وقت القراءة المقدر: 9 دقيقة (دقائق)
رواية إنذار بالعشق للكاتبه #مريم_غريب
{ #إنـذار_بالـعشق }
( الجزء السابع )
( 7 )
_ غموض ! _
ييدو أنها بالغت كثيرا في إستفزازه ، تعابيره الباردة تضطرب بشدة الآن ، تستطيع أن تري الأمواج الزرقاء بعيناه تستعر إلي حد خطير …
و فجأة يثب “عمر” واقفا علي قدميه و هو يهتف بصرامة لا تخلو من الغضب :
-بـرا . إطلعي برا حالا يا أنسة قبل ما تشوفي مني إللي مش هيرضيكي أبدا !1
إزدردت “ساره” ريقها و هي تطالعه بنظرات خائفة ، قامت هي الأخري لتقف في مواجهته ، بالكاد كانت تصل إلي مستوي كتفه … رفعت رأسها و نظرت له ، أرادت أن تبدو غاضبة ، لكن فعليا صوتها كان يتوسل إليه و هي تقول :
-عمر بيه .. لو سمحت . أرجوك . إنت ماتعرفش الشغلانة دي بالنسبة لي إيه . أنا حياتي بقت واقفة عليها . صدقني أنا مش بكدب عليك و لا حتي كان قصدي أهددك من شوية. أنا آسفة .. إنفعلت في لحظة يأس . أرجوك إفهمني أنا محتاجة الشغلانة دي . أديني فرصة !
تنهد “عمر” بعمق و حدق بالأرض للحظات طويلة .. تلوت شفتاه قليلا ، و عندما تطلع إليها كانت عيناه مختلفتين هذه المرة ، جامدتين ساكنتين كبركة جليد ذات سطح ساطع رقيق و جميل جدا لكنه خطير جدا جدا …
-أنسة ساره أنا بقالي كتير بحاول أفهمك ! .. نطق “عمر” كلماته بلطف غريب ، و تابع بجدية :
-جدتي مش محتاجة جليسة تخدمها أو تراعيها و خلاص . لو كانت محتاجة لكده ماكناش نشرنا الإعلان و إحنا هنا في قصر الراوي ماعندناش أكتر من الخدم و كلهم تحت رجليها و جاهزين لخدمتها طول الـ24 ساعة .. جلنار هانم محتاجة لواحدة تكون مواكبة عقلتيها المثقفة و يكون بينهم و بين بعض لغة حوار مشتركة .. يعني مثلا . تيتة اليومين دول مهتمة بقضية تظاهرات الـRed scarves و الـYellow jackets ( الأوشحة الحمراء و السترات الصفراء )
إنتي تعرفي إيه الحاجات دي بالظبط ؟ لو هي سألتك هتعرفي تجاوبيها ؟!1
تخاذلت لمعة التصميم بعينها في هذه اللحظة ، كانت تعلم أنه محق … مهما قال فهو محق و هي تعرف منذ البداية أنها ليست جديرة بهذه الوظيفة ، لكن عجيب ، أنها ما زالت متمسكة بذلك الأمل البعيد ….
-أنا عارفة إن فيا أكتر من سبب يخلي حضرتك أو أي حد غيرك يرفضني في شغل زي ده !2
هكذا إعترفت “ساره” بمنتهي السهولة و الثبات ، تفاجأت من درجة عقلانية صوتها ، لكنها أكملت علي نفس النحو :
-بس أنا بطلب منك تديني فرصة .. أنا عايزة فرصة واحدة و أوعدك لو مانفعتش همشي . همشي من نفسي قبل حتي ما حضرتك تنطقها1
ساد الصمت … رمقها “عمر” بنظرة مطولة ، بدا كأنه لن يتكلم أبدا ، مما أشعرها بسخف ما تفعله ، لا داعي لأن تحرج نفسها أكثر من ذلك فعلي ما يبدو هو لن يغير رأيه مطلقا ….3
لكنه تكلم أخيرا ، فقال بتلك النبرة الغامضة التي يشوبها القليل من عجرفته الدائمة :
-يعني أنا لو قبلت أشغلك هيكون عشان أديكي الفرصة إللي بتلحمي بيها .. بس هيفضل سؤال . أنا إستفدت إيه لو فشلتي أو حتي نجحتي ؟!!
