخويا متهور و لو عملك حاجة أنا مش هبقي مبسوطة لما يتسجن أو يروح في الرجلين بسببك
أومأ “عمر” قائلا :
-فاهم فاهم . بس actually أنا ماكنتش بفكر بالطريقة دي يا ساره .. أنا كنت عايز أوصلك و أتكلم معاكي بأي شكل . مش عشان أعمل مشاكل معاكي أو مع أخوكي
ساره و قد أصابها الملل و الضيق الشديد :
-طب حضرتك عاوز مني إيـه بردو ؟ ممكن أعرف بقي ؟؟!!
صمت “عمر” للحظات ، ثم قال مستخدما كامل سحره و جاذبيته الرجولية كلها بين صوته و عينيه :
-ساره .. أنا عايزك معايا
-نعم ؟! .. تساءلت “ساره” ببلاهة ، ليكرر بنفس الطريقة :
-تقبلي تبقي معايا ؟
ساره بدهشة :
-أبقي معاك إزاي يعني !!
-تبقي معايا .. زي ما كنتي مع زياد أخويا
حملقت فيه بغضب مستعر ، كانت تتوقع هذا .. لكنها إنساقت معه بالحوار حتي تناست بغيته الحقيقية ، الخطأ لها هي إذن …
-إنت فعلا إنسان حـقير و أنا غلطانة إني عبرتك تاني و جيتلك برجلي !
هكذا تصايحت “ساره” منفعلة و قد إجتذبت أنظار رواد المكان نحوهما فورا …
قامت و أخذت هاتفهها و علقت حقيبتها علي كتفها ، ثم قالت و هي تستعد للرحيل :
-صحيح القذارة ليها ناسها . و سواء إنت أو أخوك فاكرين كل الناس قذرة زيكوا فبتطلبوا أي حاجة تيجي علي بالكوا .. بس العنوان غلط يا عمر بيه . يا محـترم
و تركته مهرولة إلي الخارج …
ألقي “عمر” ثمن طلباته علي الطاولة و تبعها راكضا
حاصرها بمنتصف الممر الخارجي و هو يقول بعذوبة :
-علي فكرة إنتي كل مرة تفهميني غلط . هو أنا ماينفعش أختبرك يعني ؟!
ساره بعصبية :
-إنت هتبعد عني و لا أصرخ و ألم الناس عليك ؟؟؟
عمر بنبرة ضاحكة :
-و إنتي لسا هتلمي ؟ إنتي ما شاء الله عليكي نبرة صوت تجيب ميدان التحرير . بس بردو عجباني
إستفزتها إبتسامته الغبية كثيرا ، فلكمته علي صدره و هي تهدر بشراسة :
-إنت إللي جيبته لنفسك . فاكرني بهزر ؟ طب و الله لأجبلك صلاح و إنت بقي ماتعرفش مين هو صلاح
و هنا قهقه “عمر” بمرح كبير ، ثم نظر لها قائلا بنعومة :
-تتجوزيني يا ساره ! …………… !!!!!!!!!!!!!
رواية إنذار بالعشق الجزء الثانى والعشرين #22
952 اجمالى المشاهدات, 2 اليوم