dark

رييل ستوري | كن سلاما على من حولك

خطبة عيد الأضحى: كُنْ سلامًا على من حولك

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، ويصرِّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخَلْقُ خَلْقُه، الأمْرُ أمرُه، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمَده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، والَى علينا نِعَمَه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدَّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدالله ورسوله، أفضل الرسل وسيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثـيرًا على الدوام؛ أما بعد:

أيها المسلمون: لقد كان من أهداف الإسلام في تحقيق رسالته السامية بناءُ الروابط، ومدُّ الجسور، وتقوية العلاقات الإنسانية بين البشر، والدعوة إلى التعارف والتعاون بينهم، على اختلافهم في الدين والعقائد، والبُلدان والجنس؛ لأنه دين عالميٌّ للناس كافة، وختم الله به الرسالات؛ فقال تعالى مخاطبًا جميع الخَلْقِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].

 

والمسلم ليس عدوًّا للناس من حوله، وينبغي ألَّا تكون حياته وتصرفاته وسلوكياته حربًا وجحيمًا، وعذابًا وعدوانًا عليهم، أو ظلمًا لهم؛ جاء في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)).

 

إن من أعظم أسباب الفتن في المجتمعات اليدَ واللسانَ إذا أُسيء استخدامهما؛ فاليد قد تُستعمل في الظلم والبطش، والاعتداء والضرب، والقتل والسرقة، والتزوير والرُّشوة، وقطع الطريق، والحروب والصراعات، وأعظم هذه الفتن سفكُ الدماء، وإزهاق الأرواح؛ لذلك جَعَلَ الإسلام التعدِّيَ على حياة هذا الإنسان من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم والذنوب التي تُورِد صاحبها المهالكَ في الدنيا والآخرة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا))، وقال ابن عمر: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكَ الدم الحرام بغير حلٍّ”؛ [البخاري: 6862].

 

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا))؛ [رواه أحمد: 16849، وصححه الألباني].

 

بل جعل الإسلام قتلَ المسلم، وسفكَ دمِهِ من عظائم الأمور؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((قتلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا))؛ [صحيح الجامع للألباني: 4361]، وعن عبدالله بن عمرو قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبكِ! وما أطيب ريحَكِ! ما أعظمكِ! وما أعظم حرمتَكِ! والذي نفسُ محمدٍ بيده، لَحُرْمَةُ المؤمن عند الله أعظم من حرمتكِ؛ مالِهِ ودمِهِ))؛ [اللفظ لابن ماجه، وهو صحيح لغيره، انظر: صحيح الترغيب والترهيب للألباني].

 

إلى جانب ذلك، فقد رتَّب الله أشدَّ العقوبات على قتل النفس، وإزهاق الأرواح؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93].

 

أيها المؤمنون: وكذلك اللسان، فإن خطره عظيم، وشرَّه مستطير؛ لذلك دعا الإسلام إلى حفظه واستعماله في الخير، وحذَّر من الغفلة عن هذا العضو الصغير في جسد الإنسان، الذي قد يكون سببًا في سعادته، أو سببًا في تعاسته وتعاسة من حوله في الدنيا والآخرة؛ فقد روى الترمذي وغيره، وصححه الألباني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: ((كُفَّ عليك هذا، وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لَمُؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكِلتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟))، وروى الترمذي وغيره، وصححه الألباني، عن سفيان الثقفي قال: ((قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ قال: فأخذ رسول الله بلسان نفسه، ثم قال: هذا)).

 

وينبغي للمسلم ألَّا يكون كلامه سببًا في وَغْرِ الصدور، وإثارة العداوات بين المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114].

 

دخل رجلٌ على عمر بن عبدالعزيز، فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: “إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا، فأنت من أهل هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6]، وإن كنت صادقًا، فأنت من أهل هذه الآية: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفوَ يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا”.

 

وقال عليه الصلاة والسلام: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش ولا البذيء))؛ [رواه الترمذي وحسَّنه]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((سِبابُ المسلم فسوق، وقتاله كُفْرٌ))؛ [متفق عليه]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة))؛ [أخرجه مسلم].

 

لقد وصف الله عز وجل ذوي الإيمان، وأربابَ التُّقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول؛ فقال عز شأنه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 1 – 3]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص: 55].

 

أيها المؤمنون: ليكن أحدنا سلامًا على من حوله في أي بلد أو أرض، أو قبيلة أو قرية أو مدينة، وذلك ببذل النَّدى، وكفِّ الأذى، وأداء الحقوق والواجبات التي أوجبها الإسلام على المسلمين بعضهم تجاه بعض؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الحقوق: “وهي حقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة، والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله، وهده ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة”؛ [مجموع فتاوى ابن تيمية (11/ 101)].

