dark

رييل ستوري | لطائف من كتاب الداء والدواء (1)

لطائف من كتاب الداء والدواء (1)

(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن من أنفع الكتب في علاج أدواء القلوب كتابَ العلَّامة ابن القيم المشهور باسم: “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”، والذي سُمِّي أيضًا: “الداء والدواء”، ولا عجب في ذلك؛ فمؤلِّفه رحمه الله من أمهر أطباء القلوب، وأعرفهم بأسقامها وما يصلح لها من دواء، مُنتهجًا في طبِّه نهجَ السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ بالرجوع لكتاب الله المنزِّل هدًى ورحمةً وشفاءً للمؤمنين، وسُنَّة نبيِّه المبعوث رحمةً للعالمين.

 

والكتاب إنما جاء جوابًا لاستفتاء وَرَدَ على مؤلفه رحمه الله، قال فيه السائل: “ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل ابتُلِيَ ببليَّة، وعلِم أنها إن استمرت به، أفسدت عليه دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما تزداد إلا توقُّدًا وشدةً، فما الحيلة في دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟”، بَيدَ أن السائل هنا لم يُسمِّ البليَّة، ولم يخبر عن ماهيتها، فما كان من ابن القيم رحمه الله إلا أن ألَّف في الرد على هذا الاستفتاء فصولًا طوالًا شافياتٍ، استعرض فيها أمراض القلوب، شارحًا أسبابها وأعراضها، وسُبُلَ علاجها والوقاية منها.

 

والإجزال في إجابة السائل ليس بغريب عنه، فهو دَيْدَنُه وديدن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه؛ كما قال في مدارج السالكين: “الجود بالعلم وبذله، وهو من أعلى مراتب الجود، والجود به أفضل من الجود بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال، والناس في الجود به على مراتب متفاوتة، وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ ألَّا ينفع به بخيلًا أبدًا.

 

ومن الجود به: أن تبذله لمن لم يسألك عنه، بل تطرحه عليه طرحًا.

 

ومن الجود به: أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيتَ له جوابها شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفُتيا «نعم» أو «لا»، مقتصرًا عليها.

 

ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك أمرًا عجيبًا: كان إذا سُئِل عن مسألة حُكْمِيَّة، ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر عليه، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته.

 

وهذه فتاوَاه بين الناس، فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك.

 

فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظيرها ومتعلقها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه”.

 

وقد قمت – بفضل من الله – بالوقوف على لطائف هذا الكتاب القيِّم، وجمعِها في سلسلة من المقالات، سائلًا المولى سبحانه وتعالى التوفيقَ والسداد.

لكل داء دواء:

حيث ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً)).

 

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصيب دواءُ الداءِ، بَرَأ بإذن الله)).

 

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أسامة بن شريك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لم يُنزِل داءً إلا أنزل له شفاءً، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله)).

 

وفي لفظ: ((إن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً أو دواءً، إلا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول الله، ما هو؟ قال: الهَرَمُ))؛ [قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح].

 

وهذا يعُمُّ أدواء القلب والروح والبدن، وأدويتها.

القرآن كله شفاء:

وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت: 44].

 

وقال: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]، و”من” ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء، كما قال في الآية الأخرى؛ فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والرَّيب، فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاءً قط أعمَّ ولا أنفع، ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن، ولو أحْسَنَ العبدُ التداويَ بالفاتحة[1]، لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء.

 

ومكثتُ بمكة مدةً تعتريني أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصِف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان كثيرٌ منهم يبرأ سريعًا.

 

ولكن ها هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له؛ وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحلِّ، وقوة هِمَّةِ الفاعل وتأثيره، فمتى تخلَّف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قويٍّ فيه يمنع أن ينجَعَ فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية؛ فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثرَه، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تامٍّ، كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرُّقى والتعاويذ بقبول تامٍّ، وكان للراقي نفسٌ فعَّالة وهمة مؤثِّرة، أثَّر في إزالة الداء.

 

أسباب تخلف أثر الدعاء:

وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله؛ لِما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقتَ الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًّا، فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها[2].

 

فهذا دواء نافع مُزيل للداء، ولكن غفلة القلب عن الله تُبطل قوله.

 

وكذلك أكل الحرام يُبطل قوته ويضعفها[3].

 

الدعاء من أنفع الأدوية:

والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخفِّفه إذا نزل.

ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء؛ وفي كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال: “قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلًا إلا رجلًا في البحر على خشبة، فهو يدعو: يا رب يا رب، لعل الله عز وجل أن ينجِّيَه”.

 

ومن الآفات التي تمنع ترتُّب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر، ويَدَعَ الدعاء، وهو بمنزلة من بَذَرَ بذرًا، أو غرس غراسًا، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه، تركه وأهمله[4].

 

شروط قبول الدعاء:

وإذا جمع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة؛ وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًّا له، وتضرعًا ورقةً، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملَّقه، ودعاه رغبةً ورهبةً، وتوسَّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدَّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرَدُّ أبدًا، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مَظِنَّة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم[5].

 

قد يُستجاب الدعاء للأحوال المقترنة به، لا لسرٍّ في لفظه:

وكثيرًا ما تجد أدعيةً دعا بها قومٌ، فاستُجيب لهم، ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه، وإقباله على الله، أو حسنة تقدمت منه جَعَلَ الله سبحانه إجابة دعوته شكرًا لحسنته، أو صادف وقت إجابة ونحو ذلك، فأُجيبت دعوته، فيظن الظانُّ أن السرَّ في لفظ ذلك الدعاء، فيأخذه مجردًا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي، وهذا كما إذا استعمل رجلٌ دواءً نافعًا في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، فانتفع به، فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده كافٍ في حصول المطلوب، كان غالطًا، وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس.

 

ومن هذا أنه قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيُجاب، فيظن الجاهل أن السر للقبر، ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله، فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله، كان أفضل وأحبَّ إلى الله.

 

الدعاء كالسلاح، والسلاح بضاربِهِ لا بحدِّه فقط:

والأدعية والتعوُّذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربِهِ لا بحدِّه فقط، فمتى كان السلاح سلاحًا تامًّا لا آفةَ به، والساعدُ ساعدًا قويًّا، والمانع مفقودًا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة، تخلَّف التأثير.

 

فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل الأثر.

 

بين الدعاء والقَدَر:

وها هنا سؤال مشهور؛ وهو أن المدعوَّ به إن كان قد قُدِّر لم يكن بدٌّ من وقوعه، دعا به العبد أو لم يَدْعُ، وإن لم يكن قد قُدِّر لم يقع، سواء سأله العبد أو لم يسأله.

 

فظنت طائفة صحة هذا السؤال، فتركت الدعاء، وقالت: لا فائدة فيه، وهؤلاء مع فَرْطِ جهلهم وضلالهم متناقضون، فإن طَرْدَ مذهبهم يُوجِب تعطيل جميع الأسباب.

 

فيُقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قُدِّرا لك، فلا بد من وقوعهما، أكلت أو لم تأكل، وإن لم يُقدَّرا لم يقعا، أكلت أو لم تأكل.

 

وإن كان الولد قُدِّر لك فلا بد منه، وَطِئتَ الزوجة والأَمَةَ أو لم تَطَأْ، وإن لم يُقدَّر لم يكن، فلا حاجة إلى التزوج والتسرِّي، وهلم جرًّا.

 

فهل يقول هذا عاقلٌ أو آدمي؟ بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قِوامه وحياته، فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام، بل هم أضل سبيلًا.

 

وتكايَسَ بعضهم، وقال: الاشتغال بالدعاء من باب التعبُّد المحض، يُثيب الله عليه الداعي، من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما، ولا فرق عند هذا الكَيسِ بين الدعاء وبين الإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب، وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت، ولا فرق.

 

وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء: بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه أمارةً على قضاء الحاجة، فمتى وُفِّق العبد للدعاء، كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قُضِيَت، وهذا كما إذا رأينا غيمًا أسودَ باردًا في زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يُمطر.

 

قالوا: وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب، لا أنها أسباب له.

 

وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحريق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل، ليس شيء من ذلك سببًا ألبتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا مجرد الاقتران العادي، لا التأثير السببي.

 

وخالفوا بذلك الحس، والعقل، والشرع، والفطرة، وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء!

 

والصواب أن ها هنا قسمًا ثالثًا غير ما ذكره السائل، وهو أن هذا المقدور قُدِّر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يُقدَّر مجردًا عن سببه، ولكن قُدِّر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأتِ بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قُدِّرَ الشبع والري بالأكل والشرب، وقُدِّر الولد بالوطء، وقُدِّر حصول الزرع بالبذر، وقُدِّر خروج نفس الحيوان بذبحه، وكذلك قُدِّر دخول الجنة بالأعمال، ودخول النار بالأعمال.

