dark

رييل ستوري | تفسير سورة الأنعام الآيات (96: 99)

اعلانات

تفسير سورة الأنعام الآيات ( 96: 99 )

فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم ﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم [سورة الأنعام:96].

﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ ﴾ أيْ: شَاقُّ عَمُودِ الصُّبْحِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَسَوادِهِ[1].

 

﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا تَسْكُنُ فِيهِ الخَلْقُ مِنْ عَنَاءِ الْحَرَكَةِ وَتَهْدَأُ[2]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُون ﴾ [سورة يونس:67]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾ [سورة القصص:73][3].

 

﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ اللَّيْلِ[4] ﴿ حُسْبَانًا ﴾ “أَيْ: يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ مُقَدَّرٍ، لَا يَتَغَيَّرُ ولَا يَضْطَرِبُ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ مَنَازِلُ يَسْلُكُهَا فِي الصَّيْفِ والشِّتَاءِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ طُولًا وقِصَرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ [سورة يونس:5]، وكَمَا قَالَ: ﴿ لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون ﴾ [سورة يس:40]، وقَالَ: ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ [الْأَعْرَاف: ٥4][5].

 

﴿ ذَلِكَ ﴾ المَذْكُورُ ﴿ تَقْدِيرُ ﴾ أي: إِيْجَادُ وَتَنْظِيمُ[6] ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ فِي مُلْكِهِ ﴿ الْعَلِيم ﴾ بِخَلْقِهِ[7].

****

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون [سورة الأنعام:97].

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا ﴾ أي: خَلَقَ اللهُ النُّجُومَ لِلاهْتِدَاءِ بَِها ﴿ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: فِي السَّيْرِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون ﴾ [سورة النحل:16][8].

 

وهَذِهِ إِحْدَى مَنافِعِ النُّجُومِ الَّتِي خَلَقَها اللَّهُ لَهَا، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ في قَوْلِهِ: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ﴾ [سورة الملك:5]، وقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِد ﴾[سورة الصافات:6-7][9].

 

قَالَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ:قَالَ قَتَادَةُ: خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: زِينَةً للسَّمَاءِ وَرُجُومًا لْلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمِ لَهُ بِهِ”[10].

 

﴿ قَدْ فَصَّلْنَا ﴾ بَيَّنَّا ﴿ الآيَاتِ ﴾ الدَّلَالَاتِ عَلى قُدْرَتِنَا[11] ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون ﴾ يَتَدَبَّرُونَ وَيَتَأْمَّلُونَ[12].

 

قَالَ السُّيُوطِيُّ: “هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي المِيقَاتِ، وَأدِلَّةِ القِبْلَةِ”[13]اهـ. ووَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا ﴾ [سورة الأنعام:97]، وَالْهِدَايةُ إنَّمَا تَكُونُ لْلمَقَاصِدِ، وَالصَّلَاةُ مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ.

****

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون [سورة الأنعام:98].

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم ﴾ خَلَقَكُمْ ﴿ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ هِيَ آدَمُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ﴾ [سورة النساء:1].

 

﴿ فَمُسْتَقَرٌّ ﴾ تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ، وَهُوَ أَرْحَامُ النِّسَاءِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء ﴾. ﴿ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ تُحْفَظُونَ فِيهِ، وَهُوَ أَصْلَابُ الرِّجَالِ[14].

 

﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون ﴾ مَا يُقَالُ لَهُمْ فَيَنْتَفَعُونَ بِهِ، وَ”الْفِقْهُ: تَدْقِيقُ النَّظَرِ، فَهُوَ أَلْيَقُ بِالْاسْتِدَلَالِ بِالْأَنْفُسِ لِدِقَّتِهِ بِخِلَافِ الْاسْتِدَلَالِ بِالْآفَاقِ، فَفِيهِ ظُهُورٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ: ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون ﴾”[15].

****

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون [سورة الأنعام:99].

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ أي: بِهَذَا الْمَاءِ ﴿ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ ﴾ أيْ: مِنْ هَذَا النَّبَاتِ[16] ﴿ خَضِرًا ﴾ أي: زَرْعًا وَشَجَرًا أَخَضَرَ رَطْبًا[17].

 

﴿ نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا أي: وَنخْرِجُ مِنْ ذَلِكَ الخَضِرِ حَبًّا مُتَراكِبًا بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ في سُنْبُلَةٍ واحِدَةٍ، كَسَنابِل الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأَرُزِ ونَحْوِهَا[18].