فإلى جانب سلامة اليد واللسان من دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فإن أعظم هذه الحقوق والواجبات سلامةُ الصدر لإخوانك المسلمين، فلا تحمل حقدًا ولا حسدًا، ولا بغضاء ولا شحناء، ولا عداوة ولا غلًّا، فقد امتنَّ الله على أصحاب الجنة بتصفية قلوبهم من هذه الأمراض؛ فقال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾ [الأعراف: 43].

وفي آية أخرى قال سبحانه: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]؛ عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: ((قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التَّقِيُّ النقيُّ، لا إثم فيه ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسد))؛ [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (4/33)].

قال سفيان بن دينار: “قلت لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤجرون كثيرًا، قال: قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم”.

عبـاد الله: كم قَضَتِ الأحقاد والضغائن في القلوب على علاقات! وكم خربت من بيوت! وكم تمكنت من صدور فحوَّلتها إلى خصومة مع الآخرين! وكم بسببها حدثت من مشاكل وخلافات وصراعات وسوء ظن، وفَقَدَ المسلم الثقةَ بأخيه وجاره المسلم، وضاقت قلوب الناس، بل ضاقت بهم الأوطان المترامية الأطراف ببحارها وأنهارها، وجبالها وصحرائها، وسهولها ووديانها!

لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها
ولكن قلوب الرجال تضيقُ

قال أبو سليمان الداراني: “إني لأُلْقِمُ اللقمةَ أخًا من إخواني فأجد طعمها في حلقي”، قال اليزيدي: “رأيت الخليل بن أحمد، فوجدته قاعدًا على طنفسة، فأوسع لي، فكرهت التضييق عليه، فقال: إنه لا يضيق سمُّ الخياط على متحابَّين، ولا تَسَعُ الدنيا متباغضَين”؛ [عيون الأخبار، لابن قتيبة: (3/12)].

فعودوا إلى دينكم وأُخُوَّتكم، وتراحموا فيما بينكم، وقوموا بواجبات الأخوة وحقوقها، تفلحوا في دنياكم وأخراكم، واحذروا نزغات الشيطان، ودعوات الجاهلية، وكونوا عباد الله إخوانًا، وقولوا كلمة الحق، واحذروا مداهنة الباطل، وكونوا سلامًا على من حولكم لتسعدوا في الدنيا وأخراكم، ويسعد بكم من حولكم، اللهم اجعل قلوبنا عامرة بالإيمان، سليمة من الأدران، لا تحمل حقدًا ولا غلًّا لأحد من المسلمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.

 

أيها المسلمون عباد الله: لِيَقُمْ كلُّ من ضحى إلى أضحيته، فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقَّدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخِلُوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحِّ لضيق العيش والحاجة، فلا يبتئس ولا يحزن؛ فقد ضحَّى عنه وعن غيره من المسلمين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((شهِدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلَّى، فلما قضى خطبته نزل من منبره، وأُتِيَ بكبش، فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: بسم الله والله أكبر، هذا عني، وعمن لم يضحِّ من أُمتي))؛ [صححه الألباني في صحيح أبي داود].

 

ولا تنسَوا صلةَ الأرحام والأقارب، وتفقُّدَ الجيران، والتوسعة على الأهل والأولاد في مثل هذه الأيام، كلٌّ حسب قدرته واستطاعته، وأكْثِروا من ذكر الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم، وجدِّدوا إيمانكم، وحسِّنوا أخلاقكم، واحفظوا دماءكم، واجتنبوا الفتن، تفوزوا برضا ربكم، وصِلوا أرحامكم، تحل البركة في أعماركم وأموالكم.

 

هنيئًا لكم بالعيد أيها المسلمون، في كل مكان، وتحت أي ظروف وأحوال، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهًا، وجعل سائر أيامكم عبادة وطاعة لله، وعملًا وفرحًا وسرورًا، وكشف الله الغمة عن هذه الأمة، ورفع عنها البلاء والفتن، والأمراض وسيئ الأسقام، وثِقوا بالله، وأحسنوا الظن به سبحانه، فبيده كل شيء، وهو أرحم بنا من أنفسنا، اللهم غيِّر أحوالنا إلى أحسن حال، واجعل حياتنا وبلادنا وأوطاننا عامرة بالسعادة والمحبة، والأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.

 

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

 

وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولُمَّ شعثهم، وألف بين قلوبهم، واحقُن دماءهم.

 

اللهم جنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمنًا وسائر بلاد المسلمين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا ووالدينا والمؤمنين عذاب القبر والنار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



Loading

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

سؤال عن جواز لباس الطب للطالبات – عثمان الخميس

Next Post

العشر الأواخر من رمضان ( المحاضرة كاملة ) – عثمان الخميس

Related Posts