وقت القراءة المقدر: 13 دقيقة (دقائق)
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء الرابع عشر )
( 14 )
_ إنتقال ! _
إرتعشت “ساره” حين أمسكت بالهاتف ، إزداد إرتباكها و هي تري إسمه يتوسط الشاشة الصغيرة …
نظرت إلي “هيام” مجفلة ، لتقول الأخيرة بغرابة :
-إيه يابت مالك ؟ ما تردي في إيه ؟!
إزدردت “ساره” لعابها و قالت بتلعثم :
-هـ هارد يا هيام . خليكي مكانك طيب .. ده تليفون من الناس إللي بشتغل عندهم . هشوفهم عايزين إيه و رجعالك ! ..و قامت من السرير علي عجالة
لا زالت تشعر ببعض الإعياء ، مشت بترنح صوب الشرفة الصغيرة .. ألقت نظرة خاطفة نحو صديقتها ، ثم إنزوت خلف الستائر المهترئة و فتحت الخط الذي أوشك علي الإنقطاع …
-نعم ! .. هكذا ردت “ساره” بإقتضاب شديد
ليأتيها صوته الرجولي القوي مدغدغا حاستها السمعية :
-و ده إسمه إيه إن شاء الله ! حد يرد كده علي الصبح ؟ مافيش صباح الخير حتي ؟ إللي أعرفه إنك ذوق يا أنسة ساره !
قست تعابير “ساره”و هي ترد عليه بجفاء :
-أولا أنا ماكنتش ناوية أرد علي حضرتك أصلا .. يا عمر بيه . بس رديت عشان أقولك بعد إللي حصل منك ده أنا خلاص مستغنية عن الوظيفة . يغور الشغل ده إللي يخليني إتهان كده و إحمد ربنا إني مشيت من سكات منغير ما أعملك مشاكل أو حتي أقول لأخويا إللي لو كان عرف كان زماني بترحم عليك دلوقتي
عمر بنبرة معابثة :
-أولا إنتي ماتقدريش تمشي من الوظيفة طالما أنا ماقولتش كده . أنا عينتك و أنا بس إللي بإيدي أستغني عن خدماتك ..
ساره بغيظ ممزوج بالغضب :
-أما إنك بجح . لسا ليك عين تتكبر عليا ؟ بكره تشوف غرورك ده هايوصلك لإيـ آ …
-وفري الكلمتين من فضلك ! .. قاطعها “عمر” بلباقة ، و أكمل بخبث :
-أنا حافظهم . خليني أنا أتكلم شوية و أسألك السؤال إللي كان غايب عني من يوم ما قبلت إنك تشتغلي عندي
عبست “ساره” بإستغراب و لم ترد …
إستشعر “عمر” علامة إستفهامها دون تنطق ، فأحست هي بإبتسامة في صوته و هو يتابع :
-لما حضرتك مطلقة .. سبتيني ليه من أول مرة أقولك يا أنسة ؟ صحيح كان لازم أفهم بديهيا إنك مدام . لما شوفتك أول مرة بفستان الفرح و وصلتك للمستشفي بنفسي .. بس قلت طالما هي ماصححتش الغلط يبقي أنا صح !
ساره بجمود :
-طيب و أدي حضرتك عرفت إني مطلقة ؟ فرقت معاك أوي النقطة دي ؟ .. ثم قالت بحدة :
-و بعدين دي حاجة ماتخصكش أصلا . أنسة . مدام مطلقة مالكش فيه
عمر ضاحكا :
طيب إنتي إضايقتي كده ليه ؟ خلاص إنتي حرة طبعا و دي خصوصية و أنا بحترمها .. لكن الألقاب مالهاش علاقة بالخصوصية . دي حاجة أي حد بيقدم نفسه لازم يقولها
ساره بنفاذ صبر :
-طيب و أدي حضرتك عرفت و واضح إنك كشفت علي البطاقة زي ما قولتلي . بس خلاص أنا مابقتش محتاجة الشغل ده و بطاقتي هبعت حد من طرفي ياخدها من حضرتك و يا دار ما دخلك شر
صمت “عمر” لبرهة ، ثم قال بهدوء شديد :
-ساره . مش هتسيبي الشغل .. إنتهي النقاش بقي
-إنت أكيد آ ا ..
-لو سمحتي ! .. قاطعها بإلحاح ، و أكمل بصوت متردد :
-أنا آسف . و الله ماكنش قصدي أمد إيدي عليكي .. أنا عمري ما عملتها مع أي حد . إنتي بس جيتي في توقيت غلط . أنا ماكنتش شايف قدامي و كنت متعصب أوي . من فضلك يا ساره إقبلي إعتذاري المرة دي . أنا مش سهل عليا إتأسف و أبرر بالشكل ده . لولا بس حسيت إني غلط فيكي جامد !