 

وَلَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالى مَا يَنْبُتُ مِنَ الحَبِّ أتْبَعَهُ بِذِكْرِ مَا يَنْبُتُ مِنَ النَّوى، وَهُوَ القِسْمُ الثَّانِي، فَقَالَ: ﴿ وَمِنَ النَّخْلِ ﴾ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ ﴿ مِن طَلْعِهَا ﴾ بَدَلٌ مِنَ النَّخْلِ[19] ﴿ قِنْوَانٌ ﴾ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْمَعْنَى: وَنُخْرِجُ مِنْ طَلْعِ النَّخْلِ وَهُوَ: مَا تَنْشَأُ فِيهِ عُذُوقِ الرُّطَبِ ﴿ دَانِيَةٌ ﴾ قَرِيبةُ التَّنَاوَلِ[20].

 

﴿ وَجَنَّاتٍ ﴾ أي: وَأَخْرَجْنَا بِهَذَا الْمَاءَ بَسَاتِينَ ﴿ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا ﴾ فِي النَّظَرِ ﴿ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾ فِي الطَّعْمِ[21].

 

﴿ انظُرُواْ ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ نَظَرَ اعْتِبَارٍ ﴿ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾ أيْ: ثَمَرِ كُلِّ واحدٍ مِن ذَلِكَ إذا أخْرَجَ ثَمَرَهُ، كَيْفَ يَكُونُ ضَئِيلًا ضَعِيفًا، لا يَكادُ يُنْتَفَعُ بِهِ[22].

 

﴿ وَيَنْعِهِ ﴾ أيْ: وَإِلَى حَالِ يَنْعِهِ ونُضْجِهِ، كَيْفَ يَعُودُ شَيْئًا جَامِعًا لِمَنافِعَ ومَلاذَّ[23].

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ ﴾ دَلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ عَلى كَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ تَعالَى عَلى البَعْثِ وَغَيْرِهِ[24] ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون ﴾ خُصُّوا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ المُنْتَفِعُونَ بِها[25]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين ﴾ [سورة الذاريات:55].


[1] ينظر: الوجيز للواحدي (ص366).
[2] ينظر: تفسير النسفي (3/ 164).
[3] ينظر: أضواء البيان (1/ 488).
[4] ينظر: تفسير البيضاوي (2/ 174)، تفسير الجلالين (ص178).
[5] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 305).
[6] ينظر: أيسر التفاسير (2/ 95).
[7] ينظر: تفسير الجلالين (ص178).
[8] ينظر: تفسير الطبري (11/ 561).
[9] ينظر: فتح القدير (2/ 163).
[10] صحيح البخاري (4/ 107).
[11] ينظر: تفسير الجلالين (ص178).
[12] ينظر: تفسير الجلالين (ص179).
[13] الإكليل (ص120).
[14] ينظر: تفسير الطبري (11/ 568)، تفسير الماوردي (2/ 148).
[15] جامع البيان للإيجي (ص265).
[16] ينظر: الوجيز الواحدي (ص367).
[17] ينظر: تفسير الجلالين (ص179).
[18] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (2/ 304)، تفسير الجلالين (ص179).
[19] ينظر: تفسير أبي السعود (3/ 166)، فتح القدير (2/ 164).
[20] ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 306). ولَمْ يَقُلْ: “وَمِنها قِنْوانٌ بَعِيدَةٌ؛ لِأنَّ في الكَلامِ دَلِيلًا أنَّ البَعِيدَةَ السَّحِيقَةَ مِنَ النَّخْلِ قَدْ كانَتْ غَيْرَ سَحِيقَةٍ، واجْتُزِئَ بِذِكْرِ القَرِيبَةِ عَنْ ذِكْرِ البَعِيدَةِ، كَما قالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ ﴾ [النحل: ٨١]، ولَمْ يَقُلْ: وَسَرابِيلَ تَقِيكُمُ البَرْدَ؛ لِأنَّ في الكَلامِ دَلِيلًا عَلى أنَّها تَقِي البَرْدَ، لِأنَّ ما يَسْتُرُ مِنَ الحَرِّ يَسْتُرُ مِنَ البَرْدِ. قاله الزجاج. ينظر: معاني القرآن (2/ 275).
[21] ينظر: تفسير الطبري (12/ 157)، تفسير القرطبي (7/ 49).
[22] ينظر: تفسير الزمخشري (2/ 52)، تفسير القاسمي (4/ 446).
[23] ينظر: تفسير الزمخشري (2/ 52)، تفسير القاسمي (4/ 446).
[24] ينظر: تفسير الجلالين (ص179).
[25] ينظر: تفسير الجلالين (ص179).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل277 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | خطبة: فضل صيام يوم عاشوراء

Next Post

رييل ستوري | من باب الكفاءة والخيار

Related Posts