dark

رييل ستوري | إن لم تشغلهم بالباطل شغلوك بالحق!

اعلانات

إن لم تشغلهم بالباطل شغلوك بالحق!

 

أخيرًا قبضوا على السفاح!!

وأودع السجن، وحكمت المحكمة، والأدلة واضحة والقضية منتهية، وما بقي إلا تنفيذ الإعدام!

 

هذا ما جاء في أحد الأفلام القديمة، ولو اقتصر الأمر على هذا لما كان هناك كبير تشويق ولا ما يثير الاهتمام.

 

ولذلك جاءت الفكرة إلى هذا العبقري الذي بَذَّ أقرانَه وفاق زملاءَه، ولذلك صار ذا رتبة كبيرة في حين بقي هذا وذاك مغمورًا في بعض الأقاليم لا يطمح حتى في الترقية القريبة.

 

لكن ما هذه الفكرة؟

لقد هرب السفاح.

لقد قبض على السفاح.

لقد هرب السفاح مرة أخرى وقتل امرأة أخرى.

إلخ إلخ.

 

وتظل القضية تسخن مرة وتبرد أخرى، والناس مَشُوقة تتابع الأحداث يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة، وهذا العبقري يسمي ذلك تسمية عجيبة؛ يسميها (عصا موسى!)

 

ولا يعلم أحد أن هذا السفاح ما استطاع الهرب إلا بتسهيل الأمر له، وأن معظم هذه الأحداث والأخبار (فبركات) واختراعات!

 

الناس في حاجة دائمة إلى ما يشغلهم؛ وأفضل ما يمكن استعماله في شغلهم هو الأمر العجيب والخبر الغريب؛ وذلك لأن الفضول من طبائع البشر، ولولا الفضول ما اكتشف مكتشف ولا اخترع مخترع ولا بحث باحث ولا اجتهد مجتهد.

 

وقد كانت وسائل الاتصال ضعيفة وتستغرق وقتًا طويلا في نقل الأخبار والرسائل من بلد إلى بلد، ولذلك كان لدى الناس كثيرٌ من الوقت، فلا جرم كان لدى طالب العلم الوقت الكثير ليطلب العلم، ولدى العالم الوقت الكثير ليعلم ويصنف، ولدى المرجفين الوقت الكثير ليجتمعوا ويقووا شوكتهم.

 

أما الآن فقد صارت وسائل الاتصال من أقوى ما يكون، وصار الخبر يظهر في المشرق فيعلم به من في المغرب بعده بثوانٍ معدودة!

 

وإن العالم يفني عمره في علم من العلوم ثم يضع فيه تصنيفًا أو يكتب فيه مقالا، فلا تجد أنظار الناس ملتفتة إليه، ولا قلوب الطالبين مائلة إليه، ولا عقول العالمين معجبة به، اللهم إلا بعد الزمن الطويل ومن القلة القليلة.

 

أما إن جاء أجهلُ الجهلاء فقال بقولة لم يقل بها أحد من العقلاء، فإنك كثيرًا ما تجد هذه المقالة قد طارت كل مطار، وانتشرت في الناس انتشار النار في الهشيم، ونقلها هذا إلى ذاك، وحدث بها الكبير والصغير، وتناقلها الناس نادرة في المجالس، وصارت محور المناقشات والمطارحات والمجالسات، وترك طالب العلم مما يدرسه لأجلها أهم المهمات، وأجل العالم مما يبحث فيه بسببها أجل الجليلات، فصار هذا يكتب الردود على هذه الترهات، وصار ذاك يسطر الجواب على هذه الأباطيل!

 

ولكن لماذا كل هذا؟

لكي لا يفتتن الناس بهذه المقالة… زعموا!

ولكي لا يضل العوام بتلك الشبهة… زعموا!

ولأن هذا هو فرض الوقت فيقدم على غيره… زعموا!

 

ولأن هذه طبيعة البشر المعلومة بالاستقراء والتجربة، فقد صار من أراد أن يشغل الناس يلجأ إلى مثل هذا، فاليوم فتوى شاذة، وغدًا رأيٌ غريب، وبعد غد قولٌ عجيب، وهكذا.

 

بل صار هذا من أساسيات السيطرة على الناس وتوجيه الأفكار؛ لأن هؤلاء العامة لو تُركوا وشأنهم لصاروا في الغد القريب طلبةَ علم، وطلبة العلم هؤلاء لو تُركوا وشأنهم لصاروا في وقت قريب علماء، وهؤلاء العلماء لو تركوا وشأنهم لنفعوا الأمة بالمصنفات المفيدة، والدروس النافعة، والتوجيهات السليمة، واهتدى على أيديهم كثير من الضالين، وازداد هدى كثير من المقتصدين، وانتفع بكلامهم كثير من المخلطين.

 

وهذا كله نحن لا نريده!!

فلا بد أن نشغل العامة كل يوم بالأخبار العجيبة حتى يضيعوا وقتهم في المناقشات التي لا طائل من ورائها، ولا بد أن نشغل طلبة العلم بالاختلافات العقيمة حتى لا يجدوا وقتًا لطلب العلم الحقيقي الذي ينفعهم وينفع بهم، ولا بد أن نشغل العلماء بالخصومات الشخصية المغلفة بالخلاف العلمي حتى لا يجدوا وقتًا للمشروعات النافعة التي تخدم الأمة على المدى الطويل.

لا بد، لا بد.

 

لا بد أن نشغلهم بالباطل حتى لا يشغلونا بالحق!

والله المستعان، وعليه التكلان.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل265 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | حاسب نفسك (خطبة)

Next Post

رييل ستوري | أقوال الفقهاء حول تفضيل إعانة الفقراء والمحتاجين على تكرار نافلة الحج والعمرة

Related Posts