dark

رييل ستوري | فضل أشهر الحج وعشر ذي الحجة (خطبة)

فضل أشهر الحج وعشر ذي الحجة

من حكمة الله تعالى أن جعَل الحج في مكانٍ مخصوص ووقت مخصوص، كما قد جعل سبحانه الحج من أعظم الشهور، وجعل أيامها كذلك من أعظم الأيام، وقد أقسم بها لعظمها، فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2]، وقد قال النبي المصطفى – عليه الصلاة والسلام – في شأنها: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، وعلى هذا فإنه يُندب إلى الأعمال الصالحة على إطلاقها في هذه الأيام.

 

قال الإمام النووي عن صيام الأيام العشر:أنَهُ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا“، وقد كان سعيد بن جبير إذا دخل العشر الأخير اجتهد اجتهادًا كبيرًا، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ومما يندب إلى فعله في العشر الأوائل من ذي الحجة الإكثار من التكبير، فالتكبير عبادة تكاد أن تكون اليوم مهجورة عند الناس، فقد أورد الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ».

 

ومن الصيغ الواردة في التكبير أن يقال: “اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ”، وهذه الصيغة المشهورة، كما يُستحب الجهر بالتكبير، وقد كان أبو هريرة وابن عمر يفعلانه.

 

ولا ننسى أيها الإخوة الموحدون أن في أيام عشر ذي الحجة يوم عرفة الذي قال فيه النبي – الصلاة والسلام: “صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده”، وقال أيضًا: “ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟”.

 

وقد جاء في مسند الإمام أحمد من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي بإسناد لا بأس به أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا“.

 

عباد الله، هناك أحكام مهمة تتعلَّق بعشر ذي الحجة ومن هذه الأحكام أن الذي ينوي أن يضحي فعليه ألا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، حتى يذبح أضحيته يوم عيد الأضحى، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدُكم أن يضحِّي، فلا يَمسَّ من شعره وبشره شيئًا»، قال النووي في كتابه المجموع: “مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي”.

 

2-  فضل فريضة الحج:

واعلموا أيها الإخوة الكرام أن الله تعالى قد شرع فريضة الحج في هذه الأيام، ولم يخص هذه الأمة فقط بهذه الشعيرة، بل أمر بها الأنبياء والمرسلين وأتباعهم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا [الحج: 26]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127]، قال المفسرون: “فأجابَ الله تعالى دُعاءَهما، فبعَثَ جبريل فأراهما المناسِكَ”؛ اهـ.

 

كما دلت السنة النبوية أيضًا على أن الحج كان مفروضًا على الأمم التي كانت من قبلنا؛ فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “سِرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال: «أي واد هذا؟»، فقالوا: وادي الأزرق، فقال: «كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فذكر من لونه وشعره شيئًا لم يحفظه داود، واضعًا إصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله بالتلبية، مارًّا بهذا الوادي»، قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية، فقال: «أي ثنية هذه؟» قالوا: هرشى – أو لفت – فقال: «كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، خطام ناقته ليف خلبة، مارًّا بهذا الوادي ملبيًا». إن هذا الحديث وغيره يدل على أن الحج قد فُرض على الأمم التي كانت من قبلنا، وأنه ليس خاصًّا بهذه الأمة، فهو امتداد لشريعة إبراهيم عليه السلام.

 

ومما يدل على فريضة الحج وفضلها من القرآن الكريم أيضًا قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج: 27]، فقوله تعالى: (يأتوك رجالًا)؛ أي: يسعون على أقدامهم، وركوبًا، وقوله: «وعَلى كُلِّ ضامِرٍ» جَهِده السير، فضَمِرَ من الجهد والجوع، قال المفسرون: “إن الجبال تطامنت حتى وصل صوته إلى الأرض كلها، وأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء”، ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسيره لهذ الآية أنه قال: “تَمنيت لو أني حججت ماشيًا؛ لأن الله قدَّم المشاة”، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد ولا قتال فيه الحج والعمرة)؛ رواه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح.

 

وأما عن فضل هذه الفريضة التي تُعد من أركان الدين، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”، والحج أيضًا من أفضل الأعمال، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “أفضل الأعمال: إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور»، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: “الحُجَّاجُ والعُمَّارُ وفدُ الله، إن دعَوه أجابَهم، وإن استغفَرُوه غفَرَ لهم».

 

3- حِكَمُ الحج:

فإن للحج حكمًا كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

أولًا: أن الحج سفر بالروح والبدن إلى الله تعالى.

 

ثانيًا: أن الحج يذكِّرنا بالسفر من دار الدنيا إلى دار الآخرة.

 

ثالثًا: أن في الحج يحصل التعارف بين الحجاج وتبادل الخبرات والتجارة فيما بينهم؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 28].

 

رابعًا: أن في الحج تحصل التجليات الإيمانية للحجاج، وخاصة يوم عرفة، قال ابن تيمية: “الحجيجُ عشيةَ عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمانِ والرحمة والنور والبركة، ما لا يمكن التعْبير عنه”؛ ا.هـ.

 

خامسًا: أن لباس الإحرام في الحج بالنظر لبياض لباس الإحرام للرجال، يذكرنا بالكفن الذي سيودِّع فيه العبد هذه الدنيا الفانية.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:

اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهاكم عنه وزجر؛ لقوله جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

 

ختامًا أيها الإخوة المؤمنون، فإن اجتماع صعيد عرفات لهو مشهدٌ عظيم يذكرنا بذلك اليوم الرهيب، اليوم الذي تشيب فيه مفارق الولدان، وتَذهل فيه كلُّ مرضعة عما أرضَعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.

 

عباد الله، يذكِّرنا الاجتماع على صعيد عرفات أيضًا أن أمتنا واحدة، وأن ربنا واحد، وهذا أمر يجب على الأمة أن تتنبَّه إليه، فقد كثُرت بينها اليوم الشِّقاقات، وتعاظمت الخلافات، وكثرت النِّزاعات.

 

اللهم وحِّد كلمة المسلمين، وأعلِ رايتي الحق والدين، اللهُمَّ صلِّ عَلى مُحَمْدٍ وأزواجِهِ وذريَّتهِ، كمَا صلَّيتَ عَلى آلِ إبراهيمَ، وبَارِكْ عَلى مُحَمْدٍ وأزواجِهِ وذريَّتهِ، كمَا بَارَكتَ عَلى آلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مجيدٌ.

 

اللهم وفِّقنا لما تُحب وترضى، واختِم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا، الله آتِ نفوسنا تقواها وزكِّيها أنت خيرُ مَن زكاها، أنت وليُّها ومولاها فيا نعم المولى ويا نعم النصير.

 

اللهم متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا ما أحييتنا، واجعَله الوارث منَّا يا ربَّ العالمين، اللهم أصلِح ولاةَ أمرنا لِما فيه خيرُ دينهم ودنياهم، والحمد لله رب العالمين.



Loading

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

كيف ولد ابليس اللعين ؟ ومن هم والديه ؟ واين المكان الذى ولد فيه ؟ ومن هى زوجته ؟ وكم شيطاناً لديه !!

Next Post

18 – طواف العمرة للحاج المتمتع – عثمان الخميس

Related Posts