أجفلت “ساره” و هي تفكر في كلماته الملبكة ، لا تنكر أن إعتذاره مس شيئا من دفاعتها .. جعلها تتقهقر دون شعور عن موقفها العدائي إزائه …
أطلقت زفرة متقطعة و تمتمت :
-عمر بيه .. إعتذارك مقبول . بس أنا آ ا …
-مش عايزك تردي بسرعة يا ساره ! .. قاطعها للمرة الثانية
-معاكي يومين . أنا مش طالب منك ترجعي من بكره .. ريحي في بيتك شوية و أنا مستنيكي . قصدي جلنار هانم مستنياكي . إنتي بقيتي عزيزة عليها أوي و في وقت قصير جدا
ساره بجدية :
-و أنا كمان حبيتها و الله .. ربنا يعلم !
-طيب خلاص . يبقي ماينفعش تزعليها بقي .. و تابع متنهدا :
-مش هطول عليكي أكتر من كده . و مرة تانية أنا آسف .. سلام ! … و أقفل الخط
تمتمت “ساره” و هي تبعد الهاتف ناظرة للخط المقطوع :
-سلام !
كانت ” هيام” هناك ، ما زالت قابعة فوق السرير بإنتظارها …
إلتفتت “ساره” لها ، رأتها ترمقها بنظرات شك ، فإفتعلت إبتسامة و هي تمشي نحوها قائلة :
-ده عمر بيه ياستي .. كان بيسأل أنا ماروحتش الشغل ليه إنهاردة
أومأت “هيام” و قالت بنبرتها الكسولة :
-و ماله ياختي . مش عيب .. طالما عمر بيه !
ساره بحدة :
-إيه ده ! قصدك إيه يعني ؟!
إبتسمت “هيام” و هي تقول بمكر :
-مش قصدي حاجة يا سوسو . ماتخديش في بالك .. أنا بتكلم و خلاص و لا كلامي زعلك لا سمح الله ؟
حدجتها “ساره” بنظرات محتقنة و قالت مزمجرة :
-طيب طالما ماتقصديش حاجة ياريت تسكتي . عشان مازعلش و أزعل منك حبيب القلب ! .. كانت إشارة صريحة لـ”صلاح”
برقت أعين “هيام” و هي تقبض علي يديها قائلة بتلهف :
-لأ ونبي . كله إلا حبيب القلب .. أنا آسفة يا سوسو
ساره مبتسمة بإلتواء :
-أيوه كده .. ناس ماتجيش إلا بالعين الحمرا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر عائلة “الرواي” …
تعود أفراد الأسرة عند إنتصاف النهار ، جميعهم عادوا .. حتي “زياد لم يمكث بالمشفي كما توقع البعض قبل الإطلاع علي حالته
علي كل لم تكن أصابته بليغة ، مجرد كسر بالساق اليمني و بعض الخدوش و السجحات التي سببها له الإحتكاك العنيف بالأسلفت …
كانت “جلنار” في إستقبالهم عند المدخل ، خلفها “عمر” وقف ممسكا بمقعدها المتحرك ، كان “سليم” واقفا بجواره أيضا .. فور أن رأي والده إنطلق راكضا صوبه ، ليفتح الأخير ذراعاه متلقيا إياه برحابة كبيرة …
-حمدلله علي السلامة يا زياد . سلامتك يا حبيبي ألف سلامة ! .. هكذا إحتفت “جلنار” بعودة حفيدها سالما ، كان القلق عليه يجلل وجهها فعلا
رماها “زياد” بنظرة ذاهلة ، كان يمشي بين أمه و أخيه “آسر” كلاهما يسنداه … رد عليها بعدم ثقة :
-الله يسلمك يا تيتة . معقول قاعدة هنا مستنياني ؟!
جلنار بتعجب :
-آيوه طبعا قاعدة مستنياك . هكون قاعدة لمين يعني ؟
-سلامتك يا زياد ! .. قالها “عمر” بإبتسامة فاترة
نظر له “زياد” و قال متنفرا :
-آه علي أساس إنها من قلبك يعني ؟ عموما الله لا يسلمك يا سيدي
-لأ ده إنت كمان عايز تتربي ! .. كان هذا صوت “نصر الدين”
بلحظة أنزل “سليم”علي قدميه و توجه نحو “زياد” مجتذيا إياه من تلابيبه و هو يصيح بعنف :
-يعني مش كفاية صايع و مستهتر لأ و زودت عليهم سافل و قليل الأدب ! و حياة أمي لأعلمك تتكلم كويس إزاي يا تربية و×× . و بالذات مع أخوك الكبير
تمسكت “يسرا” بذراع زوجها و هي تقول بتوتر ممزوج بالحدة :
-سيب الولد يا نصر إنت مش شايف هو عامل إزاي ؟!
