dark

رييل ستوري | خطبة عيد الأضحى: {واشكروا لي ولا تكفرون}

خطبة عيد الأضحى

﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكرٌ وكبَّر، الله أكبر عددَ ما حمِد الله حامد وشَكَر، الله أكبر ما سطع فجر الإسلام وأسفر، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم الأكبر، الذي جعل لكل شيء وقتًا وأجلًا مُقدرًا، تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وتوعَّد بالعذاب من جحد وكفر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الطاهر المطهَّر، أنصح من دعا إلى الله وبشَّر وأنذر، الشافع المشفَّع في المحشر، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ما أقبل صبح وأسفر، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المسلمون عباد الله:

فهذا يومُ عيدِكم، عيد الأضحى المبارك، جعله الله يومَ ذِكْرٍ وفرح وسرور، جاء مع فريضة الحج، وأعمال العشر من ذي الحجة، وصيام يوم عرفة، فهنيئًا لكم العيد يا أيها المسلمون، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيلَ الحُبِّ والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم ولا بعده مكروهًا، فاستقيموا على الطاعة، وتزوَّدوا من العبادة، وابذلوا المعروف، وقوموا بأوامر الدين، وساهموا في بناء مجتمعاتكم وأُمَّتِكم، وانشروا الخير والأمن والمحبة والتآلف فيما بينكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم، تسعدوا في دنياكم وأخراكم، وإن من أسباب الفلاح والنجاح وتبدُّل الأحوال شُكْرَ الله على نعمه، واستعمالها في مرضاته؛ فالشكر عبادة عظيمة، ومِنْحَةٌ جليلة، وعطاء لا ينفد، وبحرُ جودٍ لا ساحل له، به يكتمل الإيمان، وتتعدد النعم، وفيه صلاح الدين والدنيا، وهو عبادة الأنبياء، وصفة من صفات الأتقياء، وطريق سار عليه الأتقياء، وهو عبادة الفَرَجِ بعد الكرب، واليُسْرِ بعد العسر، والصحة بعد المرض، والرخاء بعد الشدة والعَناء، والأمن بعد الخوف، ولأهمية هذه العبادة وفضلها وثمرتها، فقد أمر الله بها أنبياءه، ودلَّ عليها أصفياءه وأولياءه، وحذَّر من تركها جميع خلقه؛ فقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل: 120، 121]، ووصف الله عز وجل بهذه العبادة نوحًا عليه السلام فقال: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء: 3]، وقال الله تعالى عن سليمان عليه السلام وقد رأى نعم الله تترى عليه: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40]، وقال تعالى لنبيه موسى عليه السلام: ﴿ فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 144].

 

 

أيها المسلمون: لقد أمر الله جميع العباد؛ فقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، وخاطب سبحانه وتعالى قوم سبأ؛ فقال: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15]، ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرَ الشكر لربِّه؛ تقول له عائشة رضي الله عنها وهي تراه يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقَّقَ قدماه من طول الصلاة والقيام؛ فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيَرُدُّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا))؛ [متفق عليه].

 

عبـاد اللـه: إن نعم الله على الإنسان لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل: 18]، وقال ممتنًّا على عباده بنِعَمِهِ: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [الملك: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 73]، بل إن الله سبحانه وتعالى خَلَقَ الليل والنهار؛ ليرى شُكْرَ الشاكرين، وذِكْرَ الذاكرين؛ فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].

 

عباد الله: لما عرف عدوُّ الله إبليس مقامَ الشكر، وأنه من أجَلِّ المقامات وأعلاها، جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه؛ فقال: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17]، ووَصَفَ سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]، وثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: ((والله إني لأحبك، فلا تدعَنَّ في دُبُرَ كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))؛ [رواه أبو داود]، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله لَيرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمَده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها))، وقال عمر بن عبدالعزيز: “قيِّدوا نِعَمَ الله بشكر الله”.

 

إن الشكر الحقيقيَّ هو أن يُظهِرَ العبد نعمة الله عليه باللسان اعترافًا، وبالقلب محبة، وبالجوارح انقيادًا وطاعة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، إلا أدى شكر ذلك اليوم))؛ [صحيح الجامع (5563)]، ويكون الشكر بالمحافظة على الطاعات، واستغلال الأوقات فيما يقرب من الله من العبادات، ويكون الشكر بألَّا تعصي الله بنعمة من نعمه عليك، فإذا أنعم الله عليك بنعمة الصحة والقوة، والجاه والمال، فلا تظلم أحدًا، ولا تعتدِ على حقوق الآخرين وممتلكاتهم، ولا تسرف في المعاصي والذنوب.