ترتيب الجزاء على الأعمال يزيد في القرآن على ألف موضع:

وقد رتَّب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة، وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال، ترتيب الجزاء على الشرط، والمعلول على العلة، والمسبَّب على السبب، وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع[6].

 

وبالجملة، فالقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتُّب الجزاء بالخير والشر والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب، بل ترتُّب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال.

 

ومن فقِهَ هذه المسألة، وتأمَّلها حقَّ التأمل، انتفع بها غاية النفع، ولم يتَّكِل على القدر جهلًا منه وعجزًا وتفريطًا وإضاعةً، فيكون توكله عجزًا، وعجزه توكلًا.

 

بل الفقيه كل الفقيه الذي يرُدُّ القَدَرَ بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر، بل لا يمكن الإنسان يعيش إلا بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنول المخاوف والمحاذير هي من القدر، والخَلْقُ كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر.


[1] ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: ((انطلق نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سَفْرَةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبَوا أن يضيفوهم، فلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعَوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا؛ لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتَوهم، فقالوا: أيها الرهط، إن سيدنا لُدِغَ، وسعَينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأَرْقِي، ولكن والله استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ، حتى تجعلوا لنا جُعْلًا.

فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتْفُل عليه، ويقرأ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، فكأنما نُشِطَ من عِقالٍ، فانطلق يمشي، وما به قَلَبَةٌ، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا نفعل، حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر بما يأمرنا، فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: وما يُدريك أنها رُقْيَة؟ ثم قال: قد أصبْتُم، اقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا)).

فقد أثَّر هذا الدواء في هذا الداء، وأزاله حتى كأن لم يكن.

[2] كما في صحيح الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاهٍ)).

[3] كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يُطيل السَّفَرَ أشعثَ أغْبرَ، يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟)).

[4] في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول: دعوت، فلم يُستَجَبْ لي)).

وفي صحيح مسلم عنه: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحِمٍ، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوتُ وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء)).

[5] منها ما في السنن وصحيح ابن حبان، من حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يُولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: لقد سأل اللهَ بالاسم الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب)).

وفي لفظ: ((لقد سألت الله باسمه الأعظم)).

وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضًا، من حديث أنس بن مالك: ((أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، ورجل يصلي، ثم دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنَّان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى)).

وأخرج الحديثين الإمامُ أحمد في مسنده.

[6] فتارةً يرتِّب الحكم الخبريَّ الكوني والأمري الشرعي على الوصف المناسب له؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف: 166]، وقوله: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: 55]، وقوله: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38]، وقوله: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب: 35] إلى قوله: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35]، وهذا كثير جدًّا.

وتارةً يرتِّبه عليه بصيغة الشرط والجزاء؛ كقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال: 29]، وقوله: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11]، وقوله: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن: 16]، ونظائره.

وتارة يأتي بلام التعليل؛ كقوله: ﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29]، وقوله: ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].

وتارة يأتي بأداة (كي) التي للتعليل؛ كقوله: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7].

وتارة يأتي بباء السببية؛ كقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [الأنفال: 51]، وقوله: ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 43]، و﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129]، وقوله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف: 146].

وتارة يأتي بالمفعول لأجله ظاهرًا أو محذوفًا؛ كقوله: ﴿ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة: 282]، وقوله: ﴿ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172]، وقوله: ﴿ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا [الأنعام: 156]؛ أي: كراهة أن تقولوا.

وتارة يأتي بفاء السببية؛ كقوله: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس: 14]، وقوله: ﴿ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً [الحاقة: 10]، وقوله: ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [المؤمنون: 48]، ونظائره.

وتارة يأتي بأداة (لمَّا) الدالة على الجزاء؛ كقوله: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف: 55]، ونظائره.

وتارة يأتي بإن وما عملت فيه، كقوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90]، وقوله في ضد هؤلاء: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء: 77].

وتارة يأتي بأداة (لولا) الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها؛ كقوله: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات: 143، 144].

وتارة يأتي بـ(لو) الدالة على الشرط؛ كقوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء: 66].



✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | الهدية فضلها وفوائدها

Next Post

رييل ستوري | استجابة الله تعالى لدعائه على الرجل الذي أكل بشماله تكبرا

Related Posts