نظرت له بإنكسار ، نظرة دامت لثوان ثم إختفت لتحل محلها القوة الواهية …
-يعني حضرتك مش موافق بردو ؟ .. تساءلت بنبرة متماسكة
كانت تنتظر إجابته الحاسمة ، و كانت تعتزم الرحيل مئة بالمئة … إلي أن قال بلهجته الجافة :
-من بكره يا أنسة . تيجي عشان تستلمي شغلك !
……………………………………………………………………….
في صالون الجناح الخاص بـ”نصر الدين” و زوجته ….
جلست “يسرا” متأففة أمام إبنيها …. كانت بالفعل متوترة و هما لا ينفكان يزيدانها توترا و قلقا ، تلك الكوابيس لن تنتهي أبدا من وجهة نظرها ..
-أنا حاسس إن أنا بكلم نفسي ! .. صاح “زياد” منفعلا و هو يلتفت نحو أمه و شقيقه الكبير
كان “آسر” يجلس مقابل أمه واضعا ساق فوق ساق ، بدا باردا علي عكس ما كان عليه حقا في داخله ..
نظر إلي “زياد” و رد بهدوء متكلف :
-هو إنت ممكن تهمد شوية ؟ فكرك حاجة هتتغير لو فضلت تشيل و تهبد في نفسك كده ؟!
زياد بعصبية :
-ما إنتوا ساكتين من الصبح و مش عارف أخد منكوا حق و لا باطل . إنتوا عارفين يعني إيه عمر يرجع تاني ؟ يعني هينتقم مننا كلنا و هيحط بابا ده في جيبه و ساعتها محدش فينا هيطول حاجة . مش بس إنت يا آسر . كـلنـــا هنبقي ضحايا عمر باشا
آسر بحدة :
-أبوك مايقدرش يعمل حاجة زي دي لعمر
زياد بصياح أشد غضبا :
-و إنت عرفت منين ؟؟؟ دي البداية زي ماسمعت إنه هينزل معانا الشغل و شوف لما ينزل بقي هيعمل فينا إيه ! و تقولي أبوك مايقدرش يعمله حاجة ؟ جايب الثقة دي منين ؟؟!!
آسر بسخرية :
-أنا واثق كده عشان فاهم دماغ أبوك . شكلك نسيت عمر ده يبقي بالنسبة له إيه .. العين الجوانيا زي ما بيقولوا . إطمن يا زياد . أبوك بيخاف أووي علي المحروس و إستحالة يجي علينا عشانه . لأنه متأكد إننا مش هنسكت
-أخوك بيتكلم صح ! .. قالتها “يسرا” و هي تصوب نظراتها الفاترة نحو “زياد”
-نصر عمره ما هيغامر بعمر . ده حبيب قلبه و من ريحة الغالية . الست هانم إيلين .. خليك متأكد يا زياد مهما حصل عمر مش هاياخد حاجة أكتر منكوا . خليك واثق من ده
صمت “زياد” بتفكير ، ثم قال بعدم إقتناع :
-لأ أنا مش مقتنع بأفكاركوا الصراحة . ده واحد أخوه علم عليه و خد منه حبيبته و إتجوزها .. و أشار نحو “آسر” ، ثم أشار لنفسه مكملا :
-و العبد لله مارتحش إلا لما خد مكانه في الشغل و ست الكل يسرا هانم ماكانتش بتفوت فرصة إلا و كانت بتشحن نصر باشا ضده كل شوية سواء بينها و بينه أو قدام الكل . يعني من الأخر البيت ده كله بالنسبة لعمر مش بيت عيلة . لأ ده إحنا كلنا أعدائه و مش هيتردد أبدا لو جت الفرصة عشان ينتقم مننا واحد ورا واحد
يسرا بإستخفاف :
-لأ إنت مكبر الموضوع زيادة عن اللزوم . في إيه يا واد ما تنشف كده و خليك زي أخوك آسر . و بدل ما تفكر في الأستاذ عمر ده كل شوية و تديله أكتر من حجمه فكر إزاي تبقي أعلي منه . فكر إزاي تقلل غلاوته في قلب أبوك و ماتنساش أنكوا أغلبية و أخوك آسر الكبير يعني بعد عمر طويل لأبوك كل حاجة هتبقي تحت تصرفه هو مش تحت تصرف عمر
زياد بضيق شديد :
-و الله معتز هو الوحيد إللي خادها ما قصيرها و طفش . سابلكوا الجمل بما حمل طلع بيفهم
آسر بتهكم :
-أه طلع بيفهم أوي . لما سحب من أبوك مبلغ و قدره و سافر عشان يعملهم برا .. أكيد بيفهم هو لو ماكنش بيفهم كان ده بقي حاله دلوقتي !!