 

أيها المسلمون: النعم تدوم بالشكر، والإنسان مهما بلغ سلطانه، وكثُر ماله وأتباعه، فهو ضعيف وعاجز أمام قوة الله وملكه وسلطانه، فلا تغترَّ بقوتك، ولا تتباهَ بسلطانك، ولا تتكبر بمالك؛ فكل شيء يزول، وكل شيء ينتهي، وكل شيء تشعر أنه يمنحك القوة والعزَّ من دون الله لن يبقى، لقد قَرَنَ الله عز وجل الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا؛ فقال: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء: 147]؛ أي: إن وفَّيتُم ما خُلِقتُم له؛ وهو الشكر والإيمان، فما أصنع بعذابكم؟

 

وقد آن لهذه الأمة أفرادًا وجماعات ودولًا، وحُكَّامًا ومحكومين، أن يشكروا الله حقَّ شكره، وإنَّ من تمام هذا الشكر أن يعملوا جميعًا للخروج بالأوطان إلى برِّ الأمان، فنحتكم للشرع، ونحافظ على ثوابت الأمة، ونُحسن العمل والإنتاج، وبذل الأسباب، ونعالج خلافاتنا وقضايانا بالتفاهم والحوار، وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، ومصالح الأوطان على مصالح الأشخاص، وننبِذ العصبية الجاهلية، ونعمل جميعًا على تقوية روابط الأُخُوَّة بين المسلمين، ونأخذ جميعًا على يد الظالم حتى يعود إلى الحق، وننتصر للمظلوم حتى يأخذ حقه، ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، وهذه هي طريق النجاة والخيريَّة؛ قال عز وجل: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110]، فليكن هذا العيدُ نقطةَ انطلاق ومراجعة لجميع أعمالنا وسلوكياتنا، ونعزم جميعًا على التغيير نحو الأفضل في حياتنا.

 

اللهم خُذْ بنواصينا إلى كل خير، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.

 

الخطــبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بِشْرًا، الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيرًا وذكرًا؛ أما بعد أيها المسلمون:

فأعيادنا مرتبطة بقربنا من الله، والعمل بأوامره، واتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والعيد الحقيقي هو أن تحفظوا الله في فروضه وحدوده وعهوده، يحفظكم في دينكم وأموالكم وأنفسكم، كونوا مع الله يَكُنِ الله معكم، في حَلِّكم وترحالكم، في حركاتكم وسكناتكم، في يُسركم وعُسركم، في قوتكم وضعفكم، في غناكم وفقركم، جاهدوا أنفسكم وزكُّوها وهذِّبوها بدين الإسلام، وربُّوا أهليكم وأولادكم وأسركم ومجتمعاتكم على البر والتقوى، والعمل الصالح، والخلق القويم، والمعاملة الحسنة، تفلحوا.

 

أيها المؤمنون عبـاد الله: ينبغي علينا في هذا العيد أن نُدخِلَ الفرح والسرور على أهلينا وأولادنا وأرحامنا بالزيارة والهدية، وتفقد الأحوال، وما أجمل أن نمد يد العون للآخرين من حولنا بهذه الفرحة! فهناك الأيتام والأرامل، والمساكين والمحتاجون والمرضى، فنُدخل عليهم السرور بما نستطيع؛ تقرُّبًا إلى الله، والتزامًا بهَدْيِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ القائل: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشِيَ مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يُمضيَه أمضاه، ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزِلُّ الأقدام، وإن سوء الخلق لَيُفْسِد العمل، كما يُفسِد الخلُّ العسلَ))؛ [صحيح الجامع (176)].

 

عبــــــــاد الله: لِيَقُمْ كلُّ من ضحى إلى أضحيته، فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقَّدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخِلُوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحِّ لضيق العيش والحاجة، فلا يبتئس ولا يحزن؛ فقد ضحَّى عنه وعن غيره من المسلمين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم، وجدِّدوا إيمانكم، وحسِّنوا أخلاقكم، واحفظوا دماءكم، واجتنبوا الفتن، تفوزوا برضا ربكم، وصِلوا أرحامكم تحل البركة في أعماركم وأموالكم، ألَا وصلوا وسلموا على من أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمرَ، وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولُمَّ شعثَهم، وألِّف بين قلوبهم، واحقُن دماءهم، اللهم جنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم تقبَّل من حُجَّاج بيتك أعمالهم، ورُدَّهم إلى بلادهم سالمين غانمين، واغفر لنا ولهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



Loading

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

حكم العادة السرية الشيخ د.عثمان الخميس

Next Post

قصص اسلامية قصيرة الحلقة 24:قصة رجل أنقده الشيطان من الموت#shorts #bokoaflam

Related Posts