نصر الدين بشراسة :
-يتأسف لأخوه الكبير دلوقتي يا إما مش هيحصل طيب
نخر “زياد” و هو يرد علي أبيه برعونة :
-أخويا الكبير واقف جمبي أهو . إبنك ده خليه ليك إنت شبعنا بقي كلام فارغ لا بيودي و لا بيجيب . إنت محموء عليه أوي براحتك عايز تبهدلني و تمد إيدك عليا و أنا شحط كده عشانه بردو براحتك بس حوار أتأسف ده تنساه . أنا مش بعتبره أخويا أصلا و كلمة سلامتك إللي قالها دي مش قابلها هي كمان شغل برو العتب ده ما يلزمنيـ آ …
بتر عبارته فجأة ، بسبب ذلك الكف الذي نزل علي وجهه من يد أبيه …
-إلحقهم يا آسر ! .. قالتها “آصال” و هي تشهق مذعورة ، بينما ظل “آسر” كما هو ، واقفا يراقب ما يجري بمنتهي البرود
لكن نظراته الموجهة إلي “عمر” لم تفلح كثيرا في إخفاء شرارات الحقد المستعرة … هزته “آصال” مغمغمة بإنفعال :
-ما تتحرك يا آسر مــالك ؟؟؟
-سيبه يا نصر ! .. هتفت “جلنار” بلهجة صارمة
إلتفت “نصر” نحوها و قال بعصبية :
-أسيب مين يا ماما ده أنا هكسر عضمه الليلة دي . يانا يا هو الكلب ده .. و كاد يتوجه إليه ثانيةً ليصب عليه جام غضبه
-قلت سيبه يا نصر ! .. كررت “جلنار” بحزم أشد ، و أكملت مقوسة شفتاها بتعبير مشمئز :
-كفاية كده . مش هتقدر تخلي زياد يحب أخوه غصب عنه .. و عموما يا زياد بيه . عمر كمان مش محتاجلك إنت لا هتزوده و لا هتنقصه . خليك فاهم كده كويس .. ثم أدارت وجهها نحو “عمر” و قالت :
-عمر . دخلني أوضتي يا حبيبي من فضلك !
إبتسم “عمر” و هو يومئ لها برأسه ، شمل إخوته بنظرة تهكمية أخيرة ، ثم أمسك بمقبضي الكرسي المتحرك و أخذ يدفعه بإتجاه غرفة جدته ….
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المساء … يخرج “صلاح” من المنزل حاملا في كلتا يداه حقيبتين كبرتين ، كانت سيارة أجرة في إنتظاره أمام الباب الخارجي مباشرةً
كانت أمه تملأ البيت صياحا الآن ، حين فاجأها بأخذ “ساره” معه لينتقلا معا في منزل أخر ، تجاهل إحتجاجاتها كلها و هو يضع الحقائب بجيب السيارة الخلفي ، إنتظر حتي خرجت “ساره” و هي تحمل حقيبة يد متوسطة
قبض علي ذراعها و فتح لها باب السيارة ، أجلسها بالمقعد الخلفي .. ثم جلس هو بجوار السائق ، لمح “زهرة” تقف علي عتبة البيت ، تبكي بحرارة و هي ترمق “ساره” بحزن شديد
ضخم نبرة صوته و هو يصيح بها موبخا :
-زهرة . خشي جوا 100 مرة أقولك ماشوفكيش في الشارع . علي جوا يابت !
أذعنت “زهرة” لرغبته في الحال و إستدارت عائدة للداخل و عيناها ملؤهما الدموع …
-أطلع ياسطي ! .. قالها “صلاح” و هو يلتفت للسائق
بضعة دقائق و توقفت السيارة أمام بناية عتيقة مؤلفة من طابق واحد ، نزلت “ساره” بأمر من “صلاح” .. راحت تنظر حولها مستكشفة ، الموقع لا يقل قذارة عن محل إقامتها الأول
فهذه حارة ، تشابه إلي حد كبير حارتها التي خلفتها ورائها منذ مدة قليلة … ربما الفرق هنا يكمن في هندسة البيوت ، فقد لاحظت بسهولة أن كل بيت مستقل بذاته .. حيث الطابق الواحد هو نفسه يتكرر من بناية لأخري و كأنها منطقة سكنية كتلك التي يطلق عليها ( Compound ) .. لكنه في الحقيقة لا يعدو كونه Compound عشوائي ، تحت البسيط …
و غادرت سيارة الأجرة ..
-البيت أهو . إمشي قدامي ! .. قالها “صلاح” و هو يدفع “ساره” بكتفه للإمام
-آه ! .. تأوهت “ساره” و هي تدرك نفسها بأخر لحظة قبل أن تسقط علي وجهها
إلتفتت نحو “صلاح” و نهرته :
-إيه الغباوة دي يا صلاح بالراحة كنت هتوقعني علي وشي !
صلاح بسخرية :
-لأ و وشك مش ناقص ياختي . ما شاء الله الزرقان منور و عامل شغل .. أموت و أشوف الأسفلت إللي سلم علي خدك
زمت “ساره” شفتاها و هي ترد بحنق :
-ماكنش أسفلت يا صلاح . قولتلك وقعت من فوق السلم .. الله !
-طب خلاص ماتتعصبيش أوي كده . سلم سلم . تعالي ورايا .. و تجاوزها ماضيا نحو البناية المتواضعة جدا
تبعته بخطوات متمهلة ، وضع الحقائب فوق الأرض ليخرج شيئا من جيبه ، كان مفتاح معدني متوسط .. أمسك به بين أصابعه و دفعه بالقفل الصدئ ، إستخدم قوته قليلا و هو يقوم بعدة محاولات لفتح الباب .. نجحت إحداهم فتنحي جانبا داعيا “ساره” للدخول :
-خشي !
تنفست “ساره” بعمق ، نظرت له لبرهة ، ثم مدت ساقها اليمني و دخلت و هي تهمس :
-بسم الله الرحمن الرحيم !
كانت العتمة تلف المكان ، إلي أن ضغط “صلاح” زر الإنارة .. سبحت الغرفة بالضوء ، نعم ، فقد كانت غرفة واسعة بعض الشئ … حوت بداخلها سريران متباعدان تفصلهما ستارة خفيفة
و في الواجهة المقابلة صالون صغير ، صحيح أنه بالي و لا ينفع بشئ .. لكنه موجود عند الحاجة
كانت “ساره” مستغرقة في تآملاتها ، إلي أن قفز “صلاح” أمامها فجأة و قد بدأ يشير بيده مرشدا إياها :
-بصي بقي . البيت بسيط زي ما أنتي شايفة .. هو ضيق آه بس يساعنا إحنا الإتنين . ده المطبخ … و أشار إلي رقعة ضئيلة جدا خلفها
-و ده الحمام و دي الصالة . سريرك ده إللي هناك علي الشمال جمب الحمام علطول . إصبري عليا يومين كده و هكون جايبلك تلفزيون عشان يسليكي و إنتي قاعدة لوحدك
-إنت عملت ده كله ليه يا صلاح ؟ .. قالتها “ساره” بتساؤل
صلاح بجدية :
-عشان أحميكي
-تحميني من مين ؟
-من وصفي و مجيدة .. أمي بالذات
ساره بإبتسامة :
-يعني إنت ماكنتش تقدر تحميني و أنا وسطهم ؟!
زفر “صلاح” و أجابها مطرقا :
-كنت قدرت في أول مرة . لما أستغلوا بعدي عنك و راحوا جوزوكي من ورايا .. ثم نظر لها و أكمل بثقة :
-بس خلاص . من دلوقتي محدش فيهم هيقدر يهوب ناحيتك .. إحنا هنا في منطقة الريس هاشم . و إنتي هنا تحت حميته طول ما أنا بعيد عنك
ساره بإستغراب :
-مين الريس هاشم ده ؟
-ده راجل بيني و بينه شغل كبير شوية . تقدري تقولي شركا و هو مستعد يخدمني برقبته
ساره بقلق :
-شركا في إيه بالظبط يا صلاح ؟ أوعي تكون شغال في حاجة شمال !
صلاح مستنكرا :
-شمال إيه يا هبلة إنتي ؟ أنا بتاع الكلام ده بردو ؟ ده شغل إنتي ماتفهميش فيه
تنفست “ساره” الصعداء و قالت :
-طيب الله يكرمك . ريحت قلبي !
و هنا سمعا قرعا علي باب البيت ………….. !!!!!!!!!!!
يتبــــع ……
رواية إنذار بالعشق الجزء الخامس عشر للكاتبه مريم غريب #15
1,116 اجمالى المشاهدات, 2 اليوم
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه الروايه لحضراتكم
Pingback: رواية إنذار بالعشق الجزء الثالث عشر للكاتبه مريم غريب #13 - Reel-Story - رييل ستورى