يسرا و هي تزجره بتوبيخ :
-جرا إيه يا آسر ! بتبص لأخوك ؟ . ده بدل ما تفرح بيه و تقف جمبه ؟!
آسر بإبتسامة ملتوية :
-أنا مش ببص لمعتز يا سوسو . ده أخويـا .. أنا بس بفهم الباشا الصغير إن محدش فينا مش بيمشي ورا مصلحته
-يعني إيه ؟ .. قالها “زياد” بتساؤل و هو يحدق فيه بقوة
نظر له “آسر” و قال بصرامة :
-يعني في كل الأحوال محدش هيهمل عمر . و أنا بالذات هكون الشوكة إللي هتقف في زوره لو حاول يتنفس وسطنا بس !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان الوقت عصرا عندما عادت “ساره” إلي منطقتها الشعبية …
أنزلها سائق التاكسي علي مقدمة الحارة ، أعطته الأجرة و نزلت ، و بينما كانت تضع بقية النقود بحقيبتها .. تبعتها نظرات لشاب يقف ضمن حلقة من أصدقائه و ساكني المنطقة
عض الشاب علي شفته السفلي بقوة و هو يتأمل ملامحها الناضجة و شفتها المطلية بالحمرة الخفيفة ، إنزلاق الحجاب الوشيك عن شعرها الغامق ، لطالما كانت سيئة في إحكام ربطه … لم تنتبه لنظرات الأخير و كانت تمشي مطمئنة ، فهي بعقر دارها وسط جيرانها ( الجدعان ) حتي لو كانوا جميعهم لصوص و مجرمين ، لكنهم يتواجدون لأجل بعضهم بعض ….
-الواد حمادة رايح فين ؟ .. قالها أحد الشباب الواقفين حين إنسل رفيقهم من بينهم فجأة
رد “فرد” ثاني و هو ينظر نحو المدعو “حمادة” :
-ده ماشي بيتحنجل ( ببطء ) . شكله قاطر واحدة !
دقق “فرد” ثالث في المشهد جيدا ، ليصيح بهلع :
-يا نهارد إسـووود . الواد حمادة ماشي ورا البت سـاره
الأول : مين ساره دي ؟!
الثالث بمزيد الرعب :
-ساره بنت الريس وصفي !
الثاني بذعر :
-يانهار أغبر أخت صــــلاح ؟؟؟!!! .. إجرررررري هاته بسرعة . إلحقه يالا قبل ما حد يشوفه !!
علي الطرف الأخر … أسرعت “ساره” من سيرها الآن ، عندما تأكدت من إتباع _ إحدي الكائنات الضالة لها _ ، كانت تتعثر بين الحين و الأخر و هي تستمع بتنفر إلي الكلمات الرذيلة المعتادة :
-إيه يا جميل ؟ . طب نظرة . طب كلمة . طب إبتسامة .. إنتي من هنا يعني ؟ أنا ممكن أستناكي علي الإمة أخد رقمك و نتعرف براحتنا . ما تقفي يا قمر و قوليلي أي حاجة !
تلتفت “ساره” نحوه في هذه اللحظة ، كان وجهها محتقن بشدة فإنفجرت بصوت هادر:
-أنا مش هقولك حاجة أنا هفرج عليك المنطقة كلها لو ما لمتش نفسك و مشيت من هنا !!
الشاب بوقاحة :
-تفرجي إيه علي مين يا بت ؟ إنتي هتستشرفي عليـا ؟ كنتي عملتي الشويتين دول علي إللي إداكي أجرة التاكسـ آ اا ….
و فجأة إنقطعت عبارته ………….. !!!!!!!!!!!!!
يتبــــع …..
رواية إنذار بالعشق الجزء الثامن للكاتبه مريم غريب #8
947 اجمالى المشاهدات, 2 اليوم
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه الروايه لحضراتكم
Pingback: رواية إنذار بالعشق الجزء السادس للكاتبه مريم غريب #6 - Reel-Story - رييل